«انتظرت إلى أن خرجت شقيقتي «ابتسام» إلى الدكان فاقتحمتُ على والدتي غرفة النوم. كانت تتفرج على التلفاز، جلست بجانبها، وفي غفلة منها، أمسكت بها من شعرها، وبسرعة، وجهت لها طعنتين في العنق وأخرى في الصدر وطعنات متتالية في البطن وغادرتُ الغرفة».. هكذا تحدث «عز الدين»، ببرودة، دم عن الطريقة التي قتل بها والدته في ليلة العيد في بني ملال، قبل أن يواصل: «غادرت الغرفة والسكين بيدي، كانت شقيقتي «ابتسام» عائدة، لحظتها من الدكان، أصيبتْ بفزع شديد وهي ترى منظر الدماء قبل أن تشرع في الصراخ، فهاجمتُها، بدورها، بطعنات متتالية في العنق والصدر والبطن والظهر. لم أعرف كم وجهت لها من الطعنات، بقيت أتعقبها بالطعنات إلى أن خارت قواها وسقطت في باب المنزل قرب الحديقة»... لا يتعلق الأمر هنا بحبكة فيلمِ رعبٍ، بل هي تفاصيل مروعة لمراحل تنفيذ الشاب «عز الدين ي.» جريمة قتل ذهبت ضحيتَها والدته «فاطمة ص.» وشقيقته «ابتسام ي.» ليلة عيد الأضحى الأخير في بني ملال. تبدو بقية تفاصيل الجريمة غير ذات أهمية أمام هول وصف القاتل لحظة جلوسه إلى جانب والدته وهي تشاهد التلفاز في غرفة النوم. كانت الوالدة، كما ابنتها، تعتقد أنهما ستساهمان في رفع همة «عز الدين»، الذي طالما رددتا على مسامعه «نصائح»، قصدتا من ورائها إخراجه من عطالته وإدمانه على المخدرات، لكن نفس النصائح ستؤجج غضبه من والدته وشقيقته، فاختار قتل والدته أولا، وعندما وقفت شقيقته على جريمة قتل الوالدة على يد الشقيق، لم يكن أمام الأخير سوى أن يكمل فصول الرعب، بقتل الشقيقة أيضا. «عز الدين» شاب انطوائي نشأ في أسرة فقدت الوالد (الشرطي) قبل 19 سنة على يد قاتل هاجمه بسكين. كان القاتل يتاجر في المخدرات في بني ملال، فألقى عليه الشرطي القبض واقتاده إلى أقرب مركز للأمن، لكن المجرم فاجأه بطعنة سكين أردتْه قتيلا.. حدث هذا قبل عقدين من الزمن، لكن قدَر من تبقى من أفراد الأسرة أن يعيشوا فصول جريمة أشنع وأبشع وأشد وقعا من سابقتها: قتل الوالدة والشقيقة على يد ابن مدمن على المخدرات، وبسكين، تماما كما وقع مع الوالد، لكن الجريمة، هذه المرة، كان «بطلها» الابن، الذي رضع لبن الأم دون أن يرضع معه حنانها... كان عمر الطفل «عز الدين» أربع سنوات عندما قُتِل والده. سيتدرج في أقسام مدرسة النهضة في حي «أولاد حمدان» وفي إعدادية «أحمد الصومعي»، المجاورة لها، بعد مدة قضاها في إعدادية «مولاي رشيد» في خريبكة، ثم توجه لثانوية «الحسن الثاني»، حيث تسجل في شعبة العلوم التجريبية، لكنه فشل في مشواره في المدارس العمومية ليتسجل في مؤسسة تعليمية خاصة لم يفلح، فيها أيضا، في نيل شهادة الباكلوريا، ليتوجه بعد ذلك نحو معهد التكنولوجيا التطبيقية في بني ملال. قضى في المعهد سنتين ونال منه شهادة بعد استفادته من تدريب في الصيف الماضي. فشَلُ «عز الدين» في نيل شهادة الباكلوريا دفعه إلى الإدمان على المخدرات، فزادت مطالبه لسد احتياجاته من المخدرات. كانت والدته تلبي طلباته من عائدات راتب والده ومن ثمن كراء الطابق الأرضي للمسكن. لكن «ثورة» الابن كلما وجد الظروف معسرة أو تقدمت الوالدة والشقيقة بنصائح لم تكن تتعدى حدود غضب عابر، وسرعان ما تعود المياه إلى مجاريها وتتدبر الوالدة مبلغا يلبي طلبات الابن المدمن، لكن لم يكن أحد يعتقد أن «عز الدين» سيقتل والدته وشقيقته في ليلة العيد، ويخرج بعد ذلك من المنزل، وكأنه منتشٍ بفعلته، ويتخلص من السكين في كوخ الحارس الليلي، مرددا على مسامع من شاهده: «يلاه.. عِيّدو دابا»!... خرج الشاب من المنزل في حالة «هيستيرية» إلى الساحة المقابلة للمنزل. تذكّر السكين التي تقطر بدماء والدته وشقيقته. حاول إخفاءها بجانب كوخ الحارس الليلي للحي. انتبه الجيران والمارة للصراخ المنبعث من البيت، الذي شهد فصول القتل الدامية. تجمهر الناس حول البيت، فيما حاول الشاب الفرار، قبل أن يلقى عليه القبض على بعد مئات الأمتار من المنزل، الذي شهد واحدة من أبشع جرائم بني ملال. انشغل أقارب الضحايا والجيران بتجهيز الأم وابنتها للدفن في يوم «العيد». حلت فرقة خاصة من الأمن الوطني، تقدمت موكب تشييع الجنازتين. كان أب الأسرة رجل أمن معروفاً في المدينة. قُتِل، بدوره، قبل سنوات من طرف مجرم أثناء أدائه واجبه، لتعيد جريمة قتل الوالدة والشقيقة فتح سجل ذكريات مؤلمة عاشتها الأسرة قبل عقدين من الزمن لدى من تبقى من أفراد الأسرة. أثناء الاستنطاق، اعترف الجاني بجريمته وأقرّ بما نُسِب إليه، مؤكدا أن سبب الجريمة هو حاجته إلى المال، فتم تقديمه للمحاكمة من أجل القتل العمد، مع سبق الإصرار والترصد، قبل أن تقضي هيأة المحكمة بالإعدام في حق قاتل أمه وشقيقته...