إضرابات بالمكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي احتجاجا على تأخر إخراج القانون الأساسي    "الجمعية" تحذر من تحول "بوحمرون" لحالة وبائية وتستنكر استمرار قمع حرية الرأي والتعبير وتدهور القدرة الشرائية    إبراهيمي: الحكومة المتغولة تمرر أي قانون دون التفاعل مع تعديلات المعارضة أو احترام الشارع    تحت شعار "نحن اليوم التالي" "القسام" تطق سراح الأسرى الإسرائيليين.. وبدء الإفراج عن 183 أسيرا فلسطينيا    "العدل والإحسان" تدين الأحكام القاسية ضد الغنوشي وسياسيين وصحفيين في تونس    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية المسجلة بالمملكة.. وهذه توقعات الأحد    فاس: لحسن السعدي يزور عددا من المشاريع المنجزة في مجال الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ترامب يجمد المساعدات لجنوب إفريقيا    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون موضوع قانون الإضراب وتداعياته    انتشال ثاني جثة بسبتة خلال فبراير الجاري والسابعة منذ مطلع سنة 2025    مرحلة الإياب تنطلق بمواجهات حارقة تتقدمها قمة المتصدر أولمبيك الدشيرة ومطارده رجاء بني ملال    مانشستر سيتي يتقدم بدعوى جديدة ضد رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز    الدرهم يتراجع أمام الأورو والدولار    النقابة الوطنية للعدل تدين "انتهاك الحريات النقابية" وتعلن عن تصعيد احتجاجي    تحقيق يكشف أبرز المتأثرين بسياسات ترامب الداخلية والخارجية    الأهلي يعلن تعافي بن شرقي وداري وعودتهما إلى التدريبات    حماس تسلم الصليب الأحمر ثلاثة أسرى إسرائيليين    "أليوتيس" 2025 : انعقاد اللجنة المشتركة المغربية الموريتانية في مجال الصيد البحري وتربية الأحياء المائية    السعودية توقف التأشيرات المتعددة للعمرة والزيارة لمواطني 13 دولة بينها المغرب    جامعة محمد الخامس بالرباط في صدارة الجامعات المغربية والمغاربية    الصين: انطلاق دورة الألعاب الآسيوية الشتوية بهاربين    الأمير مولاي رشيد يترأس حفل عشاء أقامه جلالة الملك بمناسبة الدورة ال 49 لجائزة الحسن الثاني للغولف والدورة ال 28 لكأس صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم    تصفيات المونديال..الفيفا يلغي مباراة الأسود ضد الكونغو برازافيل    أتلتيكو مدريد يوجه رسالة للحكام قبل الديربي    كيوسك السبت | المغرب يرتقي إلى المركز الثاني إفريقيا في مؤشر الابتكار    تأهيل البنية التحتية والتنمية المستدامة وتجويد الخدمات محور دورة فبراير 2025 لمجلس جماعة مرتيل    دونالد ترامب يعين نفسه رئيسا لمجلس أمناء مركز كينيدي الثقافي    أحلام ترامب بنقل سكان غزة إلى المغرب    بطولة فرنسا: باريس سان جرمان يمدد عقده مدربه إنريكي إلى غاية 2027    أطروحة ترصد تواصل الحكومة بالأزمات    حفل اختتام الدورة التكوينية لدعم أطفال التوحد بطنجة    لقاء بالبيضاء يتناول كفاح آيت إيدر    موريتانيا تمنح للسائقين المغاربة تأشيرة دخول متعددة صالحة لثلاثة أشهر    وفاة شاب بأزمة قلبية مفاجئة أثناء مباراة لكرة القدم في طنجة    التوقيع على اتفاقية إعلان الشارقة ضيف شرف الدورة ال30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    أسعار مواد الغذاء تتراجع في العالم    المغرب يلقّح قرابة 5 ملايين طفل لمحاصرة انتشار وباء "بوحمرون"    مطار الحسيمة يسجل رقم قياسي في عدد المسافرين سنة 2024    طفلة طنجاوية تفوز بجائزة أفضل طفلة مسالمة ومتسامحة في إسبانيا    قمة عربية أو عربية إسلامية عاجلة!    انتفاضة الثقافة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع التوازن    "فيفا" يجمّد عضوية اتحاد الكونغو.. هل من تأثير على مجموعة المغرب في تصفيات المونديال؟    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    متى يُسْقِطُ الإطار المسْمار !    «بيرسا كوموتسي» تترجم أعمالا فلسطينية إلى اليونانية    كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية تستهدف تكوين 30 ألف متدرج في مجال الصناعة التقليدية (لحسن السعدي)    الدوزي يشوق جمهوره لجديده الفني "آش هذا"    كاني ويست يعلن إصابته بمرض التوحد    وزارة الصحة تؤكد تعليق العمل بإلزامية لقاح الحمى الشوكية بالنسبة للمعتمرين    إطلاق حملة تلقيح ضد الحصبة بالمدارس وتوزيع استمارة الموافقة على آباء التلاميذ    بنك المغرب: 78 في المائة من المقاولات تعتبر مناخ الأعمال "عاديا"    مجسّد شخصية زاكربرغ: رئيس "ميتا" تحول إلى "مهووس بالسلطة"    ‪ إلغاء لقاح الحمى الشوكية للمعتمرين    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إصلاح الدستور.. مخاوف مشروعة
نشر في المساء يوم 18 - 05 - 2011

أنهت اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور الاستماع إلى مقترحات الأحزاب والهيئات التي استجابت لدعوتها، وانتقلت إلى المرحلة الثانية قبل تقديم خلاصات عملها إلى الملك الذي يملك السلطة التأسيسية الأصلية والفرعية، وتتمثل هذه المرحلة في تدارس المقترحات وتصنيفها وتمحيصها والترجيح بين المتعارض منها قبل تقديمها في شكل مشروع دستور، بعد موافقة الملك طبعا، للاستفتاء الشعبي الذي لم تتخذ التدابير الضرورية، إلى حد الآن، ليكون استفتاء نزيها وشعبيا، وأول مؤشر على ذلك هو الاكتفاء بمراجعة استثنائية للوائح الانتخابية وتغييب ملايين من الناخبين المغاربة القاطنين في الخارج.
وتشكل هذه المرحلة الثانية مناسبة مهمة لمعرفة مدى جدية هذه اللجنة وانسجام مكوناتها ودفعها في اتجاه تغيير بنية الدولة وحجم استجابتها لمطالب المحتجين بالشارع وكذا المنظمات التي تواصلت معها، سواء من خلال الاستماع أو من خلال تلقي المذكرات.
من حيث المبدأ، لا يمكن توقع الكثير من هذه اللجنة لأنها كانت عرضة لانتقادات كثيرة من قبل فئات واسعة من المجتمع، سواء بشأن طريقة تشكيلها أو سقف عملها أو منهجية اشتغالها أو تركيبة أعضائها أو الحيز الزمني لإنهاء مهمتها، وهذه كلها ملاحظات تجعلها مجرد لجنة لامتصاص غضب الشارع والتحايل على مطالبه وربح الوقت والانحناء للعاصفة، خاصة وأنها لم تنفتح على كل الحساسيات ووجهات النظر وقاطعتها جل المنظمات الفاعلة، وفي مقدمتها شباب 20 فبراير والتنظيمات الداعمة لهم، ويمكن، من الآن، توقع الخطوط العريضة للتعديلات التي ستشمل بعض الفصول من الدستور دون المساس ببنيته الصلبة وروحه وفلسفته التي تجعله بعيدا عن الدستور الديمقراطي، سواء من حيث شكل إقراره أو مضامين فصوله.
ولأن شكل الدستور تجسيد لميزان القوى السائد في المجتمع ولأن الأصل في كل سلطة ألا تتنازل عن صلاحياتها وامتيازاتها طوعا، فإنه لا يسع المتتبع إلا استغراب سلوك الأحزاب التي قدمت مذكراتها إلى لجنة المانوني وانخرطت، مباشرة بعد ذلك، قبل تلقي أي جواب حول الإعداد للاستحقاقات الانتخابية القادمة، مما يؤكد استعدادها لقبول أي نص دستوري كيفما كانت الصلاحيات التي سيمنحها للمؤسسات والمقاعد التي تتنافس من أجل الظفر بها.
والحقيقة أن هذا الأمر غير غريب عن هذه الهيئات لأن أغلبها لم يكن يضع إصلاح الدستور في برنامجه، وحتى إن طرحه فإنه لم يكن يضعه ضمن أولوياته أو لم يكن مستعدا لجعله شرطا أساسيا لمشاركته في الانتخابات، وهذا هو أكبر خطأ سقطت فيه لجنة مراجعة الدستور، حيث استبعدت القوى التي أثارت موضوع الدستور وخرجت إلى الشارع للمطالبة بتغييره وأصرت على ذلك رغم ما تعرضت له من حملة أمنية وإعلامية، واستطاعت تعبئة فئات واسعة من الشعب للالتفاف حول هذا المطلب، واقتصرت، أي اللجنة، في تواصلها على تنظيمات كانت ضد هذه الحركة وضد مطالبها ووسائل عملها المتمثلة في الاحتجاج السلمي في الشارع.
