يمارس البرلمان المغربي وفق مقتضيات الدستور المقترح على الاستفتاء صلاحيات التشريع في عدة مجالات لم تكن تتيحها الدساتير السابقة. والظاهر أن مشروع الدستور الجديد استجاب للمذكرات الحزبية التي طالبت بأن تخول صلاحيات واسعة للبرلمان حتى يصير هو «المشرع الأصلي» للدولة. وأصبح البرلمان في الصيغة الحالية ينفرد بأكثر من 60 اختصاصا منصوص نصفها في الفصل 71 من الدستور. ويوسع الدستور الجديد المقترح نطاق صلاحيات البرلمان، لكن مع التنصيص على أن الملك ما يزال يحتفظ ببعض السلطات، سيما في المجالين العسكري والديني. ويتميز الدستور المطروح على الاستفتاء ليوم الفاتح من يوليوز المقبل بتخويله صلاحيات تشريعية جديدة لعل من أبرزها التشريع في مجالات العفو العام والنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، بالإضافة إلى النظام الانتخابي للجماعات الترابية ومبادئ تحديد دوائرها الانتخابية ونظام مصالح وقوات حفظ الأمن. كما سيستأثر البرلمان بصلاحية تشريع التنظيم القضائي وإحداث أصناف جديدة من المحاكم. غير أن الجديد في هذا المجال هو أن الدستور أفرد للمعارضة دورا أساسيا في مجال التشريع بمجلسي النواب والمستشارين. فالفصل 60 ينص، صراحة، على أنها «تشارك في وظيفتي التشريع والمراقبة»، كما يقضي الفصل العاشر بأن المعارضة ستضطلع بمهمة رئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع في مجلس النواب وستساهم كذلك في اقتراح المترشحين في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية. وبالرغم من أن الدستور قد أولى اهتماما خاصا بصلاحيات مجلسي النواب والمستشارين، فإن العديد من فقهاء القانون الدستوري اعتبروا أن هذه الصلاحيات «شكلية و لا تمس جوهر السلطة التشريعية في الدولة»، بقدر ما تعمل على تكريس تركيز السلطات في يد الملك. وفي هذا الصدد، يؤكد محمد مدني، أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن «البرلمان يمارس صلاحيات شكلية بموجب الدستور الجديد»، معللا مثل هذا الحكم بكون أن «مجموعة من الصلاحيات المتعلقة بالأهداف الاستراتيجية وبالمجال المالي والاقتصادي هي من اختصاص المجلس الوزاري ومن اختصاص السلطة الملكية». وانتقد مدني، في حوار سابق أجرته معه «المساء»، الهندسة الدستورية الحالية، لأنها سقطت في الكثير من الغموض، مما أفسح المجال للتأويلات القانونية، خاصة فيما يرتبط بالصلاحيات التشريعية التي يمارسها البرلمان. وشدد مدني على أنه «بالرغم من أن البرلمان أعطيت له صلاحيات التشريع بموجب الدستور المقترح، فإنه يظل مسيجا بمجموعة من الكوابح التي تضعها السلطة التنفيذية في مجال اختصاصه وكذلك المراجعة التي ستقوم بها المحكمة الدستورية على النظامين الداخليين لمجلسي النواب والمستشارين». وعلى هذا الأساس، يسجل الأستاذ مدني أن «صلاحيات البرلمان في مجال القوانين التنظيمية هي محدودة جدا، لأن هذه القوانين تندرج ضمن اختصاصات المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك». ويرى الأستاذ مدني أن المجلس الوزاري، الذي يرأسه الملك، يشكل معيقا حقيقيا أمام السلطة التشريعية للبرلمان. مشكلة المجلس الوزاري، حسب بعض المحللين، لم يحسم فيها مشروع الدستور المقترح على الاستفتاء، لأنه لم ينص بشكل دقيق على انعقاده بصفة دورية، الأمر الذي يعني أن قرارات المجلس الوزاري من شأنها أن تعرقل سير السلطة التشريعية وتفرمل عمل الحكومة. وفي الوقت الذي خرجت الكثير من الأصوات الحزبية ذات المشارب المختلفة مشيدة ب«النفحة المغربية» للدستور المقترح على الاستفتاء الشعبي، فإن محمد ضريف، أستاذ العلوم السياسية، أكد في تصريح ل«المساء»، أن «البناء الدستوري المقترح ما يزال مرتبطا بالنظرية الدستورية للجمهورية الفرنسية الخامسة»، وفي معرض تفسيره لهذه الفكرة، أبرز ضريف «أن المغرب اتخذ من دستور الجمهورية الفرنسية ل1958 مرجعية أساسية لصياغة دساتيره منذ 1962، وترتكز مبادئ هذه الجمهورية على مظهرين أساسيين، يتمثل الأول في السلطة الكبيرة التي يتمتع بها رئيس الدولة، والثاني في تقليص صلاحيات المؤسسة البرلمانية، حيث يصبح البرلمان مشرعا استثنائيا في حين تصبح الحكومة مشرعا أصليا». وتبرز مؤشرات النظرية الفرنسية في الدستور المقترح على الاستفتاء في تقدير ضريف دائما نقطتين أساسيتين «الأولى تظهر من خلال تشريع البرلمان في مجالات محددة، والثانية يمكن أن نجدها في كون أنه كل ما لا يندرج ضمن إطار القانون ستختص به الحكومة الممارسة لسلطتها التنظيمية»، موضحا أن «الإشكالات الحقيقية التي كانت تطرحها الدساتير السابقة هي أنها كانت مقيدة بالصلاحيات الواسعة التي يمارسها الملك، علاوة على التداخل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في مجال التشريع، ولذلك نجد أن الدستور المقترح حاول أن يتجاوز بعضا من هذه الإشكاليات بإضافة صلاحيات جديدة للبرلمان».