كان لتوقيف المدير العام لصندوق النقد الدولي وقع الصاعقة، قبل بضعة أسابيع من إيداع الترشيحات للانتخابات التمهيدية في الحزب الاشتراكي الفرنسي. ونفى دومينيك ستروس-كان، الذي اتهم أول أمس الأحد بالاعتداء الجنسي ومحاولة الاغتصاب في الولاياتالمتحدة، كل التهم الموجهة إليه، وسيدفع ببراءته كما أكد محاميه وليام تايلور. وتعرفت موظفة التنظيف في فندق سوفيتيل في نيويورك رسميا، يوم الأحد الأخير، إلى مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستروس-كان في مفوضية الشرطة على أنه اعتدى عليها جنسيا في غرفته في الفندق، وفق ما أفاد به متحدث باسم الشرطة لوكالة «فرانس برس». وخرج ستروس-كان وهو يبدو متعبا من مركز الشرطة الواقع في حي هارلم بعد حوالي ثلاثين ساعة على توقيفه على متن طائرة تابعة لشركة «إير فرانس». وصعد بعدها إلى سيارة للشرطة حيث جلس على المقعد الخلفي محاطا بشرطيين. وذكرت تقارير إخبارية، يوم أمس الاثنين، أن عاملة تنظيف تعمل بأحد فنادق نيويورك، والتي قالت إنها تعرضت لاعتداء جنسي من طرف رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك ستروس-كان (62 عاما)، تعرفت عليه من بين مشتبه بهم آخرين في طابور عرض أجرته الشرطة. وليست هذه أول فضيحة جنسية تحيط بستراوس-كانْ، فقد تبين في 2008 أنه كان على علاقة بخبيرة اقتصادية في صندوق النقد، وهي قضية فتحت فيها المؤسسة المالية تحقيقا خلصت فيه إلى براءته، قائلة إنه لم يمارس ضغطا على هذه المرأة وإن قدرت أنه ارتكب خطأ في التقدير. دفاع ستروس-كان أعلن أحد محاميه، بنجامين برافمان، متوجها إلى الصحافيين أمام محكمة جنوب مانهاتن حيث سيمثل ستروس-كان أمام قاض، أنه «يعتزم الدفاع عن نفسه بشدة ضد التهم، وهو ينفي أي سلوك غير لائق». وكان أُرجئ مثول ستروس-كان أمام القاضي إلى صباح أمس الاثنين، بعدما كان مقررا أول أمس الأحد، للسماح للمحققين بإجراء تحاليل جديدة، وفق ما قاله محام آخر هو ويليام تايلور. وأوضح أن «موكلي وافق بملء إرادته على إجراء تحاليل جديدة». وأفاد المتحدث باسم شرطة نيويورك، جون غريمبل، بأن شرطة نيويورك حصلت على مذكرة جديدة لتفحص ملابس مدير صندوق النقد بحثا عن آثار جديدة للحمض الريبي النووي. وقال إنه تم إصدار مذكرة جديدة «لملابسه»، موضحا أن آثار الحمض الريبي النووي التي يتم البحث عنها يمكن أن تكون «شعرا أو سائلا منويا» أو غيره. وأضاف أن الشرطة تسعى إلى الحصول على تفويض آخر لتفتيشه جسديا. وردا على سؤال عما إذا كانت الشرطة تبحث عن آثار أظافر مثلما أفادت بذلك وسائل الإعلام الأمريكية، قال: «نعم، هذا ما يجري». وقال المتحدث إن ستروس-كان «لا يحظى بالحصانة الدبلوماسية». وكان غريمبل أشار إلى أنه تم رصد موقع ستروس-كان في مطار كينيدي بعدما اتصل بالفندق لإعطاء تعليمات بشأن هاتفه النقال الذي نسيه في غرفته، مؤكدا بذلك معلومات أوردتها صحيفة «وول ستريت جورنال». نيكولا ساركوزي أكبر المستفيدين يحتمل أن يؤدي توقيف المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس-كان، يوم السبت الفارط في نيويورك، إلى وقف السباق الرئاسي للمرشح الاشتراكي المرجح لدى الفرنسيين في استطلاعات الرأي لمنافسة نيكولا ساركوزي في 2012. ويتوقع أن يحدث هذا الاتهام الموجه رسميا إلى المدير العام لصندوق النقد الدولي زوبعة في حملة الانتخابات الرئاسية، أولا لدى المعسكر الاشتراكي، حيث يبرز دومينيك ستروس-كان في استطلاعات الرأي كمرشح مرجح لخوض الانتخابات باسم الحزب الاشتراكي في عام 2012، ثم لدى الطبقة السياسية الفرنسية بكاملها. وما يزيد من حدة هذه الزوبعة أن استطلاعات الرأي