محمد بن محمد الفيزازي، الخارج من ثمان سنوات سجنا، من أصل 30 سنة حوكم بها. قيل إنه زعيم «السلفية الجهادية» ويقول إنها ابنة زنا ! يتحدث من على كرسي اعتراف «المساء» عن «طيش الشباب» وكيف أحب وتزوج، وكيف كان يرسم اللوحات ويبيعها، ويوم غنى لعبد الحليم حافظ عام 1969 فأعجب به الملحن عبد النبي الجيراري، ثم يوم رأى والده يبكي على شريط للشيخ كشك، فكان ذلك سببا لتحوله العميق نحو «التوبة» ثم الانقطاع للعبادة وللعلم. على كرسي الاعتراف يُقِر الشيخ الفزازي، دونما مركب نقص، بأنه كان مخطئا يوم وصف علماء السعودية بعلماء الفاتيكان، وبأنه وصف الحركات الإسلامية بما لا يليق.. كما يعترف بأنه أساء أدبه مع الشيخ القرضاوي ومع آخرين... وصف الشيخ المغراوي ب«عالم السلطان». ووصف اليسار بالكفر... ليرجع عن كل ذلك يوم كان في السجن وقبل الإفراج عنه بسنين... - تفكر في تأسيس حزب إسلامي، ألا تعلم بأن القانون يمنع تأسيس أحزاب على أساس ديني؟ أعلم -ما العمل؟ إذن، سألجأ إلى أحد الخيارات الأخرى. -ما هي؟ تأسيس حزب سياسي بمرجعية إسلامية، على غرار العدالة والتنمية، مثلا. -هل لديك خيار آخر، إذا فشل هذا الطرح؟ نعم، هناك حركة 20 فبراير التصحيحية، والتي انشقّت عن الحركة الأم، وهذه واجهة سياسية ما زالت في مهدها، لكنْ يمكن أن تكتسح الساحة السياسية بسرعة إذا توفرت لها المحفزات. - كيف ذلك؟ في الوقت الذي نرى حركة 20 فبراير الأم تفقد بعضا من زخمها، بسبب عدم تبرئها من الأصوات النشاز التي تعلن حربها على ثوابت الأمة، في تصريحات مسجَّلة بالصوت والصورة، تدعو إلى الإفطار العلني في رمضان، وبتمطيط حرية الاعتقاد لتصبح حرية الردة وإعطاء الحق للمثليين في الوجود المكشوف وإضافة زواجهم الملعون، بالعدلين، إلى مدونة الأسرة المغربية -لا قدّر الله- وكذلك بعدم توضيح سقف المطالب حتى يضغطوا على الدولة بترك الباب مفتوحا أمام احتمال مطلب إسقاط النظام. - هل البديل هو انبثاق حركة تصحيحية من داخل الحركة الأم؟ قبل الحديث عن الحركة التصحيحية، لا أريد أن أبخس حركة 20 فبراير حقها، فذلك ليس من منهجي، لذا يمكن تلخيص رأيي فيها بأنه لا يمكن لأحد التكهن بما تؤول إليه. الكل متوقف على تعقل قيادييها والعمل الجدي للحيلولة دون سقوط البلد في دوامة العنف والعنف المضاد «الله يلطف». لكنها اليوم ربما تعاني من الفيروسات القاتلة، أقصد «وْكالين رمضان» والمثليين والملاحدة اللا دينيين. - لم تجبني عن الحركة التصحيحية؟ كما يقال «مصائب قوم عند قوم فوائد».. ستدفع حركة 20 فبراير ثمن هذه الأمور التي ذكرتُ غاليا، أقله تخلي الناس عنها. فالمغاربة لا يمكن أن يقبلوا بهذه الضلالات، بحكم تجذر الإسلام فيهم، مهما كان في بعضهم من فتور. - وماذا عن الحركة التي تقول إنها تصحيحية لحركة 20 فبراير؟ ترى حركة 20 فبراير التصحيحية أن حركة 20 فبراير خرجت عن مسارها، للاعتبارات التي ذكرتها آنفا. وترى أن النضال من أجل محاربة الفساد والاستبداد والظلم وما إلى ذلك يجب أن يتم مع الملك وليس ضدا عليه. وترى أن الفساد الذي ينخر حركة 20 فبراير من الداخل لا يقل خطورة عن الفساد السياسي. - ما هي المطالب الأساسية لهذه الحركة التصحيحية؟ ترسيخ ثوابت الأمة، مثل إسلامية الدولة وإمارة المؤمنين ترسيخا حقيقيا. ولا يتم ذلك إلا إذا تم تفعيل الدستور تفعيلا عاجلا وصحيحا. إسقاط الفساد والاستبداد والظلم، بكل أشكالها. إرجاع المال العام المنهوب وتقديم الناهبين واللصوص إلى المحاكمة وعدم الإفلات من العقاب وإصلاح القضاء، عاجلا غير آجل. وجُل هذه الأشياء، للأمانة، هي من مطالب حركة 20 فبراير. - هل أنت ممن يرون أنه لا داعي إلى النزول إلى الشارع بعد خطاب الملك وبعد التصويت على الدستور ب«نعم»؟ لا. هذا حقهم، وهو وسيلة ضغط من أجل تفعيل الدستور الذي يؤيّدونه. - أنت تقصد ما تسميه «الحركة التصحيحية»؟ طبعا، لإيجاد قوة شعبية على الأرض للتتبع والمراقبة، وفي نفس، الوقت إرسال رسالة إلى الخصوم السياسيين مفادها أن هذه الحركة موجودة لحماية ثوابت البلد وأنها لا يمكن أن تسمح لحثالة من العابثين بالمساس بأركان الدولة. -هذا جزء مما تقول به حركة 20 فبراير، فلم شَقُّها إلى حركتين؟ أنا لا أُفرّق بين الحركتين في جل المطالب، باستثناء وجود أولئك «الفيروسات» الذين اخترقوا الحركة الأم. - تقول إنك خرجت ضدا على اللواطيين و«وكالين رمضان»، الذين تقول إنهم أقلية واستثناء داخل حركة 20 فبراير، أليس الاستثناء لا حكم عليه؟ يجب التنديد بالاستثناء ولا ينبغي السكوت عليه مقابل تحقيق مكاسب سياسية. وكما يقال «السكوت علامة على الرضا». وإنني أرجو من جماعة العدل والإحسان والعقلاء في حركة 20 فبراير أن يتبرؤوا من هؤلاء الشواذ، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، أن يعلنوا، بوضوح، عن سقف مطالبهم التي نرجو ألا تغالي فيها، ضدا على مبتغى أغلبية الشعب. - لماذا يقدس المغاربة رمضان أكثر من غيره من الشعائر، حيث لا يحاسب المجتمع والدولة تاركي الصلاة ومانعي الزكاة مثلما يحاسب المفطرين في رمضان؟ المجتمع لا يحاسب أحدا حتى في أكل رمضان. المحاسبة في المجاهرة بذلك، وهذه المجاهرة تعني الاستفزاز وجرح المشاعر وانتهاك القداسة. هذه هي القضية. وأنا أرى أن تكون المحاسبة صارمة جدا، لأن الدعوة إلى الجهر بالإفطار في نهار رمضان تحمل أجندة سياسية مخرّبة لأركان الدولة وناسفة لثوابت الأمة ومفتتة لتماسك الشعب. - شاركت في مسيرة مناهضة لحركة 20 فبراير في طنجة يوم الأحد، 24 يوليوز 2011 ولم يسبق أن شاركت في الحركة الأصل. هل أنت بلطجي؟ شاركتُ بناء على دعوة من أحد المنظمين مفادها أن المسيرة ستكون ضدا على «وكالين رمضان» وأنها ستردد «اللطيف»، وليس ضدا على حركة 20 فبراير، ولذلك لم أهتف لأحد ولا ضدا على أحد، بل كنت صامتا صمت الأموات، وما قيل عن أنني كنت أردد «الملك يحكم وياسين يحلم» غير صحيح، بالمَرة، وكذب وبهتان تولّت كبره إحدى الجرائد اليومية وبعض المواقع الإلكترونية. - هل استغفلوك لكي يستدرجوك إلى هذه المسيرة التي أطلقت عليها حركة 20 فبراير «مسيرة البلطجية»؟ لم يقولوا لي كل شيء. - وهل ندمت على الخروج في المسيرة رغم أنك كنت «نجما» فيها؟ لم أندم، باعتباري من مناصري الدستور. - ألا تخشى أن توقعك هذه «الخرجة» في صدام ومواجهة مع جماعة العدل والإحسان، أنت في غنى عنه؟ ولماذا الصدام؟ أليست هناك حرية الاختيارات السياسية التي تعبر عن القناعات الذاتية؟! فإذا كان للجماعة الحق في التظاهر والتعبير عن نفسها، فأظن أن نفس الحق يجب أن يكون مكفولا للجميع، والبقاء للأصلح. - هل تقرأ كتابات مفكرين مغاربة وعرب غير إسلاميين؟ قليلا. - ما رأيك في كتابات الراحل محمد عابد الجابري؟ محمد عابد الجابري مفكر كبير وباحث مقتدر ورمز من رموز القلم في الوطن العربي كله وليس فقط في المغرب، وهذا لا يعني أنني متفق معه في كل ما كتب، رحمه الله، فالاختلاف بين مدرستي الشرعية ومدرسته الحداثية اختلاف كبير لا بد أن يؤدي إلى تباين جوهري في الرؤى والأهداف. - هل قرأت عبد الله العروي؟ حضرت للرجل محاضرة في المعهد الإيطالي في طنجة سنة 1981 وقال حينها، منتقدا البرامج التعليمية لوزارة التربية الوطنية بالحرف تقريبا: «كيعلمو ولادنا داك القرآن المكّي «المعلك» (وقبح من تقاسيم وجهه) ومْصّابْ لو كان كيعلموهومْ القرآن المدني اللي متفتح شوية»... يريد أن يقول إن التلاميذ لا يفهمون شيئا، أي إنه يجب حذف القرآن الكريم من المناهج الدراسية... مثل هذا الخطاب لا يدخل الرجل إلا في زمرة الاستئصاليين الذين يحاربون التراث والإسلام من أوسع أبوابه. الآن مضى على هذا الكلام 30 سنة، وأرجو أن يكون العروي أفاء إلى رشده. - كيف تنظر إلى منهجه التاريخاني الذي يقيم نوعا من القطيعة مع التراث؟ القطيعة مع التراث قطيعة مع الذات. إنها انتحار فكري وثقافي. وصاحب هذه الدعوة هو المقطوع عن ساحة التأثير العلمية. وقد سبقه إلى هذا غير واحد من المفسدين، فانتهوا إلى مزبلة التاريخ، في حين ظل التراث شامخا يحكي مجد الأمجاد ويحث الأحفاد على الاجتهاد والإبداع والابتكار لإضافة المزيد إلى منتوجهم الغني في كل الميادين والمجالات.