بعد وضع دومينيك ستروس-كان تحت حراسة من خمسة نجوم، انقشعت مسارب الطريق نسبيا أمام مارتين أوبريه، السكرتيرة الأولى للحزب الاشتراكي الفرنسي، لتقديم ترشيحها للانتخابات التأهيلية التي ستفسح المجال لأعضاء الحزب من أجل انتخاب مرشحهم لرئاسية 2012. وهذا ما أكدته عمدة مدينة ليل في فرنسا وابنة وزير الاقتصاد السابق جاك دولور في حديث أجرته معها القناة الفرنسية الثانية، مشيرة إلى «استعدادها لتحمل هذه المسؤولية». لو دخلت أوبريه معركة الاستحقاق التأهيلي فلن تدخلها لوحدها، إذ من المحتمل أن يلتحق بها مرشحون آخرون فضلوا، باسم وحدة الحزب، التكاثف من حول ووراء ترشيح دومينيك ستروس-كان لترجيح كفته في المبارزة مع نيكولا ساركوزي. اليوم، لم يعد لرئيس صندوق النقد الدولي سابقا من حول ولا قوة، كما أنه مكبل الأرجل بدملج إلكتروني، فما المانع إذن من دخولهم إلى المعترك؟ ومن غير المستبعد أن يطرح بعض أتباع ستروس-كان، أمثال بيار موسكوفيسي، ترشيحهم، ليصل الحزب في الأخير إلى دزينة من المرشحين «كلٌّ يلغو بلغوه»! على مارتين أوبريه، إذن، رفع رهان هام يتمثل في ترتيب البيت الداخلي، إما بإقناع أعداء الداخل وإما بإلحاق الهزيمة بهم. ومن بين جميع أولئك الذين أعلنوا عن ترشحهم للاستحقاق التأهيلي، يبقى فرانسوا هولند، السكرتير العام السابق للحزب الاشتراكي في فترة حكم فرانسوا ميتران، والذي لم يتبوأ يوما مسؤولية سياسية تذكر، (يبقى) الخصمَ العنيدَ الذي تجب تنحيته بطريقة ديمقراطية. باسم الموروث السياسي الميتراندي (نسبة إلى فرانسوا ميتران)، استطاع فرانسوا هولند أن يبني شعبية لدى شرائح عريضة من الفرنسيين، تترجمها اليوم نتائج الاستفتاءات التي تضعه على رأس قائمة المرشحين للانتخابات التأهيلية. في آخر استفتاء نظمه معهد «فيافويس» للاستفتاءات، والذي نشرته جريدة «ليبراسيون»، يحظى فرانسوا هولند بنسبة 56 في المائة من المؤيدين لترشحه، تليه مارتين أوبريه بنسبة 52 في المائة، فيما تحتل سيغولين رويال الرتبة الثالثة بنسبة 32 في المائة. دخل فرانسوا هولند، الملقب بالسلحفاة، باكرا السباق.. نزل إلى الأحياء لزيارة دور الشباب، التقى الفلاحين والمزارعين والعمال.. بمعنى أنه انطلق في الحملة قبل الموعد. ومن خلال نتائج الاستفتاءات، يبدو أن هذه الحملة آتت أكلها. غير أن فرانسوا هولند لا يثق في الاستفتاءات، «المهم هو احتلال الصف الأول في نهاية المطاف لا في بدايته.. أريد أن أكون مرشح الفوز»، يقول المرشح. فهذا الأخير هو بالكاد خصم أوبريه ومن العيار الثقيل، لكن السكرتيرة الأولى للحزب الاشتراكي الفرنسي تسعى إلى تجاهله كما لو كان سحابة صيف عابرة. بعد أن انفسخت من تلقاء ذاتها المعاهدة المسماة ب»معاهدة مراكش»، وهي ذلك الاتفاق الذي أبرمته مارتين أوبريه مع ستروس-كان على عدم المنافسة بينهما، تجد أوبريه نفسها اليوم في الصفوف الأمامية، لا لاجتياز امتحان انتخابات التأهيل، بل للفوز في الاستحقاق الرئاسي. إنها معركة طويلة ومضنية ضد أعداء الداخل والخارج. لكن، حسب بعض المراقبين، تبقى مارتين أوبريه، وهذا هو الإشكال العويص، عدوة لنفسها. فصورتها، حسب هذا الاستفتاء، غير واضحة في تصور الفرنسيين، إذ يرى 10 في المائة منهم أنها «قادرة على تمثيل فرنسا في الخارج»، فيما يقر 5 في المائة منهم بأنها لا تملك مقومات رئيسة دولة. لكن تبقى عقدة العقد في وجه مارتين أوبريه هي علاقتها بالإعلام، وهي علاقة نبذ بل كراهية، إذ تحتاط من الصحافيين وتعيش على فكرة أنهم يتصيدون الفرص للإيقاع بها. لكن، هل يمكنها خوض انتخابات لتبوؤ منصب الرئاسة دون الاعتماد على سلطة الإعلام ودون مجابهته على أرضية الميدان؟ يوم السبت الماضي، وافق المكتب الوطني على معاهدة مشروع الحزب لرئاسية 2012، وكانت المرة الأولى التي يجتمع فيها الاشتراكيون بعد فضيحة ستروس-كان. إن كان الحزب لا يزال تحت مفعول الصعقة، فإن عواقبها قد تدفع بالاشتراكيين إلى تنظيم صفوفهم لخوض هذا الاستحقاق المصيري والالتفاف من حول امرأة، بعد أن عانى الحزب الاشتراكي من سلطة وغيِّ الرجال.