الأخيرة ترجّح فوز دومينيك ستروس-كان في مواجهة الرئيس نيكولا ساركوزي الذي يتوقع أن يترشح العام المقبل. وقد تحدثت رئيسة الحزب الاشتراكي مارتين أوبري، أول أمس الأحد، عن «صاعقة» بعد اتهام ستروس-كان، وعبّرت عن «ذهولها»، داعية حزبها إلى البقاء «موحدا». واعتبرت رئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتشدد في فرنسا مارين لوبن، المرشحة إلى الانتخابات الرئاسية، أن «الوقائع المنسوبة إلى دومينيك ستروس-كان، إن تبينت صحتها، هي على جانب كبير من الخطورة. وقد فقد مصداقيته تماما كمرشح لأعلى منصب في الدولة» بعد اتهامه في الولاياتالمتحدة بالاعتداء الجنسي ومحاولة الاغتصاب. وأضافت أن «باريس كلها، باريس الصحافة وباريس السياسة، تضجّ منذ أشهر بشأن العلاقات المرَضية (...) التي يقيمها ستروس-كان، على ما يبدو، مع النساء. كنت أنا نفسي ضحية بعض الشيء في مبارزة معه، حيث كان غير لائق في كلامه». ومنذ زيارته لباريس في نهاية أبريل الماضي، يتعرض ستروس-كان لانتقادات شديدة من قبل قسم من الصحافة لنمط حياته وإرثه العائلي. ويظهر في إحدى الصور في سيارة بورش أمام منزله الباريسي في بلاس دو فوج، مما اعتبر خطأ إعلاميا «طائشا» حسب المقربين منه، وخطوة خاطئة تماما حسب الغالبية الرئاسية. وبحكم واجب التحفظ، الذي يفرضه منصبه على رأس صندوق النقد الدولي، التزم سترا وس-كان الصمت بشأن نواياه حول الترشح للانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب الاشتراكي لخوض الانتخابات الرئاسية، لكنّ أيا من أصدقائه لا يشك في أنه سيذهب في هذا الاتجاه بعد انعقاد قمة مجموعة الثماني في دوفيل في أواخر ماي والخطة الجديدة لإنقاذ اليونان. لكن هذه القضية تثير الشكوك. ويستفيد الفريق الرئاسي أيضا من ضعف موقف ستروس-كان، إذ إن عددا من مسؤوليه يعتبرون أنه المرشح الأكثر خطورة، حتى إن البعض أسروا في أواخر الأسبوع بأنه «الرجل الواجب إسقاطه»، ووصفوا رئيس الدولة نيكولا ساركوزي بالمنافس الذي سيتحدى «المرجح الكبير» دومينيك ستروس-كان. فرنسا تحت هول الصدمة
أبدت الطبقة السياسية الفرنسية، بيسارها ويمينها، صدمة لتوقيف مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس-كانْ (62 عاما) في نيويورك يوم السبت الأخير بتهمة التحرش الجنسي، في تطور تزامن مع استطلاعِ رأيٍ أظهره كأفضل منافس للرئيس الحالي نيكولا ساركوزي في انتخابات الرئاسة المقبلة. كما قال النائب عن الحزب الاشتراكي بيار موسكوفيتشي: «عرفته لأكثر من ثلاثين عاما، وما حدث لا يشبه الرجل الذي عرفته». أما زعيمة الجبهة الوطنية اليمنية مارين لوبن فقالت لإذاعة «آر تي إل، إن الاعتقال «ينزع المصداقية تماما» عن ستراوس-كانْ بالنظر إلى جسامة التهمة. والتزمت حكومة ساركوزي الصمت، لكن برنار دوبريه، النائب عن الحزب الحاكم الاتحاد من أجل حركة شعبية، قال لإذاعة «أوربا 1» إن بلاغ الشكوى كان بالتأكيد من الصلابة بحيث دفع الشرطة إلى توقيف ستراوس وهو على متن الطائرة في اللحظة التي كانت تهم فيها بالإقلاع، وإنْ حرص هذا النائب على أن يتحدث بصفته الشخصية فقط. أما صندوق النقد، فقال إنه يعمل بشكل عادي، وإنْ كان متوقعا أن تشهد هذه المؤسسة المالية فراغا في قمتها وفي توقيت حرج، خاصة وأن فترة ستراوس-كانْ تنتهي بعد نحو شهرين، ونائبه الأمريكي جون ليبسكي ينوي التنحي بعد نهاية فترته في غشت القادم. بيان صندوق النقد الدولي
