تاسعا: تصور حزب النهج الديمقراطي في وثيقة مختصرة جدا، لا تتعدى مقترحاتها صفحتين على الأكثر، وفي خمس نقط أساسية، عبر حزب النهج الديمقراطي عن تصوراته، بشكل مُلفت للنظر، إذ لم تتم الإشارة -إن من قريب أو بعيد، وإن صراحة أو ضمنا- إلى الملك أو الملكية كنظام سياسي. وكل ما قد يُعبر، في استغراب، عن طبيعة هذا الأخير هو ما أدرجه ضمن النقطة الثانية، والمتعلقة بالهوية والديانة والدولة، حيث يؤكد الحزب ما يلي: - إن الشعب المغربي شعب عربي أمازيغي من حيث الهوية الثقافية والحضارية، ديانته الأساسية الإسلام وينتمي إلى المغرب الكبير والعالم العربي وإفريقيا. - إن الدولة المغربية دولة ديمقراطية علمانية تقوم على أساس الإرادة الشعبية وتعتمد النظام البرلماني وتضمن حرية العقيدة وتحظر استعمال الدين لأغراض سياسية، كما تقرر في دور الجيش كحام للوطن ومصالح الشعب. - الجهوية الديمقراطية، حيث تتمتع الجهات بصلاحيات حقيقية في التقرير والتنفيذ، صلاحيات متفاوض حولها مع السلطة المركزية، مع إعطاء الجهات ذات الخصوصية أقصى حد ممكن من التسيير الذاتي قد يصل إلى الحكم الذاتي. عاشرا: تصور الحزب الاشتراكي الموحد وفي بيان للحزب الاشتراكي الموحد، الذي يُعلن مقاطعته للجنة مراجعة الدستور، يقترح عشرة مبادئ للوثيقة الدستورية، وهو يؤكد أن المجلس الوطني قد خلص إلى أن «النضال اليوم من أجل قانون أساسي للبلاد، يستوعب التوجهات الجوهرية للملكية البرلمانية، يقتضي أن تتضمن الوثيقة الدستورية المبادئ التالية». وهي تلك المبادئ العشرة التي خصص المبدأ الثامن منها للمؤسسة الملكية بالقول: «إن الانتقال بالملكية المغربية من ملكية حاكمة إلى ملكية برلمانية، تكفل ربط القرار بصناديق الاقتراع وربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة على جميع المستويات، يعني إرساء قطيعة مع ماضي الحكم التقليدي ومباشرة الملك اليوم لأدوار رمزية وتحكيمية تشخص استمرارية الدولة وتسمح بتداول البرامج والسلطة الفعلية بين الأحزاب طبق القواعد العامة للنموذج المتعارف عليه عالميا للملكية البرلمانية وليس بمعزل عن إحداها». وبعد الإعلان عن هذه المطالب والمقترحات والمبادئ العشرة، ينتقل الحزب في الفقرة ما قبل الأخيرة في بيانه إلى القول: «وإذ يُثمن المجلس الوطني موقف المكتب السياسي القاضي بمقاطعة لجنة «الآلية السياسية المواكبة» لإعداد الدستور الجديد، فإنه يدعو كافة المناضلين الديمقراطيين إلى الانخراط بفعالية في مسار التغيير، ويؤكد تشبثه بتحالف اليسار الديمقراطي واستعداده لإنجاح البرنامج المسطر من طرفه، بما في ذلك تنظيم مناظرة حول دستور الملكية البرلمانية والعمل على بناء ائتلاف لمكونات الصف الديمقراطي السياسية والنقابية والمجتمعية المدافعة عن نظام الملكية البرلمانية». ملاحظات ختامية كل ما يمكن -ختاما- أن نستنتجه من خلال التصورات الحزبية المستعرضة أعلاه، حول طبيعة النظام السياسي المغربي المرتقب ضمن الإصلاح الدستوري القادم، هو مجموعة من الملاحظات المستخلصة، وفق الترتيب التالي: أولا: بالرغم من عامل الزمن، الذي فرضه توقيت الإصلاح الدستوري المرتقب، والمدة المخصصة للأحزاب لتقديم مقترحاتها وتصوراتها حول تعديل الدستور المراجع لسنة 1996، فإن المذكرات المقدمة بهذا الخصوص يؤكد أغلبها على طابعها الأولي، وأنه في غضون الأيام القادمة سوف تتم موافاة اللجنة المكلفة بمذكرات شاملة ووافية لمقترحاتها، باستثناء بعض الأحزاب التي قدمت مذكرات