سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الجزائري جمال الدين حبيبي: الجيش الجزائري مع فتح الحدود وبوتفليقة أزم الأمور مع المغرب قال للمساء : المغاربة احتضنوا الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي وبعضهم استشهد من أجل استقلال الجزائر
قال جمال الدين حبيبي، الذي كان من أكثر الشخصيات المقرّبة من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، إنه أخطأ في اكتفائه بوصف الوضع في الجزائر ب«المُتعفّن». كما قال إنه لم يكن يتوقّع للجزائر المستقلة أن تصل إلى هذه الدّرجة من الانحطاط و«التعفّن»، خاصة أنها تتوفر على إمكانيات تحسدها عليها العديد من الدول. كما شدد حبيبي على أن جماعة بن بلّة وهوّاري بومدين عمدت إلى حبك «سيناريو» الهجوم المغربي على الجزائر، فسقط محند ولد الحاج في الفخ، في حين فضّل والد حبيبي اللجوء إلى جبال «بني شقران»، وانتهى الأمر إلى وضعه رهن الإقامة الجبرية، بينما اعتُقِل السي موسى وحُكِم عليه بالإعدام، كما نُفِّذ حكم الإعدام في حق العقيد شعباني.. ليظهر، في ما بعدُ، أن المستفيد الأول من هذا «السيناريو» كان هو العقيد بومدين، لأنه أزاح بن بلة في انقلاب 19 يونيو 1965، ومنذ ذلك التاريخ، فُتحت الأبواب لجنود وضباط فرنسا، للتحكم في المناصب القيادية في الجزائر. كما يتطرق جمال الدين حبيبي في الحوار التالي لملف العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر ولمسألة الحدود المغلقة بين البلدين منذ 1994 ولقضايا تدخل في صميم انشغالات مواطني البلدين الجارين. - أنت من المبادرين إلى إطلاق «الخيمة المغاربية» على «فايس بوك»، بغرض فتح الحدود بين المغرب والجزائر، في نظركم، ما قيمة مثل هذه المبادرات الشعبية ؟ لعلمكم فإن إطلاق هذه المبادرة لم يكن عفويا، على الإطلاق، فقد لاحظت، على امتداد السنوات التي أُغلِقت فيها الحدود بين المغرب والجزائر، أن هناك رغبة جامحة لدى غالبية أفراد الشعبين في إعادة ربط أواصر الأخوة والتلاحم بين الجزائريين وإخوانهم المغاربة، لكنني، في المقابل، كنت أرى جليّا أن المبادرات لتحقيق هذا الهدف النبيل تأتي من طرف واحد، وهو المغرب، رغم أنني كنت ولسنوات عديدة، أطلق النداءات لفتح بل وإزالة الحدود. وقد نشرت العديد من المقالات بهذا الخصوص، واليوم، وبعد أن خرج علينا الوزير الأول أحمد أويحيى معلنا، جهرا، أن مسألة فتح الحدود ليست على جدول الأعمال، قرّرتُ، من جهتي، أن أطلق هذه المبادرة، على «فايس بوك»، والتي تزامنتْ، والحمد لله، مع تلاقي المغاربة والجزائريين، في مدينة مرّاكش، في اللقاء الكروي الأخوي، الذي جمع منتخبي البلدين، حتى يكون لها الصدى الكبير، وحتى يكون الرّد على تصريحات أويحيى شعبيا خالصا، بعيدا عن الحسابات السياسية وما شابهها. وفي رأيي، أنه في زمن التغيّرات التي يشهدها العالم العربي وما قد يُدسّ فيها من مؤامرات التقسيم والتجزيء، فإن أفضل ردّ فعل سليم هو الدعوة، وبقوّة، إلى إلغاء الحدود بين دول المغرب العربي على أن تنطلق هذه الدعوة من الشعوب، لأنّنا، أي الشعوب المغاربية، من نملك القدرة على تغيير مسارات التاريخ، والحمد لله أن تاريخنا المشترك إبان الفترة الاستعمارية خير دليل على ذلك، فتوحّد الشعوب المغاربية حول مطلب السيادة والاستقلال هو ما عجّل بتحرير بلداننا.. وأتحدّى، في هذا المقام، أي مؤرّخ، ينفي عدم امتزاج دماء المغاربة والجزائريين والتونسيين والليبيين والموريتانيين في معاركهم ضد الاستعمار، ومن هذا المنطلق، فإن إعطاء الصبغة الشعبية لمبادرتنا هو ما سيمهّد، إنشاء الله، لإعادة ربط أواصرنا من جديد. - نلاحظ أن هناك رغبة مغربية في فتح الحدود، مقابل موقف جزائري متردد، إلى ماذا يرجع ذلك؟ بين الرغبة والتردّد، يتوجّب طرح العديد من الأسئلة من هذا الطرف وذاك، بل ومن كل المهتمين بقضية فتح الحدود، فبصراحة، أقول إن كلا الجانبين ارتكب أخطاء في التعامل مع هذه القضية، وعوض أن يجتمعا لإيجاد حلول لها، عبر القنوات الدبلوماسية، رأينا كيف أن أطرافا من خارج منطقتنا المغاربية عملت على تعميق الجرح وتوسيع الهُوّة وعملت على تعطيل تحقيق هذا الهدف، لأنّني شخصيا كنت أنتظر أن يُعاد فتح الحدود منذ أمد بعيد، وخاصة بعد وصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى السلطة ومُشاركته في تشييع جنازة المغفور له الملك الحسن الثاني، لكنّ الذي وقع هو العكس تماما. وفي رأيي، فإن الرئيس بوتفليقة هو من أزّم الأمور أكثر، بإيعاز من حاشيته ومُقرّبيه، لأنه عكس ما تمّ الترويج له من أن الجيش يرفض فتح الحدود مع المغرب، فإننا رأينا مواقف العديد ممّن تولّوا مناصب عليا وحساسة في هرم المؤسسة العسكرية يصرّحون بأنهم مع فتح الحدود وتسوية المشاكل العالقة بين الجزائر والمغرب عن طريق الحوار، وأظن أنه قد آن الأوان ليعلم الجميع، سواء في المغرب أو الجزائر، أن بقاء الوضع على حاله لا يخدم مصالح البلدين وأنه من الأفضل لهما الإسراع في تحقيق الاندماج بينهما وبين البلدان المغاربية الأخرى، لتفويت الفرصة على المتربّصين بهما وعلى الراغبين في تقسيم المنطقة. - هل لك أن تحدثنا عن بعض أشكال الوئام والنضال المشترك اللذين جمعا بين المغرب والجزائر في فترة الاستعمار؟ لقد سبق لي، في تصريحات صحافية، أن قلت إنّنا أسّسنا دولة جزائرية داخل المملكة المغربية إبّان الثورة الجزائرية، فقد كانت لنا مراكز للتدريب والتجنيد والتدريس في غالبية المدن المغربية. كما أن السلاح الذي حاربْنا به الاستعمار الفرنسي كانت غالبيته تأتي من المغرب، وأكثر من ذلك فإن أول باخرة سلاح كانت حمولتها موجَّهة للثورة الجزائرية رست بالمغرب، وأضيف هنا أننا، كجزائريين، عشنا في المغرب إبان الثورة وعُوملنا أفضل من المغاربة، إخوتنا الذين ساهموا، بكل أشكال الدّعم، من أجل تحقيق استقلال الجزائر، وبعضهم حملوا السلاح واستشهدوا في ميدان الشرف، دفاعا عن الجزائر.
- هل هناك خلاف حقيقي بين المغرب والجزائر أم إن الأمر لا يعدو كونه حسابات شخصية قديمة؟ لن أتوسّع كثيرا في الإجابة عن هذا السؤال، وسأكتفي بالقول إن أولى بوادر الخلاف ظهرت مباشرة بعد إطلاق فرنسا سراح بن بلّة، آيت أحمد، محمد بوضياف، محمد خيضر ورابح بيطاط، قبيل الاستقلال، فهؤلاء كانت لهم مواقف واضحة تجاه دعم الأواصر بين المغرب والجزائر، ونحن نرى كيف أن محمّد خيضر اغتالوه في مدريد، وكيف اغتالوا محمد بوضياف على المباشر في عنّابة في الجزائر وكيف حُكم بالإعدام على آيت أحمد، سنة 1963، وكيف زُجّ ببن بلّة في السجن لمدة 15 سنة، بعد الانقلاب عليه سنة 1965 من قِبَل «عساكر فرنسا»، فإيجاد أجوبة لِما وقع لهؤلاء يُوضح، في رأيي، سرّ الخلافات المفتعَلة بين الجزائر والمغرب. -تعتبر أن مشكل الصحراء من أكبر المشاكل التي تعيق إطلاق دينامية اتحاد المغرب العربي، ما الحل الأمثل لهذه القضية، في نظركم؟ بكلّ تأكيد، فإن مشكل أو «شوكة» الصحراء هو ما عطّل كذلك قيام اتحادنا المغاربي، فقد أعلنتُ، شخصيا، لمّا كنت رئيسا لحزب الوحدة الشعبية، عن قطع كل علاقات الحزب بجبهة البوليساريو، سنة 1991، ونشرتُ بيانا بهذا الشأن في الصحافة الجزائرية، لأنني كنت وسأظل أرفض تكوين دُويلات في فضائنا المغاربي، وأدعو، في المُقابل، إلى محو وإزالة هذه الحدود الوهمية، وهذا ما كلّفني، آنذاك، حلّ وزارة الداخلية لحزبي بطريقة غير شرعية وتوقيف صدور الصحيفتين، اللتين كان يصدرهما حزب الوحدة الشعبية، وهما «المسيرة»، باللغة العربية، و«السبيل»، باللغة الفرنسية، وبذلك أجدد موقفي بهذا الشأن، بأن حلّ مشكل الصحراء يجب أن يتمّ في إطار فضاء المغرب العربي وليس عبر اللجوء إلى المنظمات الدّولية. -كيف انقلبت على الرئيس بوتفليقة، الذي كان صديقا لك، مثلما كان صديقا لوالدك؟ شخصيا، لم أنقلب على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وإنما ثُرت ضدّه عندما انقلب على نفسه ومواقفه، فبوتفليقة تربطه علاقات وطيدة بوالدي، رحمه الله، القائد «سي الميلود حبيبي»، على اعتبار أن والدي كان من مؤسّسي قيادة الحدود الغربية إبان الثورة المباركة، رفقة سي رشيد وسي يوب، لكنْ ورغم كل هذه العلاقة التي تربطني ببوتفليقة، فإنّني لم أقْوَ على الصمت، لمّا رأيته ينحرف ب«قطار» الجزائر عن سكّته، وخاصة لمّا سلّمته العديد من ملفّات الفساد والمخدّرات، التي تورّطت فيها شخصيات فاعلة في الجزائر، وفضّل النّأي بنفسه بعيدا، بل وأطلق عليّ بعض «كلاب السلطة»، في محاولة لتشويه سمعتي وسمعة عائلتي، والحمد لله، نجحت في مُواجهة كل هؤلاء، لأن سمعتي وسمعة عائلتي نظيفة وطاهرة، وتاريخنا يشهد بذلك. - سبق أن وصفت الوضع في الجزائر ب«المتعفن»، هل وصل الأمر بالبلد إلى هذا الحد؟ صراحة، لقد أخطأتُ في وصفي، لأنه كان عليّ، ربما، البحث عن أوصاف أخرى أكبر من وصف «المُتعفّن»، لأننا اليوم نعاين على المُباشر، كيف «عفّنوا» السياسة والاقتصاد وفقّروا الجزائريين وداسوا كرامتهم... فهؤلاء المتحكّمون في السلطة، استباحوا كلّ شيء وحوّلوا البنوك إلى خزائنَ خاصة بهم وحطّموا المؤسسات الاقتصادية الكبرى واشتروها بأثمان رمزية وأرغموا آلاف الشبّان الجزائريين على الهروب، عبر قوارب الموت، أملا في مُغادرة الجزائر.. شخصيا، لم أكن أتوقّع للجزائر المستقلة أن تصل إلى هذه الدّرجة من الانحطاط والتعفّن، خاصة أنها تتوفر على إمكانيات تحسدها عليها العديد من الدول. - ما موقفكم من مبادرة عبد الحميد مهري والحسين آيت أحمد للتغيير الجذري في الجزائر؟ رغم تقديري للرجل التاريخي السيد آيت أحمد وتحفظاتي على عبد الحميد مهري، أرى أن حل الإشكال في الجزائر أكبر من مبادرتهما، فالحل، في رأيي، يكمن في إزالة هذا النظام من جذوره، لأنه نظام فاسد ومُفسد، وإزالته لا تكون بالمبادرات السياسية وإنما بتحرك شعبي سلمي، بعيد عن كل أشكال العنف، وبعد ذلك، يكون من حق الشعب أن ينطلق في التغيير الذي ينشده، عبر فتح حوار يضم كل الفاعلين السياسيين وقوى المجتمع المدني، يُستثنى منه كلّ من مارس السلطة لإنتاج الفساد.. وعندها، قد نصل إلى الاتفاق على كل أشكال وسبل التغيير، باعتماد الأساليب الديمقراطية. - تكذبون «رواية» الرئيس السابق بن بلة التي يقول فيها إن المغرب هاجم الجزائر في «حرب الرمال» لسنة 1963، ما سندكم؟ أكرّر، من جديد، أن جماعة بن بلّة وهوّاري بومدين، وبعدما اشتد عليها الخناق من جماعة العقيد محند ولد الحاج، قائد الولاية التاريخية الثالثة، والقائد آيت أحمد، الذي ارتدى الزّي العسكري آنذاك، ومجموعة من قادة الثورة، كوالدي -رحمه الله- والرائد سي موسى وغيرهم من الأحرار، عمد بن بلّة وهواري بومدين إلى حبك سيناريو «الهجوم المغربي» على الجزائر، فسقط محند ولد الحاج في الفخ ونقل جنوده إلى الحدود المغربية، في حين فضّل والدي، رحمه الله، اللجوء إلى جبال «بني شقران»، بعدما طاردته ميليشيات بن بلّة، بقيادة حمداش، وانتهى به الأمر إلى وضعه رهن الإقامة الجبرية، في حين اعتُقِل السي موسى وحكم عليه بالإعدام.. وفي نفس الوقت، حُكِم على العقيد شعباني بالإعدام ونفذ الحكم في «كناستيل» في وهران، خشية أن يتعاظم نفوذه ويصل إلى منصب الرئاسة، لأنه، أي شعباني، من العقداء الذين تحصّلوا على هذه المرتبة بالجهاد في الداخل وليس كبقية من تمّت ترقيتهم، خارج الجزائر. كما اعتُقِل المئات ممن عارضوا سيناريو بن بلة وهواري بومدين آنذاك وظهر، في ما بعدُ، أن المستفيد الأول من هذا «السيناريو» كان هو العقيد بومدين، لأنه أزاح بن بلة في انقلاب 19 يونيو 1965، ومنذ ذلك التاريخ، فُتحت الأبواب لجنود وضباط فرنسا، للتحكم في المناصب القيادية في الجزائر. - كنت رئيسا ل«لجنة الاعتراف» ورفضت منح عدد من الخونة (الحركيين) صفة مجاهدين؟ هذا صحيح، فعندما كنت رئيسا ل«لجنة الاعتراف» بالعضوية في جيش التحرير الوطني والمنظمة الوطنية لجبهة التحرير الوطني، رفضتُ، مرّات عديدة، منح الخونة و«الحركى» صفة مجاهد، لكنْ، وللأسف الشديد، تمكّن العديد منهم، في ما بعدُ، من الحصول عليها، إمّا بالمال أو بالنفوذ. - تكذّب رواية أن الجزائر بلد المليون ونصف شهيد وتشبّه الأمر ب«كذبة الهلوكوست» الصهيونية... إلى هذا الحد؟ ما أزال متشبثا بتصريحي هذا، الذي نشرته جريدة «الخبر الأسبوعي»، الجزائرية، وأنا مسؤول عنه، وعلى المؤرّخين والباحثين أن يزيحوا الأغطية والستائر على هذه الكذبة، التي كلّفت وما تزال تكلّف خزينة الدولة ميزانية خيالية. وأنا هنا لا أنتقص من قيمة ثورتنا المجيدة ومن نضال شعبنا من أجل التحرّر، فالجزائر قدّمت ملايين الشهداء قبل اندلاع ثورة نونبر، وهذا ما يجب الانتباه إليه، والتساؤل عن سرّ التستر عليه؟
- من قتل الرئيس بوضياف، في نظركم، ولأي غرض؟ قبل الجواب عن السؤال، أقول لك إنني حذّرت الرئيس الراحل محمد بوضياف، في رسالة بعتت له بها شخصيا ونشرتها جريدتا «المسيرة» و«السبيل»، وقلت، له بشكل صريح وواضح: «لقد غبت مدة 30 سنة عن الجزائر، فحذار من الوقوع في فتح معتقلات الصحراء وغير ذلك، فهذا فخ نصَبوه لك وستكون تداعياته خطيرة للغاية».. وفعلا، تحقّقت هواجسي، فبعد أن نفّذ المرحوم بوضياف مخطط من استقدموه إلى الجزائر وبعد أن بدأ يعي حجم المُؤامرة، نُفّذ فيه حكم الاغتيال على مرأى الجميع، فالمرحوم بوضياف، ولقلة تجربته السياسية، لم يكتشف، في حينه، ما خطّطوه له، فهو قدِم إلى الجزائر بنية مخلصة، من أجل إخراجها من الأزمة ومن أجل تصفية الأجواء مع جيرانها، وبالأخص مع المغرب الشقيق.