سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بركو: جل ملفات الأخطاء الطبية المعروضة على القضاء الجنائي تنتهي ببراءة الطبيب قال إن المشرع المغربي لم يفرد قواعد خاصة لمسؤولية الأطباء أثناء ممارستهم مهنتهم
أكد محمد بركو، محام بهيئة الرباط، أن غالبية الملفات المتعلقة بالأخطاء الطبية والتي تعرض على القضاء الجنائي تنتهي ببراءة الطبيب لصعوبة إثبات الخطأ، ويؤكد المحامي أن القضاء المدني هو الجهة الأنسب لعرض هذا النوع من النزاعات عليه. ومن العراقيل التي تعرفها هذه الملفات بطء البت فيها، والذي يرجع أساسا إلى ضرورة إجراء الخبرة في هذه الملفات، والتي يمتنع بعض الأطباء، حسب المحامي بهيئة الرباط، عن إجراء, الخبرة الشيء الذي يرغم القاضي على تعيين خبير آخر للقيام بأعمال الخبرة، إضافة إلى أن الحق الموكول للضحية ودفاعه في ممارسة حق الطعن في الخبرة والمطالبة بخبرة مضادة يعتبر من الأسباب الرئيسية التي تعرقل مسار البت في الملفات بشكل سريع وداخل آجال معقولة. ما هي القوانين المغربية المنظمة للأخطاء الطبية؟ - يتضح من خلال السؤال أنه يتضمن العلاقة بين الطب والقانون كمفهومين مجردين، وعن أساس هاته العلاقة ومدى خضوع الطب للقانون، أو بصفة أدق تحديد المسؤولية الطبية، غير أن الجواب عن التساؤل المذكور يحيلنا على مسؤولية الطبيب المدنية في التشريع المغربي ومدى تطابق موقف التشريع مع الفقه والقضاء في جانب المسؤولية، هذه الإحالة أثبتت غياب أي نص داخل منظومة قانون الالتزامات والعقود يتعرض لمسؤولية الأطباء المدنية، على الرغم من وضعه لقواعد خاصة بالمسؤولية المدنية في جانبها التقصيري، هذا الغياب، إن لم نقل الفراغ، أرغم المشرع على التوجه إلى إخضاع المسؤولية الطبية للقواعد العامة للمسؤولية المدنية في إطار الفصلين 77و 78 من قانون الالتزامات والعقود، وهي القواعد التي تطبق تطبيقا عاما على مختلف الأفعال الصادرة عن كل شخص ألحق ضررا بالغير دون تمييز على أساس وضعيته أو مهنته، وهو توجه ينسجم مع القاعدة القانونية التي تعتبر، حسب تعريفها، مجردة وعامة. وهو التوجه الذي كرسته المادة 77 من قانون الالتزامات والعقود المغربي حينما نصت على أن «كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح له به القانون فأحدث ضررا مادية أو معنويا للغير التزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذا تبين أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر. وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر»، وكذلك المادة 78 من نفس القانون التي تنص على أن «كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه لا بفعله فقط ولكن بخطئه أيضا، وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر، والخطأ هو ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه وذلك من غير قصد لإحداث الضرر»، إذن، بارتباط مع هاتين المادتين وباطلاع على أحكام القضاء والفقه يتبين أن الأخطاء الطبية تحكمها قواعد المسؤولية التقصيرية وأن سندها القانوني هما الفصلