أثار تعيين الشيخ ولد باهيه على رأس شركة المحروقات الموريتانية خلفا لأبو بكر ولد المرواني استياء النظام الجزائري، بسبب قرب المدير الجديد من الجنرال محمد بن عبد العزيز، قائد انقلاب 6 غشت الماضي. ورغم أن ولد المرواني قد كلف بإدارة الشركة في بداية المرحلة الانتقالية التي أعقبت الانقلاب على نظام معاوية ولد الطايع، أي من طرف الجنرالات، فإن علاقته المتوترة بعمال الشركة وكونه أحد الأطر المحسوبة على الإسلاميين جعلا مجلس الدولة الموريتاني يفضل استبداله برجل ثقة الجنرال عبد العزيز المعروف بقربه من الدولة المغربية. وهو ما جعل السلطات الجزائرية تتخوف من مستقبل تواجد شركتها «سوناطراك»، بعد موقفها المتشدد الصادر ضد جنرالات نواكشوط، الذين استطاعوا السيطرة على الأوضاع رغم التنديدات الدولية التي واجهت عمليتهم الانقلابية. وبعد تحول الموقف الليبي من الجنرالات أياما قليلة بعد استيلائهم على السلطة، وقبول أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني باستقبال وفد من النظام الجديد في موريتانيا يوم 16 من الشهر الجاري، إلى جانب تطور الاتصالات التي يعقدها موفدو الجنرال بن عبد العزبز غير الرسميين إلى باريس، بدأت الدولة الجزائرية تتخوف من تغيير الموقف الأمريكي الرافض للانقلاب بعد الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس لدول المغرب العربي باستثناء موريتانيا. وفي هذا الاتجاه شنت السلطات الجزائرية حملة ضد المغرب عبر الصحف المقربة منها، لاستباق المعطيات التي ستدلي بها الدبلوماسية المغربية لرايس مخافة أن تؤثر في اتجاه تفهم واشنطن للانقلاب الذي حدث، خاصة وأن جنرالات موريتانيا بدؤوا يركزون بشكل كبير على ورقة الحرب على الإرهاب لكسب الدعم الأمريكي والغربي عموما. وقد حاولت الصحف الجزائرية إقحام البعد الاقتصادي في صراعها مع الرباط، للقول بإن امتلاك شركة «سوناطراك» الجزائرية للمحروقات، نسبة 20 بالمائة من مشروعات التنقيب واقتسام النفط في موريتانيا، أربك المغرب، إلى درجة أن يومية «الخبر» ربطت بين ذلك و حدوث الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس ولد الشيخ عبد الله. وتقول الصحيفة إن دخول الجزائر بقوة في المشهد الاقتصادي الموريتاني عبر شركة «سوناطراك»، تحت مظلة صفقة تحالف نفطي تقوده الشركة الفرنسية طوطال، و يضم أيضا شركة قطر للبترول، قبل حدوث الانقلاب بأربعة أشهر؛ أدى إلى زيادة مخاوف المغرب من هذا النوع من الحضور الجزائري. وتربط اليومية المقربة من دوائر القرار في الجارة الشرقية بين هذه التطورات وما تسميه إطلاق حملة دولية ضد الجزائر، تتهمها بتسليط عقاب جماعي ضد الشعب المغربي، بفعل استمرار إغلاق الحدود البرية بين البلدين. إضافة إلى التزام الجزائر خلال اجتماعات اللجنة المشتركة مع موريتانيا، شهر يونيو الماضي، بتقديم الدعم التقني لعدد من المشاريع، وتحويل مستحقات الديون الموريتانية تجاه الجزائر إلى استثمارات مباشرة؛ ثم تعهد الجزائر بتمويل دراسة مشروع الطريق الذي يربط تندوف بمنطقة «شوم» شمال موريتانيا، والذي كان سيؤدي برأي اليومية الجزائرية إلى تسريع وتيرة التبادل التجاري وتنقل الأفراد بين البلدين. وتضيف «الخبر» أن الرباط مارست ضغوطا على الرئيس المطاح به من أجل شراء ميناء نواديبو شمال موريتانيا، خوفا من استعماله من طرف الجزائر كمنفذ على المحيط الأطلسي، لتصدير منتوجاتها من المحروقات. يتعلق الأمر باتفاق للتنقيب و استغلال النفط والغاز في حوض «تاودني» الواقع على الحدود الموريتانية المالية، والذي باتت تراهن عليه سلطات نواكشوط لبعث حلمها النفطي بعد تبخر الآمال الكبيرة التي بُنيت على الحوض الساحلي، و الذي فاجأ الموريتانيين بضعف إنتاجه، وتوقع نفاد مخونه في أفق العام 2015. وتعود وقائع هذا الاتفاق إلى الزيارة التي قام بها الوزير الأول الموريتاني السابق يحيى ولد أحمد الواقف إلى الجزائر شهر يونيو الأخير، واستُقبل خلالها بإجراء «تأديبي»، بتعبير مصدر عارف بتفاصيل الوضع الموريتاني، حيث اضطر إلى الانتظار مدة ساعتين في المطار، قبل أن يتم استقباله. المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته، يوضح أن الجانبين الموريتاني والجزائري قاما بالتوقيع على ست اتفاقيات، من بينها الاتفاق الأولي الذي يخول شركة سوناطراك ولوج حوض «تاودني». في خطوة سياسية لتنويع الشركاء والمتدخلين، وتخفيف الغضب الجزائري من النفوذ الاقتصادي المتزايد للمغرب في موريتانيا. في وقت كانت التحضيرات جارية لزيارة يقوم بها الملك محمد السادس إلى نواكشوط، وكان يرتقب أن تعرف التوقيع على عدد من الاتفاقيات. وأوضح مصدر «المساء» أن الأمر يتعلق بمحاولة جديدة لعزل موريتانيا، وإظهار أن ما يجري داخلها يعود إلى آلة تحكم موجودة في الرباط، و أضاف أن المغرب لم يكن يوما منافسا للجزائر على الصعيد الطاقي. وأن حوض «تاودني» سيكون بالمقابل موضوع صراع نفطي في شمال إفريقيا بين كل من فرنسا والصين والولايات المتحدة، باعتباره امتدادا لبحيرة نفطية تمتد من إقليم دارفور السوداني. إضافة إلى أن الحوض يوجد في منطقة متنازع عليها بين موريتانيا ومالي، تسعى شركة سوناطراك الجزائرية إلى إحكام سيطرتها عليه، بعد أن ضمنت ذلك على الجانبين المالي والجزائري. والداعي إلى اتهام المغرب، حسب مصدرنا، هو مخاوف جزائرية في السنوات الأخيرة من تهديد مغربي لمجالها الحيوي في مالي، عن طريق الزاوية التيجانية. و لو أراد المغرب، يضيف المصدر، لجعل مشكل الطوارق قضية داخلية للجزائر، بدل تركها تواصل عملها الدبلوماسي و العسكري المكثف، الساعي إلى إبقاء المشكل في كل من مالي والنيجر.