سيعيش القاضي الشهير بالتثار غارثون أحلك أيامه المهنية، بعدما سطع نجمه في عدة قضايا ذات صيت دولي منذ سنوات طويلة، فقد طلب المجلس العام للقضاء في إسبانيا من النيابة العامة تقريرا حول إمكانية فصل القاضي غارثون من عمله في المحكمة الوطنية الإسبانية بسبب تلاعبات مالية، إثر شكاية تقدم بها محاميان للقضاء الإسباني ضد أشهر قضاة شبه الجزيرة الإيبيرية. وطلب المجلس الأعلى للقضاء، الذي يعد الهيئة المخولة لها مراقبة السلطة القضائية في البلاد، من النيابة العامة إنجاز هذا التقرير الذي قد ينهي الحياة المهنية لغارثون، بعد رفض المحكمة العليا حفظ القضية المرفوعة ضد غارثون بشأن تصريحه بدخول بحثه في الأرشيف الإسباني المتعلق بارتكاب جرائم حرب خلال فترة فرانكو، وقبول الشكاية التي تقدم بها المحاميان ضد القاضي الشهير وبذلك يشتد الطوق حول عنق غارثون. وتفجرت القضية بعدما قبلت المحكمة العليا في إسبانيا، قبل حوالي شهر، الدعوى القضائية المرفوعة ضد القاضي الإسباني الشهير، المتعلقة بشكوى تقدم بها محاميين مرتبطة بقضية فساد مالي محتملة خلال رحلات للقاضي إلى الولاياتالمتحدة ما بين عامي 2005 و2006. وفي تفاصيل القضية، فإن البنك الإسباني سانتاندير قام بتسليم 302 ألف دولار إلى مركز الملك خوان كارلوس الأول، التابع لجامعة نيويورك، من أجل تنظيم ورشات يشرف عليها القاضي غارثون، ويتقاضى مبالغ مالية مهمة جراء هذا العمل وصلت إلى أزيد من 21 ألف دولار لتغطية مبالغ السفر ومبلغ مماثل من أجل تغطية نفقات تسجيل ابنته في المدرسة الدولية للأمم المتحدة، وخلال عودته قام القاضي بحفظ قضية كان يحقق فيها ضد مسؤولين في البنك المذكور. وجاء في نص قبول المحكمة العليا بمدريد للدعوى أن التحقيق هو الذي سيكشف ما إذا كان تلقي القاضي لأموال من الجهة الممولة تم على اعتبار أنه قاض يعمل في المحكمة الوطنية الإسبانية، أم إن هذا الأمر لم يكن حاضرا تماما. وجاءت هذه الدعوى في الوقت الذي يحقق فيه غارثون نفسه في قضايا فساد كبرى وقضايا مرتبطة بتنظيم إيتا الانفصالي، كما أنه يحقق في دعوى مرفوعة ضد المغرب بعدما منح القاضي في أواخر أكتوبر 2007 نفسه صلاحيات لإجراء هذا النوع من التحقيقات، ورفع ممثلو جمعيات حقوق الإنسان وعائلات الضحايا في 2006 شكوى بحق 13 مسؤولا مغربيا، بسبب مزاعم بارتكابهم عملية "إبادة" مفترضة في الصحراء ما بين سنتي 1976 و1987. وسيعيش غارثون بذلك أياما سوداء، فهو القاضي الذي جلب لإسبانيا شهرة دولية، رغم الانتقادات الكثيرة التي وجهت إليه، بحكم أنه يعشق المرور تحت ضوء الكاميرات ويبحث عن القضايا الصعبة، لكن الزلة ربما التي لن تغفرها اللوبيات الإسبانية للقاضي، الذي كان يفتش في جميع الأوراق عن أية سلطة يضيفها إلى رصيده، أنه حاول البحث في ملفات الماضي بشكل أزعج الصقور النائمة، وتطلب الأمر اللجوء إلى القضاء. حيث حكمت وقتها الغرفة الجنائية بالمحكمة الوطنية الإسبانية بأن المحكمة التي يعمل فيها غارثون لا تملك الصلاحيات الكافية من أجل البت في الجرائم التي ارتكبت في عهد الجنرال فرانكو، الذي وضعه القاضي غارثون على رأس لائحة تضم 44 مسؤولا عن ارتكاب خروقات لحقوق الإنسان طيلة الأربعين عاما التي أحكم فيها نظامه قبضته على شبه الجزيرة الإيبيرية. وقالت المحكمة في حكمها الصادر آنذاك إن غارثون