فجأة وجد الحمار نفسه مقحما في الحملة الانتخابية دون أن يكلف أحد نفسه استشارة هذا الأخير حول موقفه من استعمال اسمه و«سمعته» في الانتخابات الجماعية الحالية. وهكذا وجد حماران في الناظور نفسهما يتزعمان مسيرة احتجاجية على استعمال المال في الحملة الانتخابية. فيما وجد حمار آخر نفسه متورطا في مسيرة ببني ملال نظمها أصحابها لمحاكمة التجربة الجماعية السابقة، وعمدوا إلى كتابة أسماء هؤلاء المسؤولين على ظهور الحمار الذي طافوا به شوارع المدينة. ودائما في مثل هذه المسيرات «الحمارية» يحدث الشيء نفسه، يتم اعتقال قائد المسيرة ومعه الحمير، وبعد لحظات يتم إطلاق سراح القائد ويتم الإبقاء على الحمير قيد الاعتقال في «فوريان» البلدية، ربما تعميقا للبحث. وفي حالة الشاب الذي اكترى الحمار واستعمله في مسيرة بني ملال، فقد أنقذته والدته بشهادة طبية تثبت إصابته بمرض عقلي. فيما اعترف هو أمام الضابطة القضائية بأنه استعان بالحمار وعلق عليه صورة أحد المرشحين لأن هذا الأخير رفض منحه أجرته مقابل اشتغاله معه في الحملة. استعمال الحمير في تصفية الحسابات السياسية ليس مقتصرا على المغرب فقط. فقد استعملتها بعض خلايا المقاومة في فلسطين والعراق وفخخت بعضها بالمتفجرات وأرسلتها تسرح بالقرب من الحواجز الأمنية التي تنصبها قوات الاحتلال. وكم من حمار كان يسرح بالقرب من نقطة تفتيش أمريكية إلى أن تطايرت أطرافه ومعها أطراف الجنود الذين لم يتوقعوا لحظة واحدة أن حمارا مسالما يمكن أن يشكل خطورة عليهم. وفي المغرب إذا لم يتم استعمال الحمار «شخصيا» في تصفية الحسابات، فإن صفته هي التي تستعمل. أي «تاحيماريت». والمغاربة مشهورون بسرعة غضبهم ونزوعهم إلى استعمال الشتائم بسهولة بالغة، وأحيانا بدون مبرر. وأسهل شيء يمكن أن تسمعه من فم المغربي أو المغربية إذا ما «طار» لأحدهما هو «الحمار لاخر»، أو «الحمارة لخرا». وهذه الشتائم نسمعها أكثر في طرقات المملكة. خصوصا عندما ينشب خلاف مروري على الطريق. وأحيانا لمجرد أنك استعملت حقك الطبيعي في «الدوبلاج». فهناك نوع من المغاربة يكره أن تتجاوزه في الطريق، وإذا تجاوزته فإنه يعتبر ذلك انتقاصا منه واحتقارا لسيارته و«العودان» التي تنام في محركها. وغالبا عندما يكون زجاج النوافذ مغلقا يمكنك أن ترى شفتي السائق المغربي الغاضب تتحركان بشكل يجعلك تقرأ عليها «على حمار كي داير»، أو «حمارة» إذا حدث فعل التجاوز من قبل امرأة. وإذا كان البعض يستعمل الحمار لتصفية حساباته السياسية مع خصومه، والبعض الآخر يستعير منها صفة «تاحيماريت» لشتم خصومه وتحقيرهم، فإن حوالي خمسة عشر مليون مغربي يقطنون في القرى والبوادي يعرفون «بحق» الحمير ولا يستطيعون الاستغناء عنها، ببساطة لأن حياتهم بدون الحمير ستتحول إلى جحيم. والحمار على عكس ما يروج عنه، ليس حيوانا غبيا، بل لديه ذاكرة قوية. ويستطيع أن يتذكر الطرق التي سلكها ويعود عبرها لوحده بدون صاحبه. والذين يشتغلون في التهريب في منطقة «جوج بغال» بين المغرب والجزائر، يعرفون عماذا أتحدث. فوسيلة الاتصال الوحيدة بين المغاربة والجزائريين هي الحمير العابرة للحدود. تذهب الحمير المغربية محملة بالخضر والفواكه والحشيش وتعود محملة بالغاز ومواد التجميل والقرقوبي. والحمير تذهب لوحدها بدون حاجة إلى سائق. فهي تحفظ منعرجات الطريق الصعبة بين المغرب والجزائر عن ظهر قلب، ربما أكثر مما يعرف الطيب الفاسي الفهري منعرجات ملف العلاقات المغربية الجزائرية. ولكي لا تضيع الحمير وقت المهربين في أكل العشب أو