لا تزال المعركة الظالمة التي فرضها الصهاينة على العزل والمدنيين في غزة تحصد أرواح الشهداء وتسقط الجرحى ومع ذلك يستمر الصمود والثبات والنصر آت إنشاء الله وصدق الله العظيم (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا جاءهم نصرنا) كشفت هذه الحرب الضروس التي شنتها الدولة الصهيونية على فلسطين في غزة كثيرا من الحقائق التي عرفها المسلمون قديما والتي نطق القرءان الكريم ولكن المسلمين كانوا عندها غافلين، وغير عابئين بها وبما تتضمنه من أحكام وحكم، لقد جاء القرءان يكشف كثيرا من الأوضاع لهذه الجماعة من البشر التي ابتليت بها الأمة الإسلامية خلال العقود الأخيرة أو أن شئت الدقة منذ قرن من الزمان فالفلسطينيون منذ قرن وأكثر بقليل وهم يتجرعون سم هذه الفئة من البشر الذين كشف القرءان الكريم كثيرا من الحقائق عما تضمره نفوسهم من الحقد والكراهية لغير عرقهم من الناس فهم الذين في شأنهم القرءان انهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل واخبر القرءان الكريم كذلك انهم يتقدون غيظا وحقدا على المسلمين ويكفي للدلالة على ذلك أنه قال في شأنهم وما تخفي صدورهم اكبر وما يتصرفون به اليوم في هذه الحرب القذرة التي يشنونها على سكان غزة يفصح على حقيقة هؤلاء، فهم يقتلون الناس بهدم البيوت على ساكنها عير عابئين لا بالأطفال ولا بالنساء ولا بالعجزة والشيوخ فغايتهم القتل والتدمير والتمثيل بالسكان لأنهم لا يعتبرون غيرهم بشرا أو آدميين من حقهم ان يحيوا كما يحيا غيرهم من الناس، فهؤلاء الذين اخبر القرءان ان قلوبهم قاسية وأقسى من الحجر فالحجر منه ما يتفجر منه الأنهار ومنه من يشقق خشية وخوفا من الله ولكن هؤلاء القوم لا تعرف الرحمة والشفقة طريقا إلى نفوسهم فهم قوم مردوا على سفك الدماء وإشعال الحروب بين الناس وبث الفتنة بين الناس والسعي بالكذب والدس فهم سماعون للكذب أكالون للسحت كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا و الله لا يحب المفسدين. إنها حقائق كثيرة نطق بها القرءان وجاء بها الوحي وسجلها كثير من الباحثين والمؤرخين من قومهم على الصهيونية، وما ارتكبوه من جرائم الإساءة والقتل الجماعي في العقود الأخيرة اكبر دليل وأقوى حجة على هذا الذي اخبر به القرءان وشهدت به الأحداث والوقائع، وعهدنا بقومنا من العرب مسلمين وغير مسلمين أنهم كتبوا هذا كله ووثقوه ولكنهم مع بريق من الجاه والسلطة تناسوا كل ذلك، وضربوا عنه صفحا فقد أنستهم مفاوضات وجلسات المؤانسة لذكور مسؤوليهم وإناتهم كل ذلك، بل أصبحوا شركاء لهم في استغلال قومهم والتحالف معهم ضدهم بل ذهب ببعضهم التكالب على الجاه والمال والسلطة إلى الحد الذي يتخذ فيه هؤلاء أولياء من دون قومه ومواطنيه وهكذا أصبحنا نسمع تصريحات بعضهم ونقرأ له ما يندى له الجبين في التعاطف مع عناصر الشر وقوى الإجرام والظلام، وكل هذا الذي نقرأه من طرف هؤلاء أو نسمعه عن غيرهم أو من غيرهم من تثبيط للعزائم وموالاة الأعداء أخبرنا به القرآن الكريم لو كنا نلقي إليه بالا ونتعظ به ونعمل بمقتضاه. هذه الحقائق وغيرها كثير التي يزخر بها القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والتي أكدتها وقائع التاريخ كما أسلفت نمر