منتخب لاعبين في لعبة كرة القدم التي جرت في قسم ذوي الشأن الجليل في سجن طرة الكبير في مصر تألف من أكثر الأسماء شهرة في الدولة. في الفريق الأول خمسة وزراء عُزلوا لقضايا فساد، وثلاثة من قادة الحزب الحاكم الذي حُل هذا الأسبوع (يقصد الأسبوع الفارط) بأمر من مجلس الحكم العسكري وصاحب مليارات حُكم عليه بالموت لقتل عشيقته اللبنانية وخُففت عقوبته. وفي مقابلتهم، لعب فريق رجال الأمن: وزير الداخلية حبيب العادلي الذي يتوقع له الإعدام لقتل أكثر من 800 متظاهر، وثلاثة من مرؤوسيه من رؤساء جهاز المباحث العامة المصري. دخل جميع اللاعبين الملعب بملابس السجناء البيضاء. والحكم وحده، رئيس الحكومة المخلوع، أحمد نظيف، لبس حُلة صافية اللون أرسلوها إليه من البيت. لم توجد في مخازن معدات السجن ملابس تلائم الرجل النحيل الذي يزيد طوله على مترين. يقع سجن طرة غير بعيد عن سكن الدبلوماسيين الإسرائيليين في حي المعادي في القاهرة. ويقع داخل الموقع، الذي نُقل عن طراز أصغر لسجون أمريكية وتبلغ مساحته مساحة حي سكني، مواقع سبعة للسجن. يصنف قسم الاستيعاب السجناء حسب خطورة لوائح الاتهام: فالمجرمون في قسم والسجناء السياسيون في قسم آخر، وهذه حال من حُكم عليهم بجنايات ذوي الياقات البيضاء واللصوص وتجار المخدرات والرجال المهمين، والمهيئين للتأهيل أو من يوشك أن يُفرج عنهم. يوجد هنا مسجد ومكتبة وكفتيريا وكنتينا ونادي سجناء وغرف تحقيق وزنازين وغرف عزل، وموظف أيضا يتلقى كل صباح قائمة دعوات ال«تيك أواي» من مطاعم الفنادق الفخمة لكل من يستطيع أن يُبيح لنفسه. حُددت ساعة الرياضة اليومية لمجموعة سجناء «نادي الحكومة» المسجونين في موقع «مزرعة طرة» من الثامنة إلى التاسعة وربع صباحا. كل حركة وكل سكنة في قسم الرجال المهمين تجد الآن طريقها إلى وسائل الإعلام في مصر وتحتل عناوين صحفية. يريد عشرات الملايين أن يعلموا كيف تكون أيام الوزراء الفاسدين (وزير الإسكان والسياحة والإعلام والداخلية وشؤون مجلس الشعب والاستثمارات)، من يأكل في غرفة الطعام العامة ومن يستغل حق أن يدعو لنفسه بوجبة سريعة ومن يفضل العزلة ومن يحرق ساعات في الكفتيريا. «أقترح إعلان سجن طرة موقع سياحة وطنيا»، كتب أحمد جرادلي، وهو واحد من قادة الشباب الذين قادوا الثورة، «أن تُباع بطاقات دخول بجنيهين أو ثلاثة للنظر إليهم. دعونا لتروا أن 84 مليونا من المواطنين الفضوليين سيعيدون بناء اقتصاد مصر دفعة واحدة». لا تحصل وسائل الإعلام في أثناء هذا على موطئ قدم، ولا توجد مقابلات صحفية أو تقارير تحقيقية بل تسريبات وإشاعات فقط. «لاحظت الشهادة الوحيدة على وجود سجناء من المهمين عند الخروج فقط»، يقول المحامي إسحاق ملتسار من بئر السبع الذي زار في نهاية الأسبوع الماضي السجين الإسرائيلي عودة طرابين المحتجز في القسم البعيد، ليمان طرة. «من وراء جدران الإسمنت العالية التي تحيط بالسجن، نشرت هذه المرة مدرعات كثيرة محملة بلابسي البزات العسكرية القاتمة لأجهزة الأمن». الأمراء ينضمون إلى النادي منذ يوم السبت، ضوعفت الحراسة في مزرعة طرة وحُدد دخول المكان. مُنع مئات السجانين وعمال مصلحة