التناسل في الجبال فإن أغلبهم يعمد إلى وضع «والكمان» فوق آذانها الطويلة حيث يسجلون لها صوتا أجش في شريط يردد طيلة وقت الرحلة «أرا سير، أرا سير». هكذا يعتقد الحمار أن هناك راكبا يقوده، أي أن هناك رقابة مفروضة عليه. تماما مثل ذلك الصوت الذي يسمعه بعض الصحافيين في رؤوسهم عندما يهمون بالكتابة حول بعض المواضيع، فيمسكون فجأة أصابعهم عن الخوض فيها مخافة أن ينتقل التهديد من الصوت إلى السوط. المشكلة أن الحمير المغربية العابرة للحدود أصبحت تشكل هدفا لحراس الحدود الجزائريين. وهكذا أصبحت بعض «فيالق» الحمير تموت أثناء أدائها لواجبها الوطني، ولا تصل حمولتها أبدا إلى أصحابها. وهذا نداء إلى الأخت «بريجيت باردو» لكي تنكب على ملف هذه الحمير المغربية المغتالة غدرا على أيدي الإخوة الجزائريين على الحدود، مادام مسوؤلونا في الخارجية لا يهتمون حتى بمصير المغاربة البشر، خصوصا أولئك الذين يموتون في سجون العقيد معمر القذافي، فكيف سنطالبهم بالاهتمام بمصير الحمير. والواقع أن الحكومة مطالبة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بالاهتمام بمصير الحمير، خصوصا وأن لائحة صادرات المغرب نحو الخارج تشير إلى وجود هذه الحيوانات ضمن الأصناف الحيوانية التي يصدرها المغرب. والمغرب من أهم مصدري الحمير في العالم. وحسب إحصائيات مكتب الصرف، فالمغرب يصدر سنويا نحو إسبانيا وفرنسا حوالي 1500 حمار. وليس أي حمير من فضلكم، وإنما الحمير «الأصيلية»، يعني حمار «دوريجين». فالحمير عندنا مثلها مثل البشر، هناك الأصليون وهناك المزيفون. بالإضافة طبعا إلى «الكياضر»، والتي لا أحد يطلبها منا في الخارج فتبقى عندنا في الداخل «تزعرط» في الوقت الذي تظل فيه الخيول مربوطة. وهناك اليوم في إسبانيا وإيطاليا والكثير من دول حوض البحر الأبيض المتوسط، اتجاه إلى استيراد الحمير لاستعمالها في السياحة الجبلية. وهناك بلديات في إيطاليا أصبحت تشتري الحمير لاستعمالها في التخلص من القمامة، بحيث يتم إطلاق سراحها في الشوارع لكي تأكل الأزبال، عوض الاحتفاظ بها في حدائق الحيوان وصرف الميزانيات الباهظة على إطعامها. وعندنا في المغرب سبقت البلديات نظيرتها الإيطالية في ذلك. ويكفي أن تتجول في بعض الأحياء بالمدن المغربية لكي تصادف قطعانا من الحمير تدس رؤوسها في «طاروات الزبل» لتقلبها وتلتهم محتوياتها، التي غالبا ما يكون «الميخالا» قد مروا عليها قبلها ونهبوا محتوياتها. والمغرب يتوفر على احتياطي مهم جدا من الحمير، ولذلك ففي اتفاقية التبادل الحر التي وقعها المغرب مع الولاياتالمتحدةالأمريكية يحضر الحمار كإحدى المواد التجارية التي يستقبلها الأمريكيون من المغرب. وإذا كان الحمار المغربي يعاني من الحيف والظلم وتشويه الصورة، فإن الحمار الأمريكي استطاع أن يصل إلى البيت الأبيض، وليس إلى «الفوريان» كما يحدث عندنا. فالحمار رمز الحزب الديمقراطي الذي يحكم العالم اليوم. ومن يدري، فربما يرق قلبه لحال إخوانه في المغرب، فيمد إليهم حافره في التفاتة حمارية نبيلة. وربما لهذا السبب ظل الحمار المغربي معفى من الضرائب الجمركية في اتفاقية التبادل الحر بين الرباط وواشنطن. «سعداتو، ما محتاج يشارك لا فقرعة، لا يخلص لا فيزا لا ضريبة». وليس مثل مئات المغاربة الذين شاركوا في القرعة الأمريكية ودفعوا سبعة آلاف درهم ثمن الملف، وفي الأخير رفضت القنصلية الأمريكية بالدار البيضاء منحهم التأشيرة لعدم توفرهم على الشروط المهنية المطلوبة. ترى، من هو الحمار الحقيقي في كل هذه الحكاية؟