لذلك لا نستغرب قبول الأحزاب إشراف وزارة الداخلية على الانتخابات، والتخلي عن المراجعة الشاملة للوائح انتخابية قديمة يجمع الكل على أنها غير مؤهلة لتكون قاعدة لاستفتاء شعبي نزيه وانتخابات شفافة تقطع مع ماضي التحكم والتزوير والاستخفاف بإرادة الشعب.
لا يخفى على أحد أن هذه اللوائح ترجع إلى زمن إدريس البصري، مهندس التزوير، ومليئة بأسماء الموتى والأسماء الوهمية ولا تستوعب كل الكتلة الناخبة التي لها حق التصويت وتغيب الملايين من المغاربة القاطنين في الخارج. فكيف نتوقع استفتاء نزيها؟ وكيف نتصور الانتخابات القادمة التي انخرطت في الإعداد لها هذه الأحزاب؟
إن هذا مؤشر على غياب إرادة حقيقية للانتقال إلى مرحلة جديدة مخالفة للتي سبقتها والتي سادها الاستفراد بالسلطة وتغييب الشعب والتنقيص من دور الأحزاب مع تحميلها مسؤولية كل الإخفاقات، وما يؤكد ذلك هو استمرار المنهجية نفسها في تدبير الشأن العام، وما حدث في موضوع طلب انضمام المغرب إلى مجلس التعاون الخليجي خير مثال.
لا يعقل أن يصبح قرار مثل هذا سرا من الأسرار التي لا يعلمها وزراء في الحكومة وقادة أحزاب وبرلمانيون ويكتفي الجميع بتلقي الخبر عبر وسائل الإعلام، فمن يتولى تدبير هذا الملف، إذن؟ وما دور الحكومة؟ وأين موقع الوزير الأول؟ وما دور البرلمان؟ وهل عدم إشعار هؤلاء قبل نشر الخبر مقصود؟ وما هي الرسالة من وراء ذلك؟
إن مثل هذه السلوكات تنبئ بإصرار على استمرار العمل بالمنهجية القديمة، وهي اختبار لقابلية الفاعل السياسي ودرجة استعداده للانبطاح، وصمت المؤسسات ذات الاختصاص دليل على أنها غير مستعدة للانتقال إلى عهد جديد، وأنها تعيش خارج الزمن الذي يصنعه الشعب في الشارع حين يطالب بدولة قانون ومؤسسات يحترم فيها فصل السلطات والشفافية وتقترن فيها ممارسة السلطة بالمحاسبة.
لقد عرف المغرب منذ 20 فبراير مجموعة أحداث تؤكد كلها حرص جهات نافذة على الاستمرارية بنفس المنهجية التسلطية والإصرار على ألا تنْفذ التغييرات إلى الجوهر، وبينت كل هذه الأحداث أن هناك من يتربص بهذه الحركية لتبرير صواب التضييق الأمني واحتكار صناعة القرار وتغييب كل الوسائط والتحكم في وسائل الإعلام التي يتنامى تأثيرها في المجتمع، ولذلك بدأت التسريبات من الآن عن وجود خلافات وسط لجنة مراجعة الدستور بين محافظين يجرون إلى الوراء وبين من يدفع في اتجاه أكثر انفتاحا مع احترام الخطوط الحمراء الموضوعة سلفا.
إن من يسير بالبلاد في هذا الاتجاه يلعب بالنار، ويضع نفسه خارج السياق، ويضيع الوقت والجهد في غير طائل، ولا يراعي المصلحة العامة، ولم يستفد، للأسف، مما يحدث في باقي الدول.. وإن من يكتفي بالمباركة والصمت والحياد السلبي شاهد زور ولم يستوعب متطلبات هذه المرحلة الدقيقة التي تمر منها بلادنا والتي تستلزم تجميع كل الجهود لإيقاف من يحنون إلى سنوات الرصاص والاستفراد بالسلطة ونهب المال العام والاغتناء من اقتصاد الريع. هذا هو أسلم طريق لتحقيق مصالحة بين المجتمع والسلطة ومشاركة عامة تقطع مع عقود من اللامبالاة والعزوف واليأس والخوف.
على كل من يهمه الأمر تحمل المسؤولية والمسارعة إلى فتح حوار وطني حقيقي لنقل بلادنا إلى مصاف الدول الديمقراطية، ولا شك أننا نستحق ذلك بحكم تاريخنا وتضحياتنا وجوارنا والنضج والتعطش اللذين أبان عنهما المغاربة خلال المئات من المسيرات في مختلف المناطق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.