السجون من دخول قسم الرجال المهمين. يُسمح بدخول من يجعله عمله يعمل في هذا الموقع ولا موطئ قدم لعمال السجن الآخرين الذين يتوقون إلى اختلاس النظر. في السادسة صباحا من ذلك اليوم، أنزلت قافلة مركبات مدرعة زوجي «الأمراء»، علاء وجمال مبارك ابني الرئيس المخلوع. وبعد حديث قصير إلى مدير السجن، أُنزلا إلى الموقع واضطرا إلى التخلي عن متاعهما الشخصي. فصودر هاتفاهما المحمولان وحصلا على رخصة إجراء محادثة واحدة فقط إلى المستشفى في شرم الشيخ. «وصلنا»، أعلم الاثنان والديهما الرئيس المخلوع وزوجته سوزان. أصبحت الزنزانتان المتجاورتان للأخوين من بيت مبارك، رقمهما 33 و34، منذ نزلا فيهما، مركز حج وزراء «النادي». كان أول الزوار صاحب المليارات وعضو مجلس الشعب السابق هشام طلعت الذي خُففت عقوبته لقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم قبل لحظة من إرساله إلى الجلاد (إن طلعت نفسه، بالمناسبة، كان يحل حتى المدة الأخيرة في زنزانة عودة طرابين) ومحاميه فريد الديب يعمل اليوم محاميا عن الرئيس مبارك. استدعى طلعت باعتباره صديق جمال مبارك القديم من أجله في الكفتيريا إفطارا اشتمل على أجبان وخضروات وشاي ساخن، وأعلن أنه ينوي أن يلازمه وأن يحاول التخفيف من صعاب الاستيعاب. كتبت صحف القاهرة عن جمال أنه بدا عند دخوله السجن شاحبا وكئيبا ومرهقا. ومن الغد عندما جاء صديقه الثاني أحمد عز، وهو أيضا صاحب مليارات كثيرة بفضل مصانع الفولاذ الزاهرة التي أدارها في مصر، اندفع نحوه أخوه علاء مبارك قائلا: «ما الذي تتحدث معه عنه أصلا؟ ألم تفهم بعد أن هذا هو الرجل الذي أسقطنا؟»، وبخه. وكان آخر حظي باستقبال بارد هو صاحب الملايين إبراهيم كامل الذي حُقق معه هذا الأسبوع بتهمة أنه مول «واقعة الجمل». لم يقرر «الأميران» بعد ما إن كان يحسن أن يحافظا على صلات دافئة به كما كانت الحال حتى الثورة أو أن هذا هو الرجل الذي اعترف عليهما في التحقيقات وأفضى إلى اعتقالهما في ظروف شديدة السوء. تلقى عصام مبارك، شقيق الرئيس المخلوع، هذا الأسبوع ترخيصا بزيارة عائلية لابني شقيقه في سجن طرة. بعد الزيارة، نشرت في وسائل الإعلام المصرية تفاصيل أخرى عن سلوك الاثنين في السجن، فكتب أن جمال يستغل ساعات الخروج من الزنزانة في الرياضة، ولاسيما السير السريع على قدميه في ملاعب كرة القدم والتنس، أما علاء فيعتزل ويصلي مرتين في اليوم على الأقل. يبتعد الاثنان عن وزير الداخلية العدلي، وهو الرجل الرئيس في جهد تجريم مبارك الوالد. باقات زهور للرئيس وجد مركز آخر للدراما المصرية الكبيرة على مبعدة مئات الكيلومترات أيضا عن سجن طرة في الغرفة 309 في الطابق الرابع من المستشفى في شرم الشيخ. غرفة الرئيس المخلوع متواضعة، ففيها سرير وطاولة وخزانة خشبية وتلفاز. يزور الأطباء ويجرون فحوصا. وتريد الجماهير في ميدان التحرير محاكمة علنية وانتقاما وشفافية وتصفية حساب تنتهي إلى أشد العقوبات. لكن ردهة المستشفى في شرم الشيخ وصلتها هذا الأسبوع، على نحو مفاجئ، أكوامٌ من الفواكه الطازجة والخضروات وباقات الزهور المشكلة من أجل «الرئيس» المعالج في المستشفى. يتبع...