يقف التقرير الطبي الذي نشره متحدث الادعاء في القاهرة عند المعجزة الطبية التي حدثت لمبارك: فهو لا يحتاج إلى علاج كيماوي، وكاد يختفي عدم انتظام دقات القلب. «ليست صحيحة إشاعات أن الرئيس المخلوع كف عن صبغ شعره»، كُتب على نحو لاذع. مع ذلك، يؤكد التقرير اكتئاب مبارك وشحوب وجه سوزان التي فحصها الفريق الطبي هي أيضا قبل أن يبدأ التحقيق معها. وخضعت زوجة الرئيس، ابنة الثالثة والسبعين، للفحص مرتين على الأقل منذ أن صدر في حقها أمر طرد من القصر في القاهرة. ويُحقق معها الآن، على إثر شكاوى، في نقلها إلى حساباتها المصرفية أموال التبرعات لمشروع مكتبة الإسكندرية الطموح. 143 مليون دولار جُمعت في أنحاء العالم أو تبرعت بها منظمات دولية واختفت قبل ثلاث سنين. هذا الأسبوع، غادرت سوزان مصحوبة بحراس المستشفى في الشرم، وسافرت لتغتسل وتشم الهواء وتُبدل الملابس في الدارة البيضاء داخل فندق «موفينبيك». في تلك الساعات، زار عصام مبارك ابني شقيقه في السجن وجاءت هايدي راسح، زوجة علاء وكنة مبارك، لزيارة الأخير في المستشفى. دخلت راسح، وهي ابنة صاحب العقارات مجدي راسح الذي حُقق معه في القاهرة بتهمة استغلال النفوذ العائلي لجمع أموال والسيطرة على أراض، من باب جانبي وزارت «الرئيس» واختفت منذ ذلك الحين. تزعم صحف في القاهرة أنه في جمع المعلومات السري في لندن عن أملاك عائلة مبارك، توصل محققون مصريون إلى صفقة مهذبة مع السلطات المحلية: فبعض العقارات ستُحول، كما ينشر الوفد المصري مثلا، إلى خزانة المالية البريطانية، وبعضها الآخر سيُغني خزانة الحكومة الجديدة في القاهرة. لكن في تضاعيف الأنباء المنشورة المضطربة وصيد الساحرات الإعلامي لمبارك وزوجته وابنيه، لا يوجد تقرير قاطع حول ما إن كانت سوزان وجمال نجحا في السفر إلى لندن في أول أيام الثورة وما إن كانا قد اضطرا إلى العودة إلى القاهرة بفعل ذلك الاتفاق. هنا وهناك في القاهرة، يجري جدل صارخ حول حجم محاسبة مبارك وما إن كان يحق له ما أخذه حتى الآن وما يتوقع له بعد! في غضون الجلبة الصارخة وصرخات «إرحل عن الشرم»، اجتمع مئات البدو حول المستشفى، ودعوا آلاف المتظاهرين الذين هبطوا إلى الشرم إلى الهدوء والتفرق. لا تضروا بالسياحة التي بدأت تنتعش الآن، حاول البدو إقناعهم. الحديث عن مصدر عيش حيوي والمظاهرات ستطرد السياح الذين يخططون للوصول من إيطاليا وألمانيا في ذروة الموسم. هذا فصل آخر هاذٍ في الدراما التي لم تنته بعد: فالبدو، خاصة الذين أرسل مبارك مئات منهم لاعتقالات طويلة مشحونة بعنف المحققين، يخرجون الآن للاحتجاج على إهانته.ته. يتابعون بخوف يتابع حكام في العالم العربي يجابهون الآن أمواج الاضطرابات في خوف السلوك مع مبارك. إذا قيد إلى محاكمة علنية فستكون سابقة، وإذا حكموا عليه بالموت أو بالسجن المؤبد فستكون سابقة أخطر كثيرا. وقد استوعبوا في نظام حكم مصر الجديد أيضا الأزمة في القصور المجاورة، فقد أومأ أحد أعضاء فريق القضاة في القاهرة هذا الأسبوع (يقصد الأسبوع الفارط) إلى أن التحقيقات مع مبارك قد تطول ستة أشهر. هل ينقلونه إلى المستشفى العسكري على الطريق السريع إلى الإسماعيلية؟ تصر موجة الإشاعات الأخيرة على أن مبارك يرفض المغادرة. يطيب له الاعتقال المنزلي الذي فُرض عليه في شرم الشيخ ويرى أن المحققين إذا أصروا فليأتوا إليه. ما زال لا يوجد جواب قاطع عن السؤال الرئيس في المحاكمة المخطط لها، وهو من الذي أعطى الأمر للبلطجية الذين أُرسلوا إلى مراكز المظاهرات مع سلاح لإطلاق النار على المتظاهرين؟ أكان ذلك بمبادرة من وزير الداخلية حبيب العدلي أم إن مبارك علم وتلقى تقارير من الميدان ولم يعط أمر الكف عن إطلاق النار؟ وهل السيارتان، اللتان أُرسلتا لصدم المتظاهرين حتى الموت وظهرتا الآن في الإسكندرية دون ألواح تعريف، خرجتا من محطة سرية لوزير الداخلية أم من مقر الحزب الحاكم وهل مبارك مشارك في هذه القضية أيضا؟ هذا الأسبوع (يقصد الأسبوع المنصرم) استُدعي وزير الاستخبارات السابق، عمر سليمان، للإدلاء بشهادة في مكتب المدعي العام. برأ سليمان مبارك. «نقلت إليه تقارير عن مشاركة الإخوان المسلمين في المظاهرات، وقلت إنه يلوح تصعيد في الميدان، وأعطيت صورة وضع متشائمة»، شهد سليمان. «لكنني لم أسمع منه قط أمرا بإطلاق النار أو استعمال قوة تفوق المعتاد. بالعكس، كان على ثقة بأن الأمر يوشك أن ينتهي». إن سليمان إلى ما قبل شهرين ونصف كان رجل مصر القوي و«ظل مبارك»، واختفى فورا بعد أن تلا إعلان استقالة «الرئيس». كشفت الصحيفة اليومية «الأخبار»، التي لا يضيع محرروها الجدد فرصة للانقضاض اليومي على «حكومة سجن طرة»، هذا الأسبوع (المقصود دائما الأسبوع الفارط) عن رواية الليلة الأخيرة في القصر الرئاسي. ليس مبارك هو الذي قرر التنحي بمبادرة منه لمنع سفك الدماء في الشوارع، تكشف «الأخبار». فقد مثل عنده ثلاثة رؤوس هم وزير الدفاع الطنطاوي ورئيس الحكومة شفيق ونائب الرئيس سليمان يوم الجمعة بعد الظهر (في الحادي عشر من فبراير) وأبلغوه أنه لا مناص وأنه ينبغي تسجيل خطبة اعتزال وأن يغادر فورا. لكن مبارك طلب الانتظار حتى يرحل ابناه علاء وجمال إلى شرم الشيخ ويحطا في الدارة البيضاء. قال الرؤوس الثلاثة إنه لا وقت وإن الجمهور في هياج. رفض مبارك أن يخطب ونُقل إلى المروحة العسكرية. بيد أنه في الطريق حدث تأخر عندما غُشي على سوزان واحتاجت إلى علاج. وهكذا قبل أن يحطوا في الشرم، كتب نائب الرئيس سليمان على عجل النبأ الدرامي: «في ضوء الظروف، قرر الرئيس مبارك أن يتنحى فورا عن ولايته ويتنازل عن كل صلاحياته. منذ هذه اللحظة لن يُعتبر رئيس مصر». هل سينضم مبارك أيضا، في نهاية الأمر، إلى «نادي حكومة طرة»؟ كل من عرفوه مستعدون لأن يُقسموا على أنه يأمل أن يبلغ اليوم الذي يُدخلونه فيه سجنا أو معسكرا. صدّ عن الأدوية وظل يبعد عنه أطباق الطعام غارقا في كآبته. لكنهم في القاهرة أصبحوا يطلقون نكتا جديدة عن سخرية القدر: ففي مايو القريب ستكون الذكرى الثالثة والثمانون لإنشاء السجن في أيام حكم النحاس باشا في مصر. وفي ذلك الشهر سيحتفل مبارك أيضا، وهذه المرة بلا احتفال ومقالات تملق، بيوم ميلاده الثالث والثمانين. جرى توسيع السجن أربع مرات منذ افتتح أول مرة، وهو قادر على استيعاب عشرات آلاف السجناء، والرئيس أيضا. انتهى/