يبدو أن التفاؤل الذي أبداه وزير السياحة، ياسر الزناكي، على إثر الربيع العربي والعملية الإرهابية التي استهدفت مدينة مراكش، بدأ يخبو، فالعديد من المهنيين يدقون ناقوس الخطر حول أداء القطاع السياحي في فصل الصيف، بل ثمة من يتحدث عن عدم توفره على رؤية واضحة في النصف الثاني من السنة الجارية، خاصة في ظل تخوفات من أن تلهي الاستحقاقات المتعلقة بالاستفتاء حول الدستور والانتخابات التشريعية القادمة السلطات العمومية عن الأزمة التي تخترق السياحة المغربية، والتي بدأت بعض مؤشراتها تظهر عبر إلغاء الحجوزات، بل هناك من المهنيين من يعتبر أن الهيئات التمثيلية، خاصة الفيدرالية الوطنية للسياحة، قاصرة عن اقتراح حلول للوضعية الحالية، خاصة أنها تعاني من مشكل تمثيلية حقيقية على اعتبار أنها لا تضم كل الفاعلين الذين يمثلون كل المهنيين في القطاع، ثم إن ثمة من يؤاخذها على عدم استنفارها للهمم في الفترة الأخيرة من أجل البحث عن الحلول المناسبة للتخفيف من تأثيرات الظرفية الحالية. لكن في انتظار عودة الروح إلى القطاع السياحي، يولي المهنيون والمكتب الوطني المغربي للسياحة وجوههم جهة السائح المحلي، الذي يبدو أن الجميع يخطب وده كلما كفت السوق السياحية المغربية عن جذب السياح الأجانب. تراجع الحجوزات الكثيرون يحاولون التخفيف مما يلوح من ضعف إقبال السياح على المغرب في فصل الصيف القادم، فهم يعتبرون أن أشهر يونيو ويوليوز وغشت من الفترات التي يقل فيها الإقبال على المغرب، خاصة في اتجاه المدن العتيقة، لكن ضعف الاهتمام ذاك سوف يذكيه في فصل الصيف المقبل الربيع العربي والوضعية السياسية في المغرب.. ذلك ما تؤشر عليه أرقام المكتب الوطني المغربي للسياحة، الذي لاحظ أن الحجوزات الخاصة بشهري يونيو ويوليوز تراجعت بما بين 20 و30 في المائة. نسبة ينتظر أن ترتفع بالنسبة إلى شهر غشت الذي يتزامن في هاته السنة مع شهر رمضان. التراجع المتوقع في إقبال السياح الأجانب على المغرب، تؤكده استطلاعات الرأي في البلدان المصدرة للسياح، فقد أفاد استطلاع للرأي أجراه «معهد أوبنيون واي» أن 90 في المائة من الفرنسيين لا يخططون لزيارة المغرب في الصيف المقبل. قرار أملته على الفرنسيين الرغبة في تقليص نفقات السفر ومدته، والاضطرابات التي يعرفها الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على إثر الثورات العربية.وصرح فرنسي من بين أربعة بأنه سوف يخفض مصاريف السفر خلال الصيف القادم مقارنة بصيف السنة الفارطة. وخلصت الدراسة إلى أن متوسط تلك المصاريف سوف يتراجع من 585 يورو إلى 561 يورو. في نفس الوقت يخطط الفرنسيون لعطل قصيرة، على اعتبار أن فرنسيا من بين ثلاثة سوف تصل مدة عطلته إلى أسبوع أو أقل، أي بزيادة بنسبة 56 في المائة، مقارنة بصيف 2010. ويبدو أن نسبة الفرنسيين الذين يتطلعون إلى تقليص مدة عطلهم انتقلت من 10 في المائة إلى 19 في المائة. وتوصل استطلاع الرأي الذي هم 1015 مستجوبا عبر الأنترنيت، بين 6 و12 أبريل الماضي، إلى أن 90 في المائة من الفرنسيين لا يعتزمون زيارة مصر وتونس والمغرب، التي تعتبر وجهاتهم المفضلة، بسبب عدم الاستقرار الجيوسياسي في منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط منذ اندلاع الثورات العربية. ويفضل 73 في المائة من الفرنسيين قضاء عطلة الصيف ببلدهم، إذ إن 44 في المائة من الأشخاص المستجوبين يعتبرون أن قضاء العطلة في فرنسا يكلف أقل من الخارج. ويشير ثلاثة أرباع الفرنسيين إلى أنهم مستعدون لتعديل مشروع السفر من أجل الاستفادة من عرض على الأنترنيت، سواء تعلق الأمر بالوجهة أو المدة أو التاريخ. وارتفعت عملية مقارنة الأسعار على الأنترنيت ب15 في المائة في السنة الجارية في فرنسا، مما يعني أن الأنترنيت سوف يحتل المرتبة الأولى على مستوى قنوات الحجز بالنسبة لعطل الصيف. انتظار تراجع الحجوزات وإعلانات النوايا من قبل