مثل جميع المواطنات والمواطنين في هذا البلد الذي يقال عنه إنه «أجمل بلد في العالم»، لسنا -نحن الصحافيين- منذ الاستقلال، سوى سجناء في حالة سراح مؤقت. منذ ذلك الحدث، ونحن نعيش على وقع خوف نسجت خيوطه بدواخلنا. نرتعد من شدة الخوف في كل مرة نسمع فيها وقع نقرات على الباب. ماذا لو كانوا «أصحاب الحال»، زوار الليل أولئك؟ هؤلاء الذين يتحركون ليل نهار، يسوقونكم، يذلونكم، إذا لم يسوموكم العذاب. إخافتكم، إرهابكم هو هدفهم الوحيد. إنهم يريدون زرع هذا الخوف وذاك الإرهاب في أنفسكم، وعميقا أكثر في كيانكم، وأكثر عمقا في كل خلية من خلاياكم ليجعلوا منكم أنفسَكم جلادكم، مراقبكم، معذبكم. وبدل أن تحاربوا ضد قاتلي الكلمة الحرة، تعلنون الحرب على أنفسكم وتشنون ضدكم معركة لا هوادة فيها. نناضل ضد خوفنا، ضد الخوف من خوفنا. مع مرور السنوات، استطعنا، لحسن حظنا، أن نروض هذا الخوف ونكبحه ونقيده بالأغلال لتكون حريتكم هي العليا، ويستطيع فكركم التعبير بدون كوابح، وتسقط جميع الطابوهات والمحظورات والخطوط الحمراء. يتطلب هذا الأمر دفع فاتورة، فاتورة باهظة، أحيانا مبالغ فيها. لا يهم. الحرية لا ثمن لها. نضال بدون هوادة ضد استئصال الحروف والكلمات. إنها معركة غير متكافئة، لكننا سنظفر بها مليمترا بعد آخر. ولكي يسجنونا ويعتقلوا حريتنا ويضعوا الأغلال في فكرنا، وأفكارنا، يستغلون القانون ويدوسون العدالة بالأحذية.. يستلهمون من اللعبة القاتلة بين القط والفأر. سيتركونكم تعبرون، سيدعونكم تخترقون الخطوط الحمراء، سيسجنونكم في وهم وجود حرية حقيقية للتعبير والرأي. وذات يوم، وبسبب هفوة أو كلمة أو فاصلة، سيحركون في حقكم آلة القضاء. توقيف، استنطاقات، محاكمة، وأخيرا حكم غير قابل للاستئناف لشرعنة الموت. ومن سجناء في حالة سراح مؤقت، تصبحون في رمشة عين مجرمين وسجناء حق عام. مجرم مسلح بالحروف والكلمات، تهمته المس بالنظام. ستكونون عبرة وإنذارا لزملائكم، وبشكل أوسع، لجميع مواطنيكم. وليبرهنوا لنا على أنهم هم الأسياد: يمنحوننا الحرية حين يريدون، ثم يسلبونها منا متى شاؤوا، ولا نستطيع حراكا. يمكنهم أن يزجوا بنا في السجن، لكنهم لن يولجوا السجن إلى رؤوسنا. هل سبق لكم أن شاهدتم أحدا نجح في تقييد أو تصفيد الأفكار؟ قال الشاعر: في أجمل بلد في العالم تذبح الكلمات قربانا للآلهة يجلد الضحك قربانا للآلهة آلهة من دم ولحم في أجمل بلد في العالم تداس الكلمة وتقدس الحجارة تمزق أجسامنا بخطوط حمراء نعدم بسهام من خطوط حمراء في أجمل بلد في العالم ها نحن نرابط في حناجرهم لا نشرك بالله أحدا في أجمل بلد في العالم قضاة وحكام وشرطة من خطوط حمراء وقيودنا من خطوط حمراء حمراء كدم البريء كدم الحرية حمراء كخزي جلادينا قال المستشار للآلهة: كمموا أفواههم ثم اقتلوهم بالجوع أو الظمأ أو بسيوف من خطوط حمراء تنحى شيعتهم وتبقى كلمتكم هي العليا وافعلوا ما شئتم لا ما شاءت الأقدار فأنتم «الواحد القهار» وقف الإمام وقال: جنازة كلمة قتلت دون حق في أجمل بلد في العالم يداس الإنسان وتقدس «العمارية»