كثيرة هي الفرص والمناسبات التي تطالعنا فيها مختلف وسائل الإعلام الوطنية بتصريحات لمسؤولين حكوميين وممثلين عن هيئات حزبية وجمعوية وطنية بخصوص مغربية مدينة مليلية، والتي تأتي في أغلب الأحيان كرد فعل مباشر على أحداث سياسية مستفزة أو صادمة من صنيع الجانب الإسباني (زيارة خوان كارلوس وثباتيرو لمليلية، مواقف من قضية الصحراء...)، من دون أن ينطوي ذلك على إرادة فعلية في طرح الملف للنقاش الجدي والبناء والمستمر، حيث تبقى هذه المواقف الكلامية حبيسة مزايدات جوفاء وآنية لا تسهم في التغيير من الوضع شيئا، في مقابل خسارات فادحة وأحيانا «قاتلة» تتلقاها الإدارة المغربية بتورطها من حين لآخر في «اعترافات بإسبانية مليلية». إن جل المواطنين المغاربة لا يعلمون بوجود علاقات تطبيعية -وهي بالمناسبة ممتازة للغاية- تجمع ما بين السلطات المغربية على المستوى الإقليمي والإسبانية في مدينة مليلية، حيث إن عامل إقليمالناظور ورئيس النقطة الحدودية لهما صلاحية ربط اتصال مباشر مع نظرائهما بالمدينة لأجل النظر وحل الكثير من المشاكل الطارئة التي تمس مصلحة الإسبانيين، كما أن السلطات المغربية تزود هذه المدينة بالماء الصالح للشرب بشكل مجاني، رغم أن المواطنين المغاربة يؤدون ثمن استهلاكهم لنفس تلك المياه النابعة من جماعة بني شيكار، إلى جانب سماحها للشاحنات الناقلة لمواد البناء والمواد الغذائية الطرية القادمة من إقليمالناظور بالمرور يوميا بدون أدنى مشاكل إلى سوق الإسبان بعد أداء رسوم جمركية بسيطة لفائدة الجمارك المغربية، وهي أمور يمكن بأي حال من الأحوال تبريرها أو التحايل عليها رغم دخولها في باب «الاعتراف بشرعية حكومة الاحتلال» و«دعم استيطان الإسبان بالمدينةالمحتلة». لكن ما يستحيل تجاوزه أو تبريره، هو تورط السلطات المغربية في إجراءات إدارية رسمية تحمي إسبانية مليلية أكثر مما يقوم به الإسبان أنفسهم، وبالأخص ما تقوم به الإدارة العامة للأمن الوطني من إجراءات «غير وطنية» مفروضة على المواطنين المغاربة الراغبين في الولوج إلى المدينة، وبالأخص المقيمين منهم خارج تراب إقليمالناظور، حيث تلزمهم التوفر على تأشيرة سفر «شينغن» إلى جانب وثيقة مغادرة التراب الوطني بالنسبة إلى الموظفين منهم، وفوق كل ذلك تفرض عليهم ختم جواز سفرهم من طرف أمن الحدود المغربي بخاتم «الخروج» -أي الخروج من التراب المغربي في اتجاه مليلية التي يتم اعتبارها خارج التراب المغربي- وحال عودتهم يتم ختمه بخاتم «الدخول»، مع العلم أن الكثيرين منهم يأتون إلى مليلية لزيارة أقاربهم أو أصدقائهم بالمدينة وليس للمغادرة منها إلى أوروبا، وحتى من أراد منهم مغادرة مليلية في اتجاه الضفة الأوروبية، فإن الأمن الإسباني في الميناء أو المطار يرفض السماح لهم بالمغادرة، إذا لم يتم ختم جواز سفرهم من طرف الأمن المغربي. عديدة هي الأمثلة التي تقدم دليلا قاطعا على تورط مجموعة من الإدارات المغربية في الاعتراف بإسبانية مدينة مليلية، وفي أحيان تبدو وكأنها تنصب نفسها محاميا ومدافعا عن أحقية الإسبان في هذه المدينة، والكل يتذكر تلك الجملة الرنانة التي أطلقها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في تقريره حول أحداث سبتة ومليلية، حين ذكر أن «الهجوم على سبتة ومليلية ليس بالأمر الغريب، بل الغريب هو كيف تبقى هذه الأسوار صامدة. فمن المؤكد أنه دون مساعدة وإرادة الدولة المغربية ما كان لهذه الأسوار أن تصمد ولو أسبوعا واحدا».