فتيات جرّبن جميع الطرق من أجل وضع حد لحياة جنين جاء نتيجة «خطأ». ورغم صعوبة الاختيار وعدم قانونيته، فإنهن يخترن اللجوء إلى الإجهاض السري، سواء بطريقة طبية أو تقليدية من أجل إيجاد حل ل»مصيبتهن»، مهما كلف الإجهاض من مال أو من مضاعفات جسدية ونفسية. صرخ الطبيب في وجهها: «اخرسي، أيتها العاهرة»!.. بهذه العبارة، عنّف الطبيب فتاة كان يجري لها عملية إجهاض سري. تحملت الشابة «عبير» فظاظة الطبيب، لأنها كانت تريد وضع حد لحياة جنين حملت به عن طريق الخطأ. «اعتذرت له عن الصراخ وتحملت الألم، لأنه كان طوق نجاتي الوحيد»، تقول هذه الشابة (26 سنة)، متحسرة على العملية التي أجرتها قبل سنتين. «عبير» وأخريات طرقن باب الأطباء الأخصائيين أو العامين وحتى الأطباء التقليديين و«العشابين» هربا من فضيحة الحمل ولقب الأم العازبة. لكن طريق إجهاضهن لم تكن دائما سهلة أو مفروشة بالورود. بين فتاة لم تجد المال لزيارة الطبيب وأخرى أجرت العملية مرتين، تتنوع قصص شابات واجهن مخاطر الإجهاض السري ومضاعفاته من إنهاء حياة جنين أصرّ على المجيء إلى هذه الحياة ضدا على رغبة والديه. عمليتان لإجهاض جنين واحد كانت «ريم» تواظب على تناول حبوب منع الحمل لمدة عامين: «كنتُ أعلم أن ربط علاقة جنسية يُحتّم اتخاذ بعض الاحتياطات» تقول «ريم». إلا أنه في إحدى المرات انتابتها أعراض غريبة لم تألفها من قبل، كالقيء والشعور بالدوار: «اشتريتُ جهاز فحص الحمل من الصيدلية واكتشفت حينها أنني حامل. فوجئتُ كثيراً، فقد كنت أتناول حبوب منع الحمل باستمرار ولم يكن هناك مجال لوقوع «الخطأ»، كما أنني لا أذكر أني نسيت أن أتناولها، يوماً»، تقول الفتاة. رفضت «ريم» (22 سنة) الاحتفاظ بالجنين، لأنها لم تكن تريد إنجاب طفل نتيجة خطأ. «أردتُ أن يكون حملي برغبة مني ولم أكن أريد أن أكون مرغمة على تحمله.. بعد فحصي، تبيَّن أنني حامل في اليوم ال35. نصحنا الطبيب بالاحتفاظ بالطفل، خاصة أننا نرغب في الزواج، ولكننا رفضنا وحددنا يوما لإجراء عملية الإجهاض». عملية كلفت الشابة وصديقها مبلغ 2000 درهم. وتتذكر «ريم» اليوم الذي تم فيه إجراء العملية، قائلة: «قبل العملية، خرج الطبيب لمدة نصف ساعة ليحضر المخدر.. كان الطبيب يقوم بحقني بإبر المخدر، كنت أحس بوخز كل حقنة، وشرع الطبيب في إجراء العملية، لكنْ رغم حقن التخدير الكثيرة، فقد كنت أحس بشيء ما «يمتصّ» أحشائي»... «كانت هذه العملية أصعب تجارب حياتي»، بهذه العبارة تصف هذه الطالبة آنذاك تجربتها: «شعرتُ أن الطبيب لم يكن ذا خبرة. كما أنني تأذيت من الناحية النفسية، لأنني خسرت طفلي»، تقول «ريم»، بحسرة. بعد يومين من الراحة، قضتهما في منزل صديقتها، هربا من أعين عائلتها عادت «ريم» لتواصل حياتها العادية، وهي متأكدة أنها تخلصت من جنينها. لكنْ، وبعد مرور عشرة أيام، عادت أعراض القيء والدوار مجدداً، فبدأت «رحلة» البحث عن طبيب آخر: «وجدنا طبيباً جديداً في مقتبل العمر وأخبرني أنني ما زلت حاملاً، فأعطاني حبوبا للإجهاض، داومتُ على تناولها لمدة 15 يوم ثم عدتُ بعدها، إلى العيادة.. بعد أسبوعين، عدت ولكن الأدوية لم تنجح في إجهاض الجنين، فأخبرني الطبيب أن حملي ثابت وأنه سيجري لي عملية إجهاض.. أجريتُ العملية بوجود طبيب تخدير. أخذ الطبيب مقابل «خدماته» مبلغ 5000 درهم»... تزوجت «ريم» من صديقها بعد هذه الحادثة بسنتين، وجمعتهما علاقة حب دامت 6 سنوات، ولكن مخاوف «ريم» ما زالت مستمرة، إذ تقول «إلى الآن، ما زلت أشعر بخوف من فكرة الحمل وأقلق من وجود شئ ما أصاب رحمي لا أعرف ما هو»... أطباء عامّون يجرون عمليات الإجهاض وجدت «حليمة» نفسها في مفترق الطرق، فبعد أشهر قليلة من حصولها على الطلاق، ستكتشف أنها تحمل في بطنها جنينا. تسترجع «حليمة» (30 سنة) الحادثة قائلة: «شعرت أنني في تيه حقيقي». لم تجد هذه المطلقة غير الاتصال بإحدى قريباتها التي تشتغل ممرضة من أجل استشارتها عن سبب تأخر نزول دم الحيض وطريقة التأكد من الحمل. طلبت منها قريبتها التوجه إلى أقرب صيدلية من أجل إجراء تحليل الحمل. وفعلا، خاب أمل «حليمة»، فقد كانت نتيجة الفحص إيجابية. توجهت، بعد ذلك، إلى إحدى العيادات الخاصة لطبيب عامّ معروف عنه إجراؤه مثل هذه العمليات: «أجرى لي الطبيب الكشف بالرنين المغناطيسي، الذي كشف أنني حامل في الأسبوع السادس»، تقول «حليمة»، وهي تسرد تفاصيل حملها. طلب منها الطبيب العام أن تعود في اليوم الموالي من أجل إجراء عملية الإجهاض. «مقابل 1800 درهم، أجرى لي الطبيب عملية الإجهاض ورائحة الخمر تفوح من فمه».. تقول «حليمة»، التي لم يكن أمامها بديل عن ذلك الطبيب، لأنها تقطن في إحدى المدن الصغيرة التي لا توجد فيها عيادات خاصة لأطباء مختصين في التوليد غير الأطباء المتواجدين في المستشفيات العمومية... بعد 15 يوما، عادت من أجل الفحص وتَبيَّن أن عملية الإجهاض مرت في ظروف جيدة. وبعد ذلك، تقدم «صديقها» من أجل طلب يدها، لكن أسرتها رفضته... ليست «حليمة» الوحيدة التي لجأت إلى «خدمات» الطبيب العام من أجل وضع حد لحياة جنينها. «عبير»، ابنة الدارالبيضاء، وجدت نفسها، قبل عامين، في نفس الموقف، بعد أن حملت نتيجة علاقة غير شرعية. انتقلت الشابة (24 سنة) إلى عيادة أحد الأطباء الذي دلّتْها عليه صديقتها، رغم تواجد عيادته في مدينة سلا: «كنتُ أسابق الزمن، وأنا أقصد ذلك الطبيب الذي لا تحتاج من أجل مقابلته إلى موعد مسبق». مقابل 2000 درهم أجرى لها الطبيب عملية الإجهاض، دون أن يقوم بتخديرها.. «صرخت من الألم لمدة ساعة، فصرخ الطبيب في وجهي: اخرسي أيتها العاهرة، كاتْديروها وعاد كتبكيو»!... لكن المفاجأة التي ستجدها الشابة في انتظارها خلال الزيارة الثانية للطبيب، والتي كانت مخصصة للفحص، هي أنها مضطرة لإجراء عملية إجهاض ثانية. «قال لي الطبيب إنه من الضروري تجديد عملية الإجهاض، لأنني أحمل بتوأم. عانيتُ مرة أخرى، وفي طريق عودتي إلى المنزل، أغمي علي، بسبب انخفاض ضغط الدم». إجهاض على الطريقة التقليدية «ريم»، «حليمة» و«عبير» وأخريات... لجأن إلى خدمات أطباء من أجل إجهاض جنين ناتج عن حمل غير مرغوب فيه، لكن بعض الفتيات يجدن أنفسهن