كاملة. ثانيا: أن أغلبية الأحزاب قد اعتمدت في مقترحاتها وتصوراتها الموجهة إلى لجنة مراجعة الدستور الحالي -وبشكل حرفي في أغلب الأحيان- على المرتكزات السبعة التي جاء بها الخطاب الملكي ل9 مارس 2011. ثالثا: أن أغلبية الأحزاب تتفق على النظام الملكي كنظام سياسي مغربي في الإصلاح الدستوري المقبل، مع اختلاف في التسميات، حيث هناك من تبنى نظام «الملكية الدستورية» وهناك من تبنى نظام «الملكية الديمقراطية» وهناك من تبنى نظام «الملكية المواطنة»، في حين تبنى البعض الآخر نظام «الملكية البرلمانية». رابعا: رغم اختلاف التسميات المعتمدة في التعبير عن طبيعة النظام السياسي المرتقب في الإصلاح الدستوري القادم، فإن جل الأحزاب تتشابه تقريبا في تحديد نفس السلطات والاختصاصات التي تمنحها للمضمون، وهي نفس المرتكزات الملكية السبعة. خامسا: بالجمع ما بين التفاصيل التي جاء بها كل حزب، في ما يخص علاقة الملك بمؤسسات الحكومة والبرلمان والقضاء، وما جاء في المرتكزات السبعة المدرجة في الخطاب الملكي ل9 مارس 2011، فإن كل المفاهيم المرتبطة بالأسماء والألقاب التي منحتها بعض الأحزاب للملكية المغربية كنظام سياسي، من قبيل: ملكية دستورية وملكية ديمقراطية وملكية مواطنة وملكية برلمانية، كلها لا تخرج عن الخط الناظم للمرتكزات السبعة المؤسسة ضمنيا -في نظرنا- للملامح الأولية لنظام سياسي ملكي برلماني، لكن -أكيد- بخصوصيات ومميزات مغربية محضة. سادسا: يلاحظ أن الأحزاب العشرة التي توفرت لدينا وثائقها ومذكراتها في ما يخص تصوراتها للإصلاح الدستوري القادم، ومنها مقترحاتها حول طبيعة النظام السياسي المرتقب، يمكن تقسيمها إلى اتجاهين مختلفين في التفاصيل، لكنهما متكاملان في الأهداف. الخمسة الأوائل، حسب التقسيم المقدم أعلاه، تتبنى في عموميتها ما يمكن أن نجمله تحت «نظام ملكية دستورية ديمقراطية مواطنة واجتماعية»، بينما تتبنى الخمسة المتبقية من الأحزاب أعلاه ما يمكن أن نحصره تحت «نظام ملكية برلمانية» كما هي متعارف عليها عالميا، لكن -وإن اقتضى الأمر- بمواصفات وخصوصيات مغربية، تُحترم فيها الثوابتُ الوطنية وتُراعى فيها العادات والتقاليد المغربية. سابعا: وإذا كنا نعلم بأن التعددية السياسية الحزبية في المغرب تسمح تقريبا لما يفوق 30 حزبا بالتعبئة والتربية والمشاركة السياسية للمواطنين، فإننا نكاد لا نسمع بتاتا بأسماء البعض منها إلا عند اقتراب مناسبة سياسية أو استحقاق انتخابي، بل إن أكثر ما يثير انتباهنا في هذه الظرفية المتسمة بالترقب والمراقبة، أحيانا، والمرافقة والمشاركة، أحيانا أخرى، وذلك في خطوات الإصلاح السياسي الدستوري المرتقب، هو انعدام أية مواقف لتلك الأغلبية الصامتة من الأحزاب الغائبة، بل إن البعض منها لا يمتلك ولو موقعا للوساطة والتواصل، يُعبر من خلاله عن أفكاره وبرامجه أو اقتراحاته وتصوراته حول ما تعرفه الظرفية الحالية من تاريخ المغرب الحديث، من القضايا والأحداث المصيرية. لذلك نتساءل، باستغراب، عن الأسباب الحقيقية التي تدعو -أو بالأحرى تدفع - بهذه الأحزاب إلى شبه الانطواء والتقوقع على نفسها؟ وما القيمة الإضافية التي يمثلها وجودها في الساحة السياسية المغربية، جسدا بلا روح؟ ما دام لا يُسمع لها صوت، ولا يُذكر لها رأي، ولا تُبدي أية مُشاركة في الحراك الاجتماعي والسياسي ولا في النقاش العمومي اللذين ينهض بهما شباب المغرب المعاصر اليوم!؟ عبد الرحيم خالص - باحث متخصص في القانون الدستوري وعلم السياسة انتهى.