غير مؤهل للنظر في جرائم الجمهورية التي انطلقت من مدينة مليلية في 17 يوليوز 1936. لقد كان غارثون في بحثه عن الشهرة يخلف وراءه كل يوم "كمشة" من الأعداء الجدد، الذين كانوا يبحثون أيضا عن أخطاء له إلى أن عثروا على صفقة الدروس التي أعطاها في الولاياتالمتحدة بمقابل مادي كبير، فكانت تلك بداية نهاية رجل تصدر الصفحات الأولى لكبريات الجرائد الإسبانية وأزعج الكثير من الأنظمة. ثباتيرو في القفص مع ازدياد حدة الأزمة الاقتصادية في البلاد تحول البرلمان الإسباني إلى شيء يشبه حلبة للملاكمة إلى حد كبير، وتحول رئيس الحكومة الإسبانية رودريغيث ثباتيرو إلى ملاكم تكالب عليه الجميع وصار ملزما بتلقي الضربات والرد عليها، فلرابع مرة خلال سنة طلب البرلمان الإسباني من الحكومة أن تعطي المثال في ترشيد النفقات وتقوم بإقصاء عدد من وزرائها بسبب أن بقاءهم في الحكومة يؤدي إلى زيادة في النفقات، نظرا لأجورهم المرتفعة، وهو الملتمس الذي تقدمت به غالبية الفرق البرلمانية الموجودة في البرلمان، وخصوصا المعارضة اليمينية التي يمثلها الحزب الشعبي وحزب اليسار الموحد والأحزاب القومية الصغرى. بل طالبت هذه الأحزاب ثباتيرو أيضا بالتخفيض من عدد مستشاريه الذين يعدون بالعشرات، ووصفت الحكومة الاشتراكية بكونها الحكومة المكلفة أكثر في النظام الديمقراطي، وهذه الموجة ضد الحكومة الاشتراكية انطلقت منذ شهر مارس من العام الماضي، وتكررت في شهري أبريل وأكتوبر، والهدف هو إحراج الحكومة. ورغم التعديل الوزاري البسيط الذي أدخله رئيس الحكومة الاشتراكية إلا أن ذلك لم يؤد إلى تخفيض عدد مستشاريه أو وزرائه، بل كان مجرد تعويض لأشخاص بآخرين. وتعتقد هذه الفرق البرلمانية أن السمنة التي تعاني منها الحكومة الاشتراكية تضر بمصالح إسبانيا، بحكم أنها تؤدي إلى قلة التنسيق والانسجام وبالتالي تأخر خروج إسبانيا من الأزمة الاقتصادية، وحتى من خارج البرلمان انضم رئيس الحكومة الأسبق خوسي ماريا أثنار إلى هذه الموجة وقال ساخرا: "ارحلوا أيها الاشتراكيون"، في إشارة إلى السعار الشهير الذي حمله بصفة غير رسمية خلال حملته الانتخابية ضد رئيس الحكومة الأسبق فليبي غونزاليث، وقال له: "ارحل يا فليبي"، وذلك بعدما كان غونزاليث قد قضى في قصر المونكلوا حوالي 14 سنة من الحكم في إسبانيا وكانت البلاد وقتها تعاني أيضا من أزمة اقتصادية أدت إلى وجود الملايين من العاطلين في البلاد. لكن ثباتيرو لم يقف مكتوف الأيدي خلال هذه الهجمة التي استهدفته بكثرة الضرب بالمعاول، علمته كيف يتفادى الضربات أو يجعلها أخف إيلاما أحيانا، لذلك خاطب المعارضة عندما صعد إلى المنصة "بضرورة أن تتوفر على حس من المسؤولية إزاء ما يجري أمام الإسبان والرأي العام الدولي واتهم ماريانو راخوي، زعيم الحزب الشعبي، بإيقاظ الفتن والأضرار بإسبانيا، وأضاف بلهجة قاسية أشبه بالشتيمة لراخوي: "إن سيادتك فقدت كل مصداقية يمكن أن تتوفر عليها، وصار في الدفاع عن حكومته بحكم أنها لم تضر بالمصالح الاجتماعية للإسبان، فحتى العاطلون يتوفرون على حماية اجتماعية لم يسبق لها مثيل، خصوصا أن الأزمة التي يعيشها العالم لم يسبق لها مثيل منذ ثمانين عاما. ورد ثباتيرو على كل الاتهامات التي كيلت له بالقول إن الاقتصاد الإسباني ليس أسوأ من السابق الآن، فالبلاد على وشك أن تغادر مرحلة