كانت الساعة تشير إلى الواحدة و30 دقيقة،بعد الزوال حين تقدم هشام إلى مصالح الشرطة بولاية أمن مدينة وجدة، ليخبر بأن رفيقه محمد تلقى طعنات سكين بالقرب من منازل محطة القطار المهجورة بمحاذاة دار الشباب ابن سينا. وبالفعل انتقلت عناصر الأمن الولائي التابعة لمصالح الشرطة القضائية إلى عين المكان بعد إخطار مصالح الوقاية المدنية، حيث وجدت شخصا مضرجا في دمائه بعد أن تلقى طعنات في الوجه وبأعلى الفخذ بالجانب الخلفي تحت الخصر، وبجانبه عبد الله رفيقهم الثالث وهو مصاب بجروح خفيفة في اليد. وما هي إلا دقائق حتى وصلت سيارة الإسعاف إلى مكان الحادث لتنقل الضحية إلى مستعجلات مستشفى الفارابي بوجدة في حالة غيبوبة لتلقي الإسعافات الأولية. جلسة عادية لتناول المخدرات اعتاد الشبان الثلاثة اللجوء إلى المنازل المهجورة الموجودة بمحاذاة محطة القطار بشارع عبد الله الشفشاوني والمعروفة ب«ديور لاكار» لقتل الوقت في سهرات حافلة بشتى أنواع المسكرات والمخدرات من «روج» و«دوليو» و«جوانات»، بعد أن قتلهم الوقت والبطالة والفقر وتحولوا من شباب بمستقبل تؤثثه الآمال والمتمنيات إلى شباب بلا عقل، بلا تفكير بلا حلم، بلا أمل... فأغرقوا آمالهم في الوهم وعجزوا عن أن ينتشلوا جثثهم من بحره... غاصوا في عالم من الآلام مسكناته «الخمرة» و»البولة الحمرة».. عالم لا قيد فيه ولا شرط ولا تحكمه أي قوانين، فيه كل شيء مباح والمستحيل ممكنا والأضداد مرادفات والأعداء أحباء والأحباء أعداء... عالم تساوي فيه الحياة البشرية 10 دراهم أو أقل. السيناريو الأول للحادث وخبر الوفاة اقتادت عناصر الشرطة القضائية التابعة لمصالح الأمن الولائي بوجدة عبد الله وهشام، رفيقي الضحية محمد، إلى المصلحة الولائية قصد تحرير محضر وبدء التحريات والبحث في النازلة وتدوين تصريحاتهما بحكم وجودهما في مسرح الجريمة وتقاسمها للسهرات الليلية. وجاءت الوقائع على لسانهما بظهور شخص رابع ملقب ب«بريهيشة». هذا الأخير، التحق بالجمع بحكم معرفته بمحمد وعلاقاته به حين كانا يقضيان عقوبة بالسجن بإصلاحية وجدة، وطلب «بريهيشة» من محمد تسليمه 10 دراهم ليتزود بجوانات من الشيرا ويكمل «النشاط». لكن محمد رفض وطرده بعد إلحاحه مستعملا ألفاظا نابية: أحس «الجاني» بأن «كرامته» مست و«شرفه» لطخ فاغتاظ واستل سكينا ليمحو «العار» ووجه طعنات عشوائية إلى غريمه محمد، بدأها بالوجه، إحداها كانت قاتلة، إذ أصابت الضحية في أعلى الفخذ عندما استدار محاولا الاحتماء من الضربات. وفي محاولة لفض النزاع تلقى عبد الله ضربة في يده لكن الجرح كان خفيفا. كانت الساعة تشير إلى العاشرة من نفس اليوم حين جاء خبر وفاة محمد متأثرا بجراحه على إثر تلقيه طعنات قاتلة من الجاني في جلسة خمرية. اعتقال «بريهيشة» والتحقيق معه انطلقت عناصر الشرطة القضائية في حملة بحث عن «الفاعل» المفترض «بريهيشة» صاحب السوابق العدلية في الأحياء والأماكن التي اعتاد ارتيادها. وبالفعل تم اعتقاله في اليوم الموالي واستغرب التهمة الموجهة إليه، إذ أنكر ذلك إنكارا وأقسم إنه بريء وقدم «استعمال زمان» يومه بالتفصيل والتدقيق «أنا خاطيني منهم... والله ما كنت معاهم... وحق الله العظيم... هاكو.. شوفو فين كنت... سيرو سَوْلو عْلِيَ». وأخذت عناصر الشرطة أقواله مأخذ الجد وعمقت البحث والتحريات، بتحققها أولا من كيفية قضاء يومه وثبت لدى الشرطة أن المتهم «بريهيشة» لا علاقة له بالجريمة. لكن، لسوء حظه يوجد في قائمة المبحوث عنهم من أجل الضرب والجرح فتم اعتقاله من أجل المنسوب إليه. الجريمة من فعل الرفيقين الاثنين
اتجهت الشكوك نحو الرفيقين الآخرين وتم استئناف البحث معهما ومحاصرتهما بالأسئلة، التي على إثرها انهار الجاني عبد الله الذي حاول تلفيق التهمة إلى «بريهيشة» انتقاما منه بهدف «تصفية حسابات سجنية» بعد أن اعتدى عليه جنسيا. اعترف الجاني، إذن، بما اقترف مضيفا أنه جَرَّ الضحية بعد طعنه إلى داخل البيت المهجور وغَيَّر سرواله الذي كان ملطخا بالدماء وطلب من رفيقه الثالث جمال نقله إلى المستشفى، في حين تكلف هو بإخطار مصالح الأمن بعد أن أخفى السروال والسكين أداة الجريمة تحت أكوام من الحجارة وبعد «فبركة» السيناريو وتلقينه لصاحبه. انتقلت عناصر الشرطة إلى عين المكان وعثرت بالفعل على السكين والسروال ملطخا بالدماء. وتم في اليوم الثاني تمثيل الجريمة بعين المكان وبحضور ممثلي السلطات المختصة. لكن ما لم يفهمه الجاني عندما استفاق من سباته هو كيف وقعت الجريمة، وما الذي دفعه إلى قتل رفيقه رغم أنه كان من الأصدقاء والخلان، ولا شك أنه يفكر الآن كيف سيعيش في السجن لأعوام طويلة. وبعد اكتشاف خيوط الجريمة وإغلاق الملف تم تقديم المتهم «بريهيشة» المبحوث عنه، إلى ابتدائية وجدة، من أجل الضرب والجرح في قضايا لا علاقة لها بالجريمة. وتمت إحالة كل من عبد الله الجاني وشريكه هشام، على محكمة الاستئناف بوجدة، من أجل الضرب والجرح المفضي إلى الموت دون نية إحداثه والمشاركة وعدم التبليغ.