أمام خيار آخر يتمثل في اللجوء إلى الطرق التقليدية. «نوال» واحدة من هؤلاء الفتيات اللائي طرقن باب الإجهاض بطرق غير طبية. رفقة أكثر من 250 امرأة في المغرب يقررن، يوميا، وضع حد لجنين لم يكُنّ يرغبن في قدومه إلى هذه الحياة. «نوال» شابة جميلة تخبر أسرتها أنها تشتغل في أحد مصانع مدينة أكادير، لكنها تمتهن -في الواقع- «أقدم حرفة في العالم».. بعدما فضلت بيع جسدها من أجل إعالة أسرتها الصغيرة، التي تتواجد بالعاصمة الاقتصادية للمملكة. «هادي هي المرة الثانية اللي تنحمل فيها، والمشكلة كنحلّها بُوحدي، حيت ما كانعرفش شكون الأب ديال الجنينْ».. تقول «نوال»، بحسرة. في المرة الأولى، زارت الطبيب من أجل إجراء الإجهاض، لكنها في المرة الثانية، لم تكن تملك المبلغ المالي الكافي. «صادف حملي مرض والدتي وحاجتها إلى مبلغ مالي من أجل إجراء عملية جراحية»، تقول هذه الشابة البيضاوية. لم تفكر «نوال» كثيرا في الأمر وأرسلت المبلغ المالي إلى والدتها، في انتظار البحث عن مخرج لمشكلتها. كان المنفذ الوحيد لهذه الشابة هو تناولها بعض الأعشاب التي تساعد على إسقاط الجنين: «زرتُ إحدى السيدات الصحراويات المعروفات في المدينة بإتقانها التداوي بالأعشاب، من أجل إجهاض الجنين»، تقول «نوال»، قبل أن تضيف: «أعطتني عقارا من الأعشاب شربته لمدة 3 أيام فقمتُ بإجهاض تلقائي»... أكثر من 600 حالة إجهاض يومية في المغرب بسبب إجراء عملية الإجهاض بطريقة سرية، سواء من قِبَل الطبيب المنفذ أو المرأة المجهضة، لأن القانون يجرمّه، جملة وتفصيلا، فإن الأرقام المتوفرة حول حالات الإجهاض في المغرب تبقى غير رسمية وغير دقيقة. لكن الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، التي تنشط في هذا المجال، سجلت أنه ما بين 500 إلى 600 حالة إجهاض طبية تُسجَّل يوميا في المغرب، وما بين 150 إلى 250 حالة أخرى غير طبية، أي أنها تتم بطريقة شعبية على يد «العشابين والقابلات»... وليست الأرقام التي قدمتها الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري في السنة المنصرمة بعيدة عن تلك التي طرحتها «الجمعية المغربية لتنظيم الأسرة»، والتي أنجزت دراسة ميدانية في الموضوع وتوصلت إلى الأرقام نفسها تقريبا، حيث تشير أرقام هذه الجمعية إلى أن ما بين 400 و600 حالة إجهاض تُسجَّل يوميا في المغرب. وقد تم جمع هذه الأرقام من خلال دراسة ميدانية شارك فيها مجموعة من الأساتذة الباحثين والمتخصصين في الإحصاء في الفترة ما بين دجنبر من 2006 إلى غاية 2007. وقد توصلت هذه الدراسة إلى أن الإجهاض السري في المغرب يمثل مشكلة صحية واقتصادية واجتماعية حقيقية. وحسب النتائج المتوصَّل إليها، فإن الفئة العمرية المستهدَفة بالإجهاض تتراوح ما بين 15 و35 سنة، ويتراوح سعر «العملية» ما بين 1500 و15 ألف درهم، وهو ما يفسح المجال أمام الإجهاض غير الطبي. وتسعى الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري إلى دعم التربية الجنسية والتخليق، فضلا على تشجيع موانع الحمل داخل إطار مؤسسة الزواج وخارجها.