محاكمة القاضي غارثون تعيد إلى الأذهان شبح الحرب الأهلية في إسبانيا عادت الحرب الأهلية الإسبانية لتقسم المجتمع الإسباني إلى فئتين متطاحنتين. محاولة القاضي الشهير بالتثارغارثون النبش في ذاكرة هذه الحرب وفتحه لتحقيق حول الجرائم الفظيعة التي ارتكبت خلالها وإبان حكم الديكتاتور فرانكو أدت إلى محاكمته إثر دعوى رفعتها ضده جهات محسوبة على اليمين المتطرف، لكن اليسار الإسباني ممثلا في كبريات النقابات هب للدفاع عنه في تجمع جماهيري عقد اليوم الثلاثاء في مدريد وجمع الآلاف من مسانديه. فقد عقدت كل من اللجان العمالية والاتحاد العام للعمال، كبريات المركزيات النقابية الإسبانية، تجمعا شعبيا في كلية الطب التابعة لجامعة كومبلوتينسي بمدريد لمساندة القاضي الإسباني، مؤكدة دعمها الكامل لفتح تحقيقات في الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب الأهلية الإسبانية (1936- 1939) ومتهمة "أبناء الديكتاتور فرانكو"، في إشارة إلى اليمين الإسباني، بتحويل القاضي غارثون إلى ضحية جديدة للديكتاتور. هذا وقد علم يوم الخميس الماضي أنه تم استكمال الإجراءات التمهيدية لمحاكمة القاضي غارثون بتهمة ارتكاب خطأ مهني جسيم بعد أن كان قد أعلن اختصاصه للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب وفترة الديكتاتورية التي حكم فيها الجنرال فرانسيسكو فرانكو. وقد أعلن زميله قاضي المحكمة العليا في إسبانيا لوثيانو باريلا عن حيثيات القرار الخاص بمحاكمة غارثون ومن المفترض أن يؤدي قرار قاضي المحكمة العليا إلى الوقف الاحترازي لغارثون، بعد أن نالت المحكمة الوطنية الإسبانية شهرة واسعة على الصعيد الدولي إثر محاكمة نفس القاضي للجنرال بينوتشي بسبب الجرائم التي ارتكبها نظامه الديكتاتوري بالشيلي في عقد السبعينات من القرن الماضي. وتعود أحداث القضية المتورط فيها غارثون إلى عام 2008 عندما أعلن اختصاصه بالتحقيق في حوادث الاختفاء التي وقعت خلال الحرب الأهلية وديكتاتورية فرانكو، مما دفعه إلى إصدار أمر بفتح بعض المقابر الجماعية المشتبه في إيوائها لجثت أشخاص مفقودين خلال تلك الفترة. وخلال التجمع الجماهيري الذي نظم هذا الصباح دفاعا عن القاضي غارثون، صرح رئيس الاتحاد العام للعمال كانديدو مينديث بأن متابعة القاضي غارثون هي بمثابة "عار تاريخي" سيلحق بإسبانيا، أما زميله رئيس اللجان العمالية، فيرنانديث طوتشو، فقد أكد أن الهدف من هذا اللقاء هو استرجاع الذاكرة المشتركة للشعب الإسباني. هذا التجمع الجماهيري أثار حفيظة اليمين الإسباني، الذي يعتبر بمثابة الوريث الفكري لنظام الجنرال فرانكو. فقد صرحت الكاتبة العامة للحزب الشعبي اليميني المعارض، دولوريس دي كوسبيدال، بأن هذا اللقاء يعتبر بمثابة "ضربة للديمقراطية" و "تشكيك في مسار الانتقال الديمقراطي" الذي عرفته إسبانيا بعد موت الجنرال فرانكو سنة 1975. وأكدت دي كوسبيدال، التي دافعت عن قرار المحكمة العليا متابعة القاضي غارثون، بأن قانون العفو العام الذي تمت المصادقة علية سنة 1977 يقضي بعدم إجراء أي محاكمة بخصوص الجرائم التي ارتكبها نظام فرانكو. وقالت أن هذا القانون يعد مفخرة بالنسبة لإسبانيا. من جهة أخرى قررت جمعيات محسوبة على اليسار الإسباني رفع دعوى قضائية ضد القاضي لوثيانو باريلا لفتحة التقيق ضد زميله بالتثارغارثون. مثل هذه التصريحات والتصريحات المضادة تعيد إلى الأذهان شبح الحرب الأهلية الإسبانية عندما كان التراشق بين طرفي النزاع، أي المحافظين وأنصار الجمهورية، بالمدفعية والرصاص وليس بالكلام والدعاوى القضائية.