عليها مصبحين وممسين دون ان نلقي إليها وبالا، وما أكثر ما عندنا من ذخائر فكرية وعلمية ولكننا في غمرة ما نحن فيه من غفلة لا ندرك هذه الحقائق وإذا أدركناها في لحظة ما فإننا سرعان ما ننساها إلى حين أن يجد حدث أو يقع واقع فنتسابق ونسارع لعلنا نجد ما يسعف في تخفيف الألم وتقديم المواساة لأنفسنا ولغيرنا، فداء النسيان أو الإهمال أو هما معا. إذا لم نقل ان الجهل هو أيضا له دوره الذي لا ينسى في هذا الذي يصيبنا، ولا تزال مقولة الوزير اليهودي ( دايان) ترن في آذان الذين سمعوها حينها وعندما كان يفسر خطته في حرب 1967 أو حرب الأيام الستة وأنها نفس خطة سنة 1956 عند احتلال سينا للمرة الأولى فسئل ألم يكن يخشى الفشل لخطته لأن العرب خبروها وعرفوها في الحرب السابقة فكان جوابه الساخر أبدا لسبب بسيط هوا ان العرب لا يقرؤون وهذه هي الحقيقة التي صدع بها (ديان) وهي ان العرب لا يقرؤون لا تزال تحكم الساسة منا وغير الساسة فنحن قوم لا نقرأ واستهلاك الورق أو الكتاب أو الصحيفة لا يدخل في عاداتنا ولا في تقاليدنا رغم اننا أمة نزل أول ما نزل من كتابنا وكتاب ديننا وحضارتنا (اقرأ) هذا الأمر بالقراءة والذي استوعبه الأولون من المسلمين فكتبوا ما لا يزال مفخرة الحضارة الإنسانية وقرأوا وعلموا غيرهم القراءة إننا تخلينا عن هذا كله واستمرئنا الجهل والأمية نبذا لتقاليدنا وتعاليم ديننا ولا عضاضة إذن ان يصف «ديان» العرب بهذا الوصف ويدمغهم بهذه المقولة مقولة عدم القراءة وما يتبع ذلك من التخلف وعدم القدرة على إدراك الحقائق واتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب. لقد تذكرت كل هذا وأنا كغيري من المسلمين ومن المغاربة بالذات عندما دخلت المسجد للصلاة وكانت الصلاة جهرية فقرأ الإمام مأجورا وفي الركعة الثانية قول الله تعالى (ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة) الآيات والركعة الثانية بقوله تعالى: (ان الله يدافع عني الذين امنوا ان الله لا يجب كل خوان كفور إذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) الآية. وتأملت معاني هذه الآيات التي أراد من خلالها ولاشك الإمام ان يذكر المصلين بمضامين هذه الآيات وان يأخذ بأيديهم ويواسيهم ويطمئنوا ان نصر الله الذي لن يتخلف وبينما أنا أتأمل هذه المعاني وهذا الإيحاء من طرف هذا الإمام الذي اهتدي إلى هذه القراءة الجميلة والمتأنية للآيات وكيف كان لها وقع معين في نفوس المصلين تخيلت كل ذلك. ولاشك أن تأثير هذه الآيات على المصلين كما قلت سيكون مناسبا لحالتهم النفسية وبينما أنا أتأمل هذه الآيات وإيحاءاتها وأنا في مناسبة دينية عند أحد الأصدقاء فإذا بأحد القراء يمسك المكبر ويشرع في تلاوة الآيات التي تناولت غزوة أحد وما لابسها من الأحداث لقد استهل القارئ تلاوته بقوله تعالى: لقد من الله على المومنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة إلى قول الله تعالى (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون ان كنتم مومنين) في سورة آل عمران وبالفعل قرأ احد عشر آية من هذه السورة التي كانت تتضمن مواساة المسلمين اثر ما حصل في أحد وفي الوقت نفسه تطمئنهم عن مصير أولئك الشهداء وهو ما عبر عنه القرءان في