إنه يوم تاريخي، فهو الأكثر سخونة لصحافة مصر و العالم العربي و الغربي، الصادرة منذ تنحي الرئيس حسني مبارك يوم 11 فبراير الماضي، و لأول مرة في التاريخ المصري تنشر الصحافة المصرية قراراً بحبس الرئيس السابق مبارك ، و نجليه جمال و علاء ، و رئيس مجلس الشعب السابق فتحي سرور ، و المستشار مرتضى منصور . وكان المستشار عادل السعيد ، المتحدث الرسمي باسم النيابة العامة ، أعلن أن النائب العام عبد المجيد محمود ، أمر بحبس الرئيس السابق حسني مبارك 15 يوماً على ذمة التحقيق في اتهامات تتعلق بالتحريض على الاعتداء على المتظاهرين أثناء الثورة المصرية. و قال المتحدث الرسمي في تصريح نشر على صفحة النيابة العامة على موقع «الفيس بوك» ، أن «النائب العام أمر بحبس كل من الرئيس السابق مبارك و نجليه علاء و جمال 15 يوما على ذمة التحقيقات بعد أن واجهتهم النيابة العامة بما توصلت إليه المرحلة التى قطعتها التحقيقات من اتهامات. و كشفت مصادر مطلعة عن تدهور صحة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك بعد صدور قرار من النائب العام بحبسه في تهم بتضخم ثروته، و المشاركة في قتل المتظاهرين فيما يعرف بجمعة الغضب 28 يناير الماضي. و ذكرت المصادر أن مبارك المو جود حاليا بمستشفى شرم الشيخ الدولي للعلاج من أزمة قلبية ، يخضع لحراسة أمنية مشددة، تمهيداً لنقله لأحد المستشفيات العسكرية بالقاهرة وسط تكتم شديد عن مكانها، فيما أفاد المتحدث الرسمي للنيابة العامة ، أن النيابة العامة أصدرت قراراً بتشكيل لجنة طبية برئاسة كبير الأطباء الشرعيين لتوقيع الكشف الطبي على الرئيس السابق محمد حسني مبارك في مقر إقامته بشرم الشيخ لبيان حالته الصحية، و مدى إمكانية نقله لمقر النيابة العامة لاستجوابه. و أكد أنه ثبت من تقرير اللجنة الطبية أن الرئيس السابق يعاني من ظروف صحية تستلزم نقله لأحد المستشفيات ليكون تحت الرعاية الطبية أثناء استجوابه، موضحاً أنه إزاء هذه الظروف الصحية و الأمنية، قرر النائب العام أن يكون التحقيق مع الرئيس السابق بمستشفى شرم الشيخ الدولي ، خاصة أن ذلك لا يتعارض مع نصوص قانون الإجراءات الجنائية، و أن يكون التحقيق مع نجليه علاء و جمال في مقر المبنى الجديد لمجمع محاكم شرم الشيخ . و قال «إن فريقا من المحامين العامين، الأول بمكتب النائب العام انتقلوا لمدينة شرم الشيخ ، حيث تم استجواب الرئيس السابق بمستشفى شرم الشيخ الدولي بحضور محاميه فريد الديب و الفريق الطبي المعالج، بينما تم استجواب نجليه علاء و جمال بمقر المبنى الجديد لمجمع محاكم شرم الشيخ ، و بحضور محاميهما». و علمت «العلم» عن تفاصيل التحقيقات و تفاصيل ما حدث مع آل مبارك ، ذلك أنه لم تكد عقارب الساعة تصل إلى العاشرة (مساء الثلاثاء)، حتى انهار نجلا الرئيس السابق مبارك (علاء و جمال)، لعلمها بقرار حبس والدهما (مبارك) 15 يوماً على ذمة التحقيق . و استمرت التحقيقات مع مبارك قرابة 5 ساعات متواصلة في غرفة مجاورة لغرفة