قال صندوق النقد الدولي، أول أمس الأحد، إن جون ليبسكي، نائب المدير العام للصندوق، سيصبح القائم بأعمال المدير العام في غياب دومينيك ستروس-كان، المتهم في اعتداء جنسي. وقال وليام موراي، المتحدث باسم الصندوق أن ليبسكي التقى بأعضاء مجلس الصندوق لإطلاعهم على التطورات. والمجلس هو جهة الإشراف الرئيسية على العمليات اليومية للصندوق. وقال موراي في بيان «تماشيا مع إجراءات صندوق النقد الدولي، فإن جون ليبسكي، النائب الأول للمدير العام، سيصبح القائم بأعمال المدير العام في ظل غياب المدير العام عن واشنطن.. سيرأس السيد ليبسكي الجلسة غير الرسمية للمجلس اليوم (يقصد يوم الأحد)». من جانب آخر، قال صندوق النقد الدولي أول أمس إنه يعمل بطريقة عادية رغم اعتقال مديره التنفيذي، وأضاف الصندوق أنه لا تعليق لديه حول الاعتقال، محيلا الأمر على محامي ستراوس-كانْ والسلطات المحلية في الولاياتالمتحدة. وشددت اليونان على أن اعتقال مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس-كان لن يؤجل تنفيذ خطتها للإصلاح الاقتصادي وفق الاتفاق المبرم بين أثينا والاتحاد الأوربي والنقد الدولي. ومن تداعيات اعتقال ستروس-كانْ تأجيل اجتماعه مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وعدم حضوره لاجتماع وزراء مالية الاتحاد الأوربي في بروكسيل أمس الاثنين المخصص لمناقشة أزمة الديون في منطقة اليورو، ولاسيما الملف اليوناني. وأضاف الناطق الرسمي باسم الحكومة اليونانية جورج بيتالوتيس أن بلاده ستستمر في خطة الإصلاح دون انقطاع حتى تخرج من أزمتها. وأشار المسؤول، الذي لم يكشف عن هويته، إلى أن مدير المؤسسة المالية الدولية على اطلاع جيد على وضع اليونان، غير أن اعتقاله بعد اتهامه بالاعتداء جنسيا على خادمة في أحد فنادق نيويورك لن يغير من سياسة النقد الدولي تجاه اليونان. الصحافة الفرنسية بين الشك والذهول بين الشك والذهول، كانت الصحافة الفرنسية تحت وقع الصدمة يوم أمس الاثنين بعد إعلان نبأ اعتقال رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك ستروس-كان بتهمة الاعتداء الجنسي ومحاولة الاغتصاب، وطرحت تساؤلات عن عواقب الفضيحة على الحزب الاشتراكي والانتخابات الرئاسية في 2012. وكتبت الصحف: «غير معقول، أمر لا يصدق ومستحيل»، مشيرة إلى «فخ» و«صاعقة» و«مكيدة» أو سيناريو رواية بوليسية أو فيلم رديء من الدرجة الثانية أو فيلم تشويق أمريكي، وتساءلت خصوصا عن المستفيدين من هذه الفضيحة. وقالت «لا نوفيل ريبوبليك دو سانتر أويست» إنه «سيناريو مثالي لفيلم رديء من الدرجة الثانية»، في حين تساءلت «مين ليبر» عما إذا كان ستروس-كان وقع «في فخ جدير بأفلام التشويق الهوليوودية». وذكرت «ليبراسيون» اليسارية أن «دومينيك ستروس-كان كان يعلم بأنه أخطر عدو لنفسه. خرج ستروس-كان من السباق الانتخابي». وترى «لو فيغارو» المحافظة أنه من الواضح أن «دومينيك ستروس-كان لن يكون الرئيس المقبل للجمهورية الفرنسية»، وقالت: «اليسار يرى أن السيناريو الذي كشفته استطلاعات الرأي ورجح فوز دومينيك ستروس-كان شبه المؤكد في الانتخابات في ربيع 2012 قد اختفى». وتساءلت «بريس أوسيان»: «من المستفيد من الفضيحة؟ المستفيد الرئيسي من احتمال إبعاد دومينيك ستروس-كان من السباق الانتخابي يدعى نيكولا ساركوزي». وترى بعض الصحف، مثل «لي ديرنيار نوفيل دالزاس»، أن «استبعاد دومينيك ستروس-كان ليس أمرا سيئا للحزب الاشتراكي ولا جيدا لساركوزي. لا شيء نأسف عليه إذا ما استبعد دومينيك ستروس-كان من مشهد سياسي يتغير باستمرار. هذا الرجل اللامع كان يطرح تهديدا على معسكره». أما «لا كروا» الكاثوليكية فتتحدث، على غرار صحف أخرى، عن «الإذلال»، وكتبت: «إذلال لدومينيك ستروس-كان وذويه إذا تبين أنه بريء. وإذلال لفرنسا في جميع الأحوال لأن صورة بلادنا في الخارج تأثرت لا محالة».
