المغاربة يجتمعون كل أسبوع تقريبا، وأحيانا كل شهر، ويخرجون إلى الشوارع ويهتفون «الشعب.. يريد إسقاط الفساد»، ثم يعودون إلى منازلهم مساء، يتناولون الخبز والشاي كالعادة، وأحيانا مع زيتون أسود أو أخضر، وفي الليل يأوون إلى مضاجعهم بضمير صاف لأنهم قاموا باللازم وطالبوا بإسقاط الفساد، ثم ينتظرون مظاهرة أخرى في الأسبوع المقبل من أجل الهتاف أيضا ضد نفس الفساد الذي طالبوا بإسقاطه في المظاهرة السابقة. الناس ليسوا مستعجلين، وهناك اقتناع بأن أجل الفساد اقترب. بالمقابل، يجتمع كل يوم تقريبا الفاسدون والمفسدون في المغرب، ويتداولون كل ساعة الإجراءات والتدابير التي يجب اتخاذها من أجل مواجهة موجة الغضب التي تكبر في البلاد. الفاسدون لا يتعبون، لذلك يجتمعون ويتحادثون لساعات طويلة. إنهم يتمتعون بثقة كبيرة في النفس ويحددون أنجع الوسائل من أجل إسقاط الشعب. وإذا كان الشعب مقتنعا بأن زمن الفساد انتهى أو، على الأقل، يجب أن ينتهي، فإن الفاسدين أيضا لديهم اقتناع راسخ بأن الفساد الذي عاش وعشّش في هذه البلاد لعقود طويلة يجب أن يبقى. الفساد أيضا في وطنه، مثلما هو الشعب أيضا في وطنه، وعلى الطرفين أن يتعايشا مستقبلا لمدة طويلة كما تعايشا في الماضي. الشعب يتظاهر عادة في الصباح ويحمل لافتات مكشوفة يراها الجميع ويطالب من خلالها بحقه الطبيعي في التغيير، وحقه الطبيعي في إسقاط رموز الفساد. الشعب يهتف تحت الشمس بأن عهد «الحكرة» يجب أن ينتهي، لكن هذه الشمس، التي يسير تحتها مئات الآلاف من المغاربة للمطالبة بالتغيير، هي نفس الشمس التي يخاف منها الفاسدون الذين يقومون بالعكس تماما. إنهم لا يحبون ضوء الشمس، ويجتمعون كل ليلة في الغرف المقفلة حتى الصباح ويتحلّقون حول طاولات «الفودْكا» لكي يبحثوا عن حلول لهذه الأوقات العصيبة التي تنتظرهم. الشعب يرفع لافتات كبيرة مكتوبة بخط عريض تطالب بإسقاط الفساد ورموزه، والفاسدون لا يرفعون لافتات ولا يستعلمون العبارات والحروف الواضحة، إنهم يتبادلون رسائل مرموزة وألغازا لها هدف واحد، وهو إسقاط الشعب. الشعب يتظاهر في النهار، وعندما يأتي الليل ينام ملء جفونه ويشخر حتى الصباح.. لا عجينة في بطن الشعب تجعل النوم يهرب من جفونه. أما الفاسدون فإنهم يحاولون النوم نهارا وتتفتح عيونهم عن آخرها ليلا لأنه الوقت الملائم لهم لحبك المؤامرات. إنهم خفافيش الظلام التي تتحرك ليلا مثل سمكة في الماء.. وتتعرض للعمى إذا وصلتها أشعة الشمس. اليوم يمارس الشعب والفساد لعبة المبارزة بالسيف. الفساد يمسك سيفا حادا من فولاذ ويريد أن يغرزه في قلب الشعب، بينما الشعب يمسك سيفا من خشب ويريد فقط أن يوصل عبره رسالة رمزية إلى الفساد، وهي: إرحل. المغاربة شعب طيب وبسيط، لكنه شعب غاية في الذكاء، والرسالة التي يوجهها إلى الفاسدين هي: ليأت التغيير سالما وبدون دماء، لا نريد مقاصل ولا مشانق. نريد فقط أن تعيدوا إلينا كرامتنا المهدورة وأرزاقنا التي بذّرتموها. الفاسدون يمثلون العكس تماما، إنهم شبكة قوية من المافيوزيين الذين يحسون بأنهم المالكون الحقيقيون لهذه البلاد، وأن الشعب مجرد صفر على الشمال. لقد ولد الفساد في المغرب بسيطا وعشوائيا، ومع مرور السنوات صار يترعرع كما يترعرع طفل رضيع، ثم اشتد عوده وصار رجلا ناضجا وقويا، ومع مرور العقود تغلغل الفساد في البر والبحر وأصبح جزءا من بناء الدولة وهياكلها. لهذا السبب هناك اليوم تحد واضح وخطير، وهو أن الشعب يريد أن يُسقط الفساد وتبقى البلاد، وإذا أصر الفساد على البقاء فتلك هي الكارثة... كارثة حقيقية.