العناية المركزة بالمستشفى، قادها المستشار مصطفى سليمان ، المحامي العام الأول لنيابات استئناف القاهرة ، و المستشار عبد الله الشاذلي المحامي العام لنيابات جنوبسيناء . و قد وصل مبارك بعدة ساعات في سيارة خاصة، و هو يرتدي بذلة رياضية ، ذات اللون الأبيض و الأزرق، و دخل المستشفى سيراً على الأقدام ، و تبدو عليه علامات الإرهاق الشديدة، و تم نقله إلى الطابق الرابع أولاً لإجراء فحوصات شاملة ، و ظل بها 3 ساعات حتى تحسنت نبضات قلبه و ضغط الدم ثم أخرج منها و أنزل إلى الطابق الثالث، حيث يقيم في إقامة ملحقة تابعة لوزارة الصحة. و صرحت مصادر رفيعة المستوى بأن الرئيس مبارك كان يعلم مسبقاً بقرار التحقيق معه، في الوقت الذي كان يجلس المحامي الشهير فريد الديب مع مبارك ، و لم تستبعد المصادر أن يكون الديب صاحب إقتراح نقل مبارك للمستشفى، لتأجيل التحقيق أو التحقيق فيه، و النقل إلى المستشفى حتى بعد الحبس الاحتياطي وفق مواد القانون. و قالت المصادر أن مبارك وصل هو و نجليه علاء و جمال إلى المستشفى، و بعده بدقائق ، جاءت زوجته سوزان بعد أن تم تكثيف الحراسة داخله و خارجه ، ثم أغلق المستشفى تماما لمدة ساعتين، بعدها سمح للرواد فقط دون الاقتراب من الطابقين الثالث أو الرابع، و فتحت العيادات الخارجية التي توجد بجوار المستشفى . و وفق الشهود، فإن العاملين في المستشفى رحبوا بمبارك ، و كانوا ينادونه بسيادة الرئيس، فيما كان هو لا يتحدث. و وصل المحامي فريد الديب مبكراً إلى المستشفى، و كانت تنتظره أسرة الرئيس المخلوع بعد أن سبقهم من مقر إقامتهم في فيلا بمنتجع «جولي فيل» الذي يملكه حسين سالم، مصدر البترول ل»إسرائيل» الهارب حاليا والمبحوث عنه من قبل «الأنتربول» . و أكدت المصادر أن فريقاً من النيابة العامة، يضم مستشاراً من مكتب النائب العام و المحامي العام لنيابات جنوبسيناء ، كان يتواجد في المستشفى قبل وصول مبارك بعدة ساعات، و كان ينتظره في غرفة مجاورة لغرفة العناية، و كان اللواء أحمد الخطيب، مدير أمن المحافظة ، متواجداً أيضا في المستشفى . و خلال سير التحقيقات مع مبارك، اندلعت مظاهرة خارج المستشفى تهتف ضد أسرة مبارك ، و تطالب بسرعة محاكمتها .. استمرت التحقيقات مع مبارك 5 ساعات متواصلة، و علم بقرار حبسه هو و نجليه، و بعدها انتظر المحققون قرابة ساعتين حتى يتم تهدئة نجلي الرئيس بعد علمهما بحبس والدهما مبارك ، و في تمام منتصف ليل الثلاثاء، و مع بداية ساعات يوم الأربعاء، تواصل التحقيق مع نجلي الرئيس السابق و استمرحتى الساعة الثانية و النصف صباحا. في نفس توقيت انتهاء التحقيقات، اندلعت مظاهرة أخرى بالخارج تطالب بحبس أسرة مبارك، امتدت إلى مدخل بوابة المستشفى، تردد خلالها هتافات ضد آل مبارك. و بعد قرابة 20 دقيقة ، وصل نجلا مبارك إلى «مجمع المحاكم» الجديد بحي النور ، و تم إتمام الإجراءات الرسمية لحبسهما 15 يوماً ،بعدها نقلا عبر طائرة عسكرية أقلعت من شرم الشيخ فجراً إلى القاهرة، للالتحاق