دومينيك ستراوس كان.. أبرز وجوه المعارضة الفرنسية ولد ستراوس-كانْ في فرنسا، لكنه قضى بعض سنوات طفولته في المغرب، وبدأ حياته السياسية في 1986 حين انتخب نائبا لأول مرة. ينادي ستراوس-كانْ ب«اشتراكية الواقع»، «اشتراكية يسار فاعل في زمن العولمة»، لكنه لا يتخلى مع ذلك عن «البرغماتية والنظام القائم». وله مؤلفات عدة مثل «الشعلة والرماد» (2002) و«من أجل المساواة الحقيقية» (2004)، ويدعو إلى «اشتراكية التوزيع» و«الإنتاج» و«التحرر»، وهذا ما يشكل بالنسبة إليه «الدعامات الثلاث للاشتراكية الديمقراطية». ويعتبر منظرو الاقتصاد العالمي دومينيك ستراوس-كان، الذي سبق أن عمل وزيرا للاقتصاد والمالية في حكومة بلاده ما بين عامي 1997 و1999، إحدى أكثر الشخصيات التي ترسم مستقبل الاقتصاد العالمي والرأسمالية الجديدة، حيث استطاع، وهو على رأس صندوق النقد الدولي، أن يقدم الدعم إلى اليونان والمجر وباكستان وأوكرانيا، وأنقذ العالم من حرب العملات، كما حاول أيضا أن يبعد، بالحيلة والدهاء، الجدل الدائر حول سياسة الصين بشأن العملات خارج المجلس التنفيذي للبنك. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن دومينيك ستراوس (62 عاما) لا يحظى بتأييد الجميع، إذ يعتبرهُ فريق آخر رأس حربة للمشروع الرأسمالي البشع المسؤول عن صناعة الفقر، الذي وضع خُمس سكان الكرة الأرضية تحت خط الفقر، بدخل يومي أقل من دولار، فيما جعل متوسط الدخل في أغنى 20 بلدا في العالم يساوي 37 مرة متوسط الدخل في أفقر 20 بلدا في العالم. تسلم الرجل الاقتصادي البارز في الساحة الأوربية أعلى منصب داخل صندوق النقد الدولي قبل ثلاث سنوات ونصف السنة، بدعم من الرئيس نيكولا ساركوزي، تردد بعدها أن الأخير عمد من هذه الخطوة إلى إبعاده عن تفاصيل الحياة السياسية، كي لا يشكل وجوده هناك خطرا على مستقبله السياسي، على اعتبار أن دومينيك ستراوس-كان يتمتع بذكاء حاد وباستطاعته تحريك بوصلة العملية السياسية في فرنسا. وتحفل حياة المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس-كان المهنية بارتدادات قوية، فقبل أن تقتاده شرطة ولاية نيويوركالأمريكية، يوم السبت الماضي من مطار جون إف كيندي الدولي، وهو متوجه إلى باريس من أجل المشاركة في اجتماع لوزراء مالية دول اليورو في بروكسيل، للاستجواب على خلفية اتهامه بالاعتداء الجنسي على عاملة في أحد فنادق «مانهاتن» الشهيرة، دخل في أكتوبر من عام 2008 في علاقة عاطفية مع باحثة اقتصادية مجرية تعمل في مكتبه، بيد أن مجلس إدارة الصندوق برّأه من أي تهمة لاستغلال صلاحياته. ويحمل دومينيك ستروس-كان، الآتي من الخلفية الأكاديمية والذي كان عضوا في الجمعية الوطنية الفرنسية وأستاذا للاقتصاد في معهد الدراسات السياسية في باريس، فكرا خليطا، يقع في منزلةٍ ما بين المنزلتين للتوجه الاشتراكي والرأسمالي، ولطالما ظل يروّج لمدرسة الاشتراكية الواقعية التي تتفاعل في زمن العولمة التي تقودها المدرسة الرأسمالية.