السياح الأجانب، التي ليست في صالح وجهة المغرب، تثير الكثير من القلق في نفوس المهنيين في قطاع السياحة بالمغرب، فهم يؤكدون أنهم لا يتوفرون على رؤية واضحة خلال الستة أشهر القادمة، فخلال الندوة الصحفية التي عقدتها الفيدرالية الوطنية للسياحة، الجمعة الماضي بالدار البيضاء، من أجل تقديم برنامج الثنائي المرشح لرئاسة الفيدرالية، لم يتردد أحد أصحاب وكالات الأسفار في التعبير عن سخطه مما آل إليه وضع السياحة في المغرب، حيث وصف الوضعية الحالية ب«الكارثية»، فهو يعتبر أن الأزمة اخترقت القطاع منذ ستة أشهر تقريبا دون أن يقدم أي مخطط استعجالي لتجاوزها، خاصة أن السلطات العمومية لم تتعاط بشكل سريع مع الوضعية الحالية، التي تختلف في نظره عن الأزمات السابقة التي عرفها المغرب، معتبرا أن المهنيين متروكون ليواجهوا مصيرهم لوحدهم، وهو يضرب مثلا بتونس، حيث تدخلت السلطات، التي تولت الأمر بعد ثورة الياسمين، بشكل سريع من أجل التخفيف من أعباء الفاعلين في القطاع السياحي، عبر تمتيعهم من إعفاء ضريبي لمدة ستة أشهر. لكن يبدو أن تشكيل خلية أزمة تضم المهنيين ووزارة الاقتصاد والمالية ووزارة السياحة، من أجل البحث عن حلول للوضعية الحالية، لا يقنع المهنيين الذين يعتبرون أن مثل هذه اللجنة كان يفترض أن تتشكل منذ بروز أولى نذر الأزمة، خاصة أنه كان يتوجب أن تقدم مقترحات تغطي على الأقل الستة أشهر القادمة وتنكب أكثر على فصل الصيف. البعض يعتبر أنه لا يجب أن تركز خلية الأزمة على تداعيات العملية الإرهابية التي عرفتها مدينة مراكش في أبريل الماضي، بل يتوجب أن تتخذ قرارات استباقية عندما يشرع السوق في إرسال إشارات تؤشر على النيل من السياحة. الحل المؤقت وبينما يتخوف بعض المهنيين من أن تلهي الاستحقاقات ذات الصلة بالدستور والإعداد للانتخابات التشريعية السلطات العمومية عن راهن القطاع السياحي، يبدو أن المكتب الوطني المغربي يحاول أن يدفع المجالس الجهوية للسياحة إلى الاستنجاد بالسائح المحلي، على الأقل، خلال أشهر الصيف. وهذا ما استدعى العودة إلى عرض «كنوز بلادي»، إذ يتجلى أن المكتب الوطني المغربي للسياحة عقد العزم على الانخراط في حملة تواصلية حوله، تحاول إقناع السياح المحليين باستهلاك المنتوج السياحي المحلي. جذب السياح المحليين دفع المكتب الوطني المغربي للسياحة إلى الشروع في عقد اجتماعات مع المجالس الجهوية السياحية من أجل إيجاد عروض تراعي خصوصيات الأسر المغربية. ويشير عزيز اللبار، رئيس المجلس الجهوي للسياحة بجهة فاس بولمان، التي يقدر تراجع الحجوزات فيها بما بين 40 و60 في المائة في الفترة الأخيرة، إلى أنه تم الاتفاق على تقديم عرض خلال شهري يوليوز وغشت الذي يتزامن مع شهر رمضان، حيث سوف يتم توفير غرف مزدوجة بأسعار تتراوح بين 300 درهم و400 درهم للفنادق من فئة ثلاث نجوم وبين 500 درهم و600 درهم للفنادق من فئة أربع نجوم وبين 750 درهما و800 درهم للفنادق من فئة خمس نجوم، غير أن ما يميز هذا العرض هو الإيواء المجاني للأطفال الذين لا تتعدى أعمارهم 12 عاما. هذا العرض ستواكبه العديد من الأنشطة الترفيهية والثقافية والموسيقية في الفنادق وساحات مدينة فاس. الصيغة ذاتها تقريبا تم التوافق حولها بين المكتب الوطني المغربي للسياحة والمجلس الجهوي للسياحة بمراكش، حيث تحاول المدينة تعبئة كل مقوماتها الثقافية والسياحية والترفيهية من أجل جذب السياح المحليين، الذين يمكنهم أن يستمتعوا بليالي مدينة عتيقة مثل مراكش، خاصة في شهر رمضان. لكن إذا كان المهنيون في المدن العتيقة مثل فاسومراكش سينخرطون في عرض كنوز بلادي، فإن أحد المهنيين يتساءل عما إذا كان المهنيون في المدن الشاطئية سوف يحذون حذو نظرائهم في المدن العتيقة، على اعتبار أن المدن الشاطئية تعول من أجل إنجاح موسمها السياحي على فصل الصيف. وبالتالي لا تقدم تنازلات على مستوى الأسعار للسياح المحليين.