بزمرة النظام السابق في سجن مزرعة طره ، و كانت أبرز الاتهامات لهما : تضخم الثروة ،و الثراء على حساب الشعب المصري، واستغلال النفوذ، فيما تم توجيه خمس اتهامات لمبارك تتمثل في التحريض و الاشتراك في قتل المتظاهرين بميدان التحرير أثناء أحداث الثورة ، والحسابات السرية الخاصة لمكتبة الإسكندرية، و تسهيل الاستيلاء على المال العام، و تسهيل اغتناء صديقه الهارب ،رجل الأعمال حسين سالم ، بحصوله على 4 مليارات دولار من خلال تفويت أراضي الدولة له، و قيامه بالإضرار بالمال العام من خلال إهدار ملايين الجنيهات من أموال الدولة نتيجة فروق أسعار تصدير الغاز لإسرائيل ، بالإضافة إلى تضخم الثروة بشكل كبير. و وفق المصادر، فإن مبارك و نجليه أنكروا التهم الموجهة لهم، مؤكدين على عدم وجود أي أرصدة مالية لهم بالخارج. و ترافق مبارك ، حتى الآن، زوجته سوزان ثابت التي تبدو في حالة غير طبيعية على الإطلاق، وفق بعض شهود العيان الذين شاهدوها داخل المستشفى. و قال مبارك في التحقيقات معه، أنه قرر ترك السلطة في اليوم الرابع للمظاهرات، و أن المقربين أقنعوه أن ذلك من شأنه دخول البلاد منعطفاً خطيراً، و آخر ما خرج من فم مبارك هو «ربنا كبير..ربنا كبير». فى مقر المحكمة ، كانت بعض قوات من الجيش تتولى عملية التأمين إلى جانب قوات أمن جنوبسيناء.وظل التحقيق مع نجلي الرئيس السابق حتى فجر الأربعاء .. من ناحية أخرى ، صرح الدكتور أحمد السباعي، كبير الأطباء الشرعيين بوزارة العدل، في مداخلة هاتفية مع برنامج «الحياة اليوم»، أن مبارك بصحة جيدة و حالته الصحية مستقرة تماماً، مشيرًا إلى أن الورم الذي تم استئصاله في ألمانيا، كان ورما سرطانياً و تم استئصاله نهائياً، و يوجد فريق طبي لمتابعة حالته. و قال الدكتور السباعي أن النائب العام عبد المجيد محمود، طلب منه تشكيل لجنة طبية للكشف على الرئيس المخلوع، بمستشفى شرم الشيخ الدولي . و طالب المستشار أحمد مكي، نائب رئيس محكمة النقض، بمحاكمة عادلة و شفافة للرئيس السابق حسني مبارك ونجليه علاء وجمال، مشدداً أنه يجب أن تكون المحاكمة علنية . و يعتبر قرار حبس الرئيس المخلوع حسني مبارك فريدا من نوعه، ويضع مبارك كأول رئيس في تاريخ مصر والمنطقة العربية يخضع للمحاكمة بدون انقلاب أو مواجهة دموية أو تدخل خارجي، كما أنها المرة الأولى التي يذهب فيها الحاكم المصري التي يغادر فيها من القصرإلى السجن ، و يدخل أولاده السجن و هو على قيد الحياة. وهو ما اعتبره المحللون السياسيون حالة مصرية فريدة تؤكد عظمة ثورة 25 يناير، في أنها ثورة سلمية أنهت عصر مبارك بلا رجعة و تقضي على كل ما يمت له بصلة. و قال الدكتور قاسم عبده قاسم، أستاذ التاريخ، قال: إن الشعب المصري أول شعب في التاريخ الحديث يسجن حاكمه، حيث تمكن المصريون من محاصرة خورشيد باشا، والي مصر، لمدة 45 يوماً داخل القلعة وعزله و تنصيب محمد علي باشا بدلاً منه، الذي تولى محاكمة خورشيد فيما بعد و تسليمه للسلطان العثماني.