سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الفيزازي: كان اعتقادي أن الغنوشي لا علاقة له بالكتاب والسنة واليوم أقول إن الرجل يستحق قيادة تونس قال إن العلماء الرسميين لا ينبغي لهم أن يبقوا حبيسي تعليمات الدولة عندما تحتاج إليهم
محمد بن محمد الفيزازي، الخارج من ثمان سنوات سجنا، من أصل 30 سنة حوكم بها. قيل إنه زعيم «السلفية الجهادية» ويقول إنها ابنة زنا ! يتحدث من على كرسي اعتراف «المساء» عن «طيش الشباب» وكيف أحب وتزوج، وكيف كان يرسم اللوحات ويبيعها، ويوم غنى لعبد الحليم حافظ عام 1969 فأعجب به الملحن عبد النبي الجيراري، ثم يوم رأى والده يبكي على شريط للشيخ كشك، فكان ذلك سببا لتحوله العميق نحو «التوبة» ثم الانقطاع للعبادة وللعلم. على كرسي الاعتراف يُقِر الشيخ الفزازي، دونما مركب نقص، بأنه كان مخطئا يوم وصف علماء السعودية بعلماء الفاتيكان، وبأنه وصف الحركات الإسلامية بما لا يليق.. كما يعترف بأنه أساء أدبه مع الشيخ القرضاوي ومع آخرين... وصف الشيخ المغراوي ب«عالم السلطان». ووصف اليسار بالكفر... ليرجع عن كل ذلك يوم كان في السجن وقبل الإفراج عنه بسنين... - كيف تنظر إلى تجربة «حزب النهضة» التونسي وزعيمه الشيخ راشد الغنوشي؟ لقد كان راشد الغنوشي بالنسبة إلي خارج التغطية، لا علاقة له بكتاب ولا بسُنّة، حسب ما كنت أرى قبل سنوات بعيدة، وخلال سنوات السجن، صراحة، كان راشد الغنوشي و«حزب النهضة» بالنسبة إلي حلقة مفرغة، شيء لا أفكر فيه ولا يمر من بالي بتاتا. - إلى هذا الحد؟ أنا الآن ابن اليوم، أنا لا أخفيك أنني عندما رأيت راشد الغنوشي يحل بمطار تونس ورأيت استقبال الجمهور العظيم له ورأيت الناس يتحلقون حوله ويقبّلون يده وخده ورأسه، ورأيت الاحتفاء العظيم بهذا الرجل، في بلد كان، حتى أيام قليلة ماضية، لا يسمح بأي شيء اسمه الإسلام، اللهم إن كان المرء قد تجاوز ال70 أو ال80 من عمره. وإذا بي، بين لحظة وأخرى، أرى شبابا انبعثوا من الأرض، خرجوا بإسلامهم وأعلنوا أن الاستئصال في تونس لم ينل منهم شيئا، وإنما كان الخوف دافعهم إلى الصمت.. وهناك من يعلنون أنهم لأول مرة يصلون في المساجد، لأنهم كانوا خائفين من أن يوصفوا بالإرهابيين من قبل المخابرات.. وقد سمعت تصريحا لفتيات تحجبن، كانت تقول إحداهن أنها لا مع «النهضة» ولا مع الإسلاميين، بل هي فقط فتاة مسلمة كانت محرومة من الحجاب ومن دراسة القرآن.. طبعا، لا بد أن أضع في هذا المناخ الشيخ راشد الغنوشي، وأنا أنظر إليه نظرة أخرى ومن زاوية أخرى، طبعا، أنا الآن أقول لك إن الشيخ راشد الغنوشي هو داعية إسلامي ومفكر إسلامي يستحق أن يقود تونس. - ألا ترى في ما تقوله تناقضا؟ كنت ترفض راشد الغنوشي كفكر واجتهادات، والآن تعود لتقبله، بعدما أصبح مؤثرا في الساحة التونسية، وبعدما رأيت أن الناس يبتهجون لعودته؟ كنت مخطئا (يضحك). - إذن بماذا تجيب حين أسألك عن رأيك في ما قاله راشد الغنوشي حول كون حزب «العدالة والتنمية» التركي هو الحزب الإسلامي النموذجي الذي سيحتذي به»؟ ولِم لا؟ هذا حقه، لكنْ أنا ضد استنساخ التجارب عموما من دولة إلى أخرى، وهذا ما يحدث حتى بالنسبة إلى ما يسمى «الفكر الجهادي»، استنساخ التجربة الأفغانية وجلبها إلى تونس، مثلا، أو استساخ التفجيرات في بغداد ونشرها هنا وهناك. أنا لا أقِرّ هذا، فلكل بلد خصوصياته ولكل بلد أهله وناسه، الذين يفهمونه طبعا، وراشد الغنوشي، بالتأكيد، يفهم تونس كما لا يمكنني أن أفهمها، وكذلك أنا أفهم المغرب كما لا يمكن أن يفهمه الشيخ راشد الغنوشي. - أنت مدعو إلى المشاركة في المؤتمر الذي ستنظمه منظمة «الكرامة» في جنيف أيام 20 و 21و شتنبر المقبل، والذي ستحتضنه تونس، ما طبيعة الدعوة وموضوع المؤتمر؟ الداعي، كما قلت هي منظمة «الكرامة لحقوق الإنسان»، وبالتالي فالموضوع حقوقي صرف. أنا مدعو باعتباري أحد ضحايا انتهاك حقوق الإنسان في الوطن العربي، والحراك الآن في إطار ربيع الديمقراطية والتغيير هو ،أساسا، ضد الظلم وضد الاعتداء على المواطنين وسجنهم دون وجه حق ودون جريمة تذكر، إذن فالأمر واضح: جمعية أو منظمة حقوقية تدعو شخصا انتُهِكت حقوقه وذاق ويلات السجن طيلة 8 سنوات، ربما استدعيتُ كشاهد على هذا الأمر. - هل ستتحدث عن تجربة اعتقال سجناء «السلفية الجهادية» في المغرب؟ طبعا لا. لا يمكن أن أشهد إلا بالواقع، ربما هناك من يظن أنني سأتناول مسائل التعذيب التي قيل إنها مورست في «تمارة» وفي مخافر الشرطة إلى غير ذلك.. لا يمكنني أن أشهد إلا بما علمت ورأيت وعشت، وما علمته ورأيته شخصيا (يصمت لحظة) هو وسيلة الإيضاح والتعبير في هذه الحالة، فأنا لم يمارَس علي جسديا أي تعذيب، ما عدا حرمان الجسد، بحكم الزنزانة التي كنت فيها لسنين طوال وبحكم الأطعمة غير اللائقة، إلى غير ذلك. كان هناك تعذيب من هذه الناحية ومن الناحية النفسية والأسرية والمعيشية إلخ... لكن الممارسة اللا إنسانية التي تعرضتُ لها في سنة 2003 و2004 إلى غاية 2005 هي، في الحقيقة، ممارسة مشينة وحاطة بكرامة الإنسان، ولاسيما أن الإنسان مظلوم جدا. - هذه هي الشهادة التي ستقدم في تونس؟ سأقول في شهادتي، كذلك، إن الدولة أيقنت لاحقا أن الأمر لا يجب أن يستمر في هذا الاتجاه، فغيرتْ سلوكها تغييرا كاملا، معي ومع غيري من المسجونين، وأصبحت تعتني بنا، وبي شخصيا، عناية بالغة.. وكما سبق أن قلت لك، فقد تحول الأمر إلى معاملة 5 نجوم لا من حيث الأكل ولا من حيث الشرب ولا من حيث الزيارات، يعني بحبوحة من العيش، حيث لم يكن هناك فارق بيني وبين من هم خارج الأسوار إلا باب السجن. - معنى هذا أن الدولة أصلحت ما تقول إنها أفسدته؟ لقد أساءت إلي الدولة المغربية إساءة بليغة، لكنها بعد ذلك كفّرت عن إساءتها تلك بأن أحسنت إلي إحسانا تاما، وقد توّجَ الملك هذا الإحسان بإطلاق سراحي، رغم أنوف الاستئصاليين، الذين يموتون في هذه الأيام غيظا من هذا الإفراج... - ما زالت لديك بعض الملاحظات حول سير عمل المؤسسات الدينية الرسمية في المغرب، ما هي أهم هذه الملاحظات؟ ما أتمناه على هذه المؤسسات العلمية هو أن تضاعف جهودها، ليكون تأثيرها أكبر على الساحة الاجتماعية، فتأثيرها الآن خاص بالمساجد وببعض المناسبات الدينية، ليس أكثر. أنا أريد أن تكون لهذه المؤسسات في هذا البلد الكلمة الكبرى في الفتاوى العلمية وفي مجمعات الشباب وفي الأندية الثقافية وغيرها وأن تكون لها يد في مجال إصلاح الاقتصاد وأن يكون لها تأثير في شؤون الأسرة، يعني أن تكون مؤثرة وحاضرة في كل الميادين وفي كل الأوقات، لا أن تكون حبيسة التعليمات حتى إذا ما احتاجتها الدولة، طرقت أبوابها، أنا أريد وأرجو وأتمنى أن تكون هذه المؤسسات في مستوى طموحات الشعب المغربي. - في المدة الأخيرة، رأينا الفقهاء والخطباء يقومون ببعض الاحتجاجات والمظاهرات ويطالبون بحقوقهم.. كيف تم هذا التحول؟ وما هي مطالبهم؟ صحيح، الأمر جديد. والمطالبة بالحق حق. من ينظر في أحوال الأئمة والقيّمين على المساجد يشعر بالخجل: رواتب هزيلة يمكن ترتيبها في السلم صفر، مركز اجتماعي متدنٍّ، لا تغطية صحية ولا هم يحزنون، بل لا حرية لهم في اختيار مواضيع الخطبة ولا ضمانات في إلقائها، حيث تسود المراقبة الذاتية زيادة على المراقبة من الوزارة الوصية ومن غيرها... فيشعر الخطيب المسكين أن كلماته محسوبة وأنفاسه معدودة. أنا أقول ليس هكذا يمكن للخطيب وللعالِم أن يؤدي مهمته. لا بد من الحرية والراتب المشرف. - ماذا سجلت من إيجابيات بخصوص المؤسسة الدينية؟ لاحظت في المدة الأخيرة أن قضية الأئمة قد تحلحلت وصارت تظهر منها بعض الإيجابيات، كمساندة الدستور مثلا، وقد قال العلماء كلمتهم وأصرّوا على الهوية الإسلامية وإمارة المؤمنين، وهذا شيء أحييهم بخصوصه. المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية هي، في الحقيقة، الآن أهم ما يمكن أن نطلق عليها اسم مؤسسة، فهي مؤسسات العلماء، يعني أنها المؤسسات الوحيدة التي أعضاؤها من العلماء، أي من الذين يعلمون في مسائل الدين والشريعة... - هل تقبل أن تعمل في إحدى المؤسسات العلمية الرسمية إذا طلب منك ذلك؟ طبعا سأقبل، فمناخ اشتغالي والهواء الذي أتنفس فيه هو الدراسة الشرعية مع كل من وما هو شرعي، وبالتالي فهذا أمر لا يمكن أن أرفضه، لاسيما أنه يشبعني ثقافيا ويلبي رغباتي وطموحاتي، إلى جانب مزاولة مهام الخطابة، طبعا، فأنا خطيب منذ حوالي 30 سنة في المساجد الرسمية للمملكة، وأرجو أن أعود إلى منبري وإلى المسجد الذي هو لي كالماء بالنسبة إلى الأسماك.