التراجع الاقتصادي التي دخلتها قبل شهور طويلة . في البيت اللبناني خوان كارلوس تنفس الملك خوان كارلوس الصعداء خلال فترة ولاية الاشتراكيين، فاستفراد خوسي ماريا أثنار عندما كان رئيسا للحكومة بالسياسة الخارجية التي كانت محورية بالنسبة إليه من أجل إخراج إسبانيا من ركن التاريخ جعل أحد رموز الانتقال الديمقراطي في البلاد يعيش في الظل حزينا وغير قادر على الحركة، بسبب أن رئيس الحكومة يمنعه في ظل ملكية برلمانية سنت في البلاد، وقبل أن يذهب خوان كارلوس إلى لبنان كان عليه أن يغير الصورة العائلية للأسرة الملكية ويحذف صورة زوج ابنته السابق، فلأول مرة منذ 35 عاما تحدث حادثة طلاق لإحدى بنات الملك الإسباني وهي إلينا البالغة من العمر 46 سنة وتم تسجيل طلاق الأميرة إلينا من زوجها المحامي خايمي دي مايتشالار نهاية الشهر الماضي في السجل الشخصي للأسرة المالكية. وبعدما أنهى الملك هذه المهمة العائلية التي خلفت في نفسه بعض الحزن رحل إلى لبنان التي لم يسبق لخوان كارلوس أن زارها قبل ذلك، وحسب ما تناقلته وسائل الإعلام اللبنانية والإسبانية فإنه تجاوزت الحفاوة والتكريم اللذان أحيطت بهما زيارة الملك الإسباني خوان كارلوس إلى لبنان، الأصول التي تقتضيها "الزيارة الرسمية" سواء لجهة الاستقبال الذي كان بالغ الحفاوة بدءاً من مطار رفيق الحريري الدولي، حيث كان رئيس الجمهورية ميشال سليمان في استقبالهّ، وبالرغم من قصر مدة الزيارة والتي هي الأولى للملك الإسباني للبنان، إلا أنها حملت دلالات سياسية لجهة تضمنها عقد لقاءات ثنائية بين الجانبين اللبناني والإسباني بحثت مختلف الملفات السياسية والعسكرية، في ضوء تسلم إسبانيا لقيادة قوات "اليونفيل" في الجنوب ورئاسته للاتحاد الأوربي بدورته الحالية. وبعدها ارتدى خوان كارلوس الزي العسكري وراح يتفقد قوة بلاده العاملة في جنوب لبنان ضمن القوات الدولية، وذلك بعيد أيام على اتخاذ إسبانيا قرارا برفع عديدها في القوة الدولية، التي تتألف حاليا من 12 ألف جندي من 29 بلدا. وزيارة العاهل الإسباني ليست زيارة رسمية ولكن رحلة لتفقد قوات بلاده. والواقع أن زيارة العاهل الإسباني كانت نوعا من المجاملة أو تسهيلا لعمل الدبلوماسية الإسبانية في منطقة الشرق الأوسط، خصوصا بسبب التجربة التي راكمها وزير الخارجية ميغيل أنخيل موراتينوس، فهذا الأخير الذي رافقه خوان كارلوس في رحلته إلى لبنان جاء إلى ساكني قصر بعبدا حزمة من الأماني والرغبات السياسية التي كشف عنها لدى زياراته لإسرائيل وسوريا ولبنان وفلسطين، فبالنسبة إلى الدبلوماسية الإسبانية الوقت قد حان من أجل التوصل إلى سلام نهائي في المنطقة، مشيراً إلى أن وجهات النظر كانت متطابقة بأن عملية السلام طويلة ومخيبة للآمال ولم يخف موراتينوس أمله في معاودة المفاوضات والمحادثات الإسرائيلية الفلسطينية، وكذلك انطلاق بداية جديدة لمفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وسوريا، خصوصا أن الطرفين يعتبران أن دور تركيا أساسي جدا، ولم يخف موراتينوس أن الوضع في الشرق الأوسط يشكل أولوية كبيرة بالنسبة إلى الرئاسة الإسبانية للاتحاد الأوربي التي تدعم عملية السلام، وقيام مناخ سياسي أفضل في المنطقة والتحضير بشكل مناسب للقمة الثانية للاتحاد من أجل المتوسط، والتي ستعقد في برشلونة في السابع من يونيو المقبل.