حينما ينسحب الظلام تشرق الشمس. لم يحدث يوما أن أخلفت موعدها.. هكذا الإصلاح.. لا يجب أن يخذلنا ويتركنا في الظلام. أصل كل المآسي تحكم الأقلية في رقاب العباد واستحواذهم على كل شيء ورمي الفتات للناس كي يحيون ويقتاتون، وما يذكيها أشباح كثيرة لا نراها، وجمال متعبة وأسود هرمة لازالت تتزعم الأحزاب قضت سنين تخرب وترفع شعار الإصلاح. لقد كان الشباب المغاربة محبين للسياسة ومهتمين بها وملمين بحيثياتها، لكنهم اصطدموا «بأبطال» سرعان ما استبدلوا فكرهم الثوري بمقاعد وثيرة أنستهم النضال والتغيير، وعوض أن يسخروا حياتهم لتطوير البلاد، ضاعفوا أرصدتهم وأوزانهم وأصبحوا من طينة الأغنياء الجدد الذين لا يحبون أن يذكرهم فضولي بماضيهم، فترك الشباب السياسة لمن يحترفون الكذب والزعيق، أولئك الذين يحلمون بالمال في نومهم ويحيون كأنهم يعيشون خارج مدار العالم والوطن. الأحزاب السياسية تفرغت للكيد لبعضها عوض النهوض بالوطن. أصبحت صراعاتها فرجة تعرض كالغسيل الوسخ على صفحات الجرائد. مواقفها جبانة وسيرتها تستحق أن تكتب بمداد الخجل والتقزز. أما متزعموها فيشبهونها في فكرها المتخلف ووجودها المتقادم وفي تعاملها مع «شبيبتها» واحتكارها الزعامة والسلطة والكلمة والدهر. عبثا يحاول السياسيون تطويع كل شيء لصالحهم حتى الزمن والعمر و»المرحلة». طبيعي جدا عزوف الناس عن العمل السياسي في ظل تنامي الأحزاب كالفطر وتنكر أغلبها للمبادئ التي أسست من أجلها وللصورة المقيتة التي تكونت في مخيلة الناس وذاكرتهم وأوردتهم عن أحزابنا ومريديهم، هؤلاء المتفرجين الذين انتظروا سنين محبطين أن تغير الأحزاب شيئا وتسجل ولو هدفا يتيما لصالح الوطن. لقد ارتبطت السياسة في الدول التي تحترم مواطنيها بخدمة مصالح الأمة، فيما ارتبطت عندنا باستغلال النفوذ والسلطة ونهب أراضي الدولة والصراع من أجل البقاء، وبالتالي أصبحت أمرا لا شأن للعباد به، كلما طاردتهم وجوه الساسة هربوا منها وتجاهلوها وتركوها تسبح في مستنقعها الذي نشاركها أمراضه وفتنه ورائحته، لكن كل من موقعه، هم بسرقتهم ونحن بصمتنا وسلبيتنا وعزوفنا عن المشاركة الفعالة في الحياة السياسية. يجب أن نضاعف التجديف، خصوصا عندما نسبح ضد التيار، أن نحارب من كانوا بالأمس القريب و لازالوا ينهشون الوطن وانضموا في موقف هزلي مثير للسخرية ليدعموا الثورة و ينادوا بالمساواة والعدالة.إنها قمة العبث ومشهد من مشاهد «قلة الحياء والذمة» وموقف مخزٍ يوضح كيف يمكن لهؤلاء الخونة أن يغيروا جلدهم ألف مرة في لحظة، وكيف يدحرجون الوطن نحو الهاوية ويمشون في جنازته. السبيل الوحيد لمعرفة الحقيقة هو البحث عنها، والسبيل الوحيد إلى التغيير هو المشاركة الفعالة فيه قولا وفعلا، ومن خلال أبوابه المشروعة أي المساهمة والمشاركة والاندماج في الحياة السياسية لتنظيفها وتخليقها وإصلاحها من الداخل وقطع الطريق على هؤلاء الخونة كي لا يعبثوا بأصواتنا ومصائرنا. لقد طال الخصام بين الناس والسياسة، ولا سبيل للتغيير سوى إعادة بناء جسور الثقة بين المواطنين وممارسة السياسة.