قوله تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء.) ولكن قبل ذلك يتحدث عن الشماتة التي عبر عنها المنافقون والتي أوردها السياق القرءاني في قوله تعالى: (الذين قالوا لإخوانهم لو أطاعونا ما قتلوا ليتحداهم »قل فأدرأوا عن أنفسكم الموت ان كنتم صادقين« وعندما قرأ المقرئ هذا المقطع من الآية تمثلت أمامي في هذا الأحداث التي نعيشها هذه الأيام مع المجاهدين في غزة وكل أهل غزة برجالهم ونسائهم وشبابهم وشيبهم وأطفالهم اليوم مجاهدون ومرابطون في سبيل الله نعم تمثلت ذلك المسؤول في دولة كانت في وقت ما الراعية للكفاح والنضال قال لقد حذرناهم ومن لم يسمع نصيحتنا فليتحمل مسؤوليته ولاشك ان الفلسطينيين الذي تراق دماؤهم يتحملون مسؤولياتهم وليس اليوم أو هم ينتظرون من هذا المسؤول المنهزم نفسيا وداخليا ان يطلب منهم ذلك ولو كانت الديمقراطية هي التي تنصب الحكام وتزيلهم في عالمنا العربي والإسلامي لكان هذا المسؤول ليس مقالا فقط ولكنه يتعرض للمساءلة لأنه لا يعبر عن رأي الجماهير التي تصرخ في شوارع مدن دولته ومؤسساتها الجامعية والنقابية وغيرها فما يقوله في واد والشعب ومواقفه في واد آخر ولكن تزييف الإرادة الشعبية للجماهير لن ينتج سوى مثل هذا المسؤول. وواصل القارئ القراءة فكأنك تنظر إلى أرواح الشهداء وهم في العلياء ترفرف وتستبشر بالذين لم يلحقوا بهم وان لا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين من خلفهم هم هؤلاء وأولئك الذين ينتظرون الشهادة كما جاء في آية أخرى (قل هل تتربصون الا إحدى الحسنيين) أي الشهادة أو الانتصار وفي معنى هذا يقول الإمام محمد عبده في تفسير المنار كما ينقل ذلك الشيخ رشيد رضا إنما قال من خلفهم للدلالة على أنهم وراءهم يقتفون أثرهم ويحذرون حذوهم قدما بقدم... ففيه الحث والترغيب والمدح والبشارة وهو من البلاغة الذي لا يطاول، فهم يطلبون البشرى بالذين لم يلحقوا بهم من إخوانهم، أي يتوقعون ان يبشروا بهم في وقت قريب بقدومهم عليهم مقتولين في سبيل الله كما قتلوا مستحقين من الرزق والفضل الإلهي مثل ما أوتوا وهم يسرون بذلك عندما يتحقق على معنى..« ويواصل القارئ القراءة ولتنال المعاني وتتداعى الأخيلة وكلها تنظر إلى ما يحصل اليوم مقارنة له بما حصل بالأمس عندما وقف الرسول عليه السلام عقب معركة أحد ليلقن المسلمون ان يحيوا المشركين وهم يفتخرون كما يفتخر الصهاينة اليوم بما أنجزوا من قتل وتدمير قال لهم قولوا لهم الله ورسوله أعلى قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، إنها مفارقة كبيرة بين مصير ومصير، ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد فالقارئ يستمر ويأتي في السياق الحديث عن هؤلاء الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح..« وحال هؤلاء يمكن تشبيه حال أهل غزة به مثلهم في ذلك مثل غيرهم من المجاهدين الصامدين والصابرين فهؤلاء المجاهدون الذين تقدم لهم دول كثيرة نصيحة التخوف والقناعة بالواقع لأن الصهيونية تملك الأسلحة والمال والزاد وانتم لا تملكون لا زادا ولا دواء ولا سلاحا ولا مناصرا منكم ومن جيرانكم فانتم تلقون بأنفسكم إلى التهلكة انها وصايا الإحباط والانهزام والتنببيط ولكن القارئ يصدم اللذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم احشدهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. فهذا هو الواقع اليوم فعندما يتكالب العدو ويناصره الناصحون غير المخلصين في نصيحتهم التي أملاها الجبن ينقلب هؤلاء بنعمة الله وفضل لم يمسهم سوء ليواصل القارئ (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون ان كنتم مومنين). ما أجمل وقع هذه الآية في النفس المضطربة تجاه ما يحدث اليوم في فلسطين وأود هنا ان أشرك القارئ في هذا الاستنتاج للشيخ الإمام محمد عبده في تفسير الآية حيث قال: في الآية التنبيه إلى الموازنة بين أولياء الشيطان من مشركي مكة وغيرهم وبين ولي المؤمنين القادر على كل شيء كأنه يقول: عليكم أن توازنوا بين قوتي وقوتهم ونصرتي ونصرتهم، فأنا الذي وعدتكم النصر وأنا وليكم ونصيركم ما أطعتموني وأطعتم رسولي وفي هذا المقام شبهة تعرض لبعضهم: يقولون إن تكليف عدم الخوف من تكليف ما لا يستطاع ولا يدخل في الوسع فان الإنسان اذا علم ان العدد الكثير ذا العدد العظيمة يريد ان يواثبه وينزل به العذاب بأن رآه أو سمع باستعداده من الثقات فانه لا يستطيع أن يخافه، فكان للظاهر أن يؤمروا بإكراه النفس على المقاومة والمدافعة مع الخوف لا ان ينهوا عن الخوف. والجواب: أن هذه الشبهة حجة الجبناء فهي لا تطوف الا في خيال الجبان، فان أعمال النفس من الخوف والحزن والفرح يتراءى للإنسان انها اضطرارية وان آثارها كائنة لا محالة مهما حدث سببها والحقيقة ان ذلك اختياري من وجهين (أحدهما) أن هذه الأمور تأتي بالعادة والمزاولة ولذلك مختلف باختلاف الشعوب والأجيال فمن اعتاد الاحجام عند الحاجة إلى الدفاع يصير جبانا والعادات خاضعة للاختيار بالتربية والتمرين ففي استطاعة الإنسان ان يقاوم أسباب الخوف ويعود نفسه الاستهانة بها ( وثانيهما) ان هذه الأمور إذا حدثت بأسبابها. فالإنسان مختار في الاسلاس لها والاسترسال معها حتى يتمكن أثرها في النفس وتتجسم صورتها في الخيال ومختار في ضد ذلك وهو مغالبتها والتعمل في صرفها وشغل النفس بما يضادها ويذهب بآثرها او يتبدل به أثرا آخر مناقضا له. فهذا الأمر الاختياري هو مناط التكليف، كأنه يقول إذا عرضت لكم أسباب الخوف فاستحضروا في نفوسكم قدوة الله على كل شيء وكونه بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه وتذكروا وعده بنصركم وإظهار دينكم على الدين كله وأن الحق يدمغ الباطل فإذا هو زاهق وتذكروا قوله (2: 249 كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) ثم خذوا أهبتكم وتوكلوا على ربكم فإنه لا يدع لخوف غيره. ان المجاهدين اليوم ومن يناصرهم من المؤمنين ومحبي الحرية والسلم في العالم يرددون فلا تخشوهم وإنما النصر صبر ساعة. وبعد فقد عشت مع هذه الآيات البينات طيلة ليلة الأربعاء وأنا أقرأها وأعيد قراءتها وأرى أمامي من خلال الشاشة ما يجري في غزة واسمع لذلك الجريح الذي أقسم أنه لا رجعة ولا استسلام ولكنه جهاد وثبات واتكال على الله مع كل ما حصل ويحصل فآمنت أن العاقبة للمجاهدين وان الآية انا لننصر رسلنا والذين ءامنوا في الحياة الدنيا ويم يقوم الإشهاد ستحقق وان الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.