فشلت كل المساعي التي قادها مجموعة من الوسطاء والسماسرة، إلى حد الآن، في إخماد ثورة الشباب في العديد من دواوير جماعة القصيبية في إقليمسيدي سليمان، المعقل الرئيسي لعبد الواحد الراضي، رئيس مجلس النواب وابن أخيه، البرلماني ادريس الراضي، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الدستوري، الملقب ب«ادريس الزِيوْ»، الذي يبدو أن ثورة السلاليين باتت قريبة جدا منه، بعدما أضحى الغاضبون يطالبون باسترجاع غاباتهم التي يعد «الزِيوْ» أحدَ مستغِليها. وقد اندلعت الاحتجاجات مجددا في دوار «أولاد حنون» وفي المناطق المجاورة له، حيث أطرت حركة «الشباب القروي لمحاربة الفساد في قرى ومداشر جهة الغرب الشراردة بني احسن»، يوم الجمعة الماضي، مسيرة حاشدة، شارك فيها سلاليون شباب وشيوخ وأطفال، إضافة إلى النساء السلاليات، للتنديد ب»الاستغلال الوحشي» الذي تتعرض له الثروة الغابوية في الجماعة من طرف جهات وصفوها ب«المافيوزية»، وللمطالبة بمحاكمة «رموز النهب والفساد في المنطقة» ورحيل نوابهم السلاليين وحياد السلطة المحلية. «وا فاطمة، دُوزي تْحاربي على وْلاَدكْ»، هكذا خاطبت سيدة مسنة جارتها، فور وصول مسيرة مناهضة الفساد إلى المنطقة بعد أن قطعت مسافة 3 كيلومترات مشيا على الأقدام، داعية إياها إلى التعجيل بالانضمام إلى المحتجين، دون تردد، فهذه اللحظة، تقول العجوز، تاريخية بكل المقاييس، حيث لم يسبق أن عرفت دواوير جماعة «القصيبية» مثل هذه «الانتفاضات» التي حررت الآلاف من سكانها من شبح الخوف والرعب والترهيب الذي ظل يجثم على أنفاسه المنطقة لعقود طويلة، رغم أنها ترزح تحت فقر مدقع وتعاني من تهميش فظيع ومن إقصاء ممنهَج يفوق كل التصورات. وقد تقدمت العشرات من النساء هذه المظاهرة، مصحوبات بأبنائهن الصغار، وكن جد متحمسات وظللن يرددن، بدورهن، الشعارات المناهضة لنهب ثروات الجماعة، من أراض وغابات، حيث تعالت الأصوات التي تدعو الدولة إلى التدخل لوقف عملية الاستنزاف المتواصلة التي تتعرض له خيرات المنطقة، مشيرين إلى أن أزيد من 260 هكتارا من الغابات لا يعلمون مصيرها ووضعها الحالي ولا «الجهات» التي تستفيد منها أو التواطأت التي تعمل على تفويتها بأبخس الأثمان. ولم يمنع لهيب أشعة الشمس الحارقة جموع المحتجين من مواصلة مسيرتهم إلى إحدى المناطق الغابوية التي يجهلون طريقة تفويت أشجارها لأحد الخواص، وهم يهتفون: «هذا عارْ، هذا عار، القصيبية في خطرْ». وقد كادت الأمور تخرج عن السيطرة، بعد أن حاصر المتظاهرون شاحنات تحمل الأخشاب أو ما يعرف ب«الجذرة»، حيث أصروا على أن تُفرِغ هذه الشاحنات حمولتها وهددوا سائقيها بأوخم العواقب في حالة عودتهم مجددا لنقل جذوع الأشجار، كما تصدَّوْا للجرافات التي تقتلع هذه الجذوع وشلّوا حركتها ومنعوها من الاشتغال، مشددين على ضرورة تسوية هذا الملف وفق الشكل الذي لا يُعرّض البيئة ومدخرات السلاليين معا للنهب والتخريب من طرف «عصابات» منظمة تنشط في المجال الغابوي وتشتغل تحت حماية جهات ذات نفوذ سياسي ومالي. وعلى غرار ما فعله ابن أخيه، «ادريس الزِيوْ»، حين بادر إلى عقد لقاء مع ممثلي المتظاهرين في مدينة سيدي يحيى الغرب، وفي محاولة منه لامتصاص غضب القاطنين في دائرته، استقبل عبد الواحد الراضي، يوم الأربعاء الماضي، في مقر مجلس النواب، أحد أعضاء «حركة الشباب القروي لمحاربة الفساد» ووعد بإجراء سلسلة من الإصلاحات، تشمل انتظارات سكان الجماعة التي يرأسها، في الوقت الذي شرع نواب المنطقة في تقديم استقالتهم الواحد تلو الآخر، حيث أعلن نائب دوار «المناصرة» استقالته في مسجد الدوار مباشرة بعد صلاة العشاء، بعدما سبقه إلى ذلك نائب دوار «أولاد العيدي» خلال اجتماع ضم أعضاء الحركة المذكورة وعددا من الساعين إلى توقيع هدنة مع «آل الراضي».