لا يستطيع من يتابع الأحداث في العالم العربي إلا أن يشعر بالبلبلة والحيرة، فما الذي يحدث هناك بالضبط؟ إن مصر وتونس في مرحلة مأسسة الثورة التي تشتمل على إنشاء أجهزة حكم جديدة وصياغة من جديد لنظام العلاقات بين المجتمع والسلطة. وفي مقابلهما، فإن ليبيا وسورية واليمن والبحرين في ذروة معركة استنزاف، إن لم نقل حربا أهلية بين نظام الحكم وأجزاء واسعة من المجتمع، في حين ما يزال غير واضح كيف سينتهي هذا الصراع. وفي دول كثيرة أخرى تجري مظاهرات بين الفينة والأخرى، في حين تحاول نظم الحكم تهدئة الغليان باتخاذ خطوات مختلفة، مثل إقالة الحكومة أو منح إفضالات اقتصادية وإصلاحات في محاولة لإرضاء الجمهور. وفي المقابل، يسود عددا من الدول، وفيها السلطة الفلسطينية، هدوء نسبي. فكيف نستطيع أن نفسر التطورات في الدول العربية المختلفة؟ صك المؤرخ البريطاني، تيموثي غيرتون آش، في بحث نشره عن الثورات في شرق أوربا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في 1989 مصطلح «رفليوشن» (إصلاثورة) كي يعبر، على نحو أفضل، عما حدث في هذه الدول والذي كان، في زعمه، أقل من ثورة لكن أكثر من إصلاح. إن أهمية هذا المزيج اللغوي كامنة في حقيقة أنه يؤكد أنه توجد طائفة من الإمكانات عندما يجري الحديث عن تغيير النظم الحاكمة. إن التغييرات التي تحدث في العالم العربي أحدثت طرزا مختلفة من نظم الحكم، مع درجات مختلفة من التعددية بل الديمقراطية. ما يزال من السابق لأوانه أن نحلل في قطع الأحداث في مصر منذ تم إسقاط نظام حكم مبارك. يبدو في هذه المرحلة أن مصطلح «ثورة» كبير عليها لأن النخبة العسكرية والبيروقراطية بقيت في هذه الأثناء في مكانها ولم تحدث حتى الآن تغييرات مهمة من جهة اقتصادية واجتماعية. لكن لا يمكن الاستهانة بالتغييرات السلطوية والدستورية، وإن تكن التغييرات تُنفذ من أعلى في الأساس، لكن يبدو أن الطبقات التي لم يُسمع صوتها حتى الأحداث الأخيرة -الطبقة الوسطى والدنيا والمثقفين والعمال والشباب وغيرهم- ستكون عاملا مهما في السياسة المصرية في المستقبل. لهذا قد يكون مصطلح «إصلاثورة» ذا صلة أيضا بالوضع في مصر. على كل حال، لا شك في أن النموذج المصري سيكون قدوة لدول عربية أخرى. كما كان نظام حكم الضباط المصري الذي تولى السلطة في 1952 نموذجا لانقلابات عسكرية في العراق وسورية واليمن وليبيا والسودان ودول أخرى، وكما أثرت الاشتراكية العربية التي أبدعها عبد الناصر والتي اشتملت على إصلاح زراعي وعلى تأميم واستثمارات حكومية وغير ذلك في دول عربية كثيرة. إن دخول مصطلحات جديدة في شأن حقوق الإنسان في الخطاب العربي سيوجب على الحكام العرب إدخال إصلاحات وتعديلات يتعلق مقدار عمقها بقوة الاحتجاج وقوة المعارضة ومبلغ (عدم) شرعية النظام وتصميمه، ومبلغ مشاركة الجهات الخارجية في الغرب. إن الأدوات التي تم اقتراحها هنا تساعدنا على أن نقيس قوة التغييرات وعمقها في العالم العربي، رغم أنه من الواضح أن المنظار التاريخي وحده سيُقدم الجواب الكامل. مع ذلك يبدو أنه حدث تغيير واضح في مجال واحد، وهو صورة العرب في نظر أنفسهم وفي نظر الغرب. إن الاستعمال المباشر لمثقفين لمصطلح «الثورة» يرمي إلى منح الأحداث صورة إيجابية. أكد رشيد الخالدي وفؤاد العجمي أيضا، وهما مفكران عربيان رائدان في الولاياتالمتحدة، في مقالاتهما التحول الإيجابي الذي حدث لصورة العربي إثر «ربيع الثورة العربي». أحسنت التعبير عن هذا التغيير ساجدة تسنيم في الصحيفة الأسبوعية المصرية المعتبرة «الأهرام ويكلي»: «إن الشرقيين الذين عُرضوا على أنهم (غير عقلانيين) و(ضعفاء) و(عديمو القدرة السياسية)، والذين كانوا يُرون غير قادرين على الإتيان بالنظام و(غير ملائمين للديمقراطية)، فضلا عن أنهم نجحوا الآن في خلع دكتاتور وتمهيد الطريق لإصلاحات دستورية وسياسية كبيرة، فعلوا ذلك بأنفسهم دون يد الغرب السخية». إذا حدث هذا التغيير حقا لصورة العربي في الغرب وفي الدول العربية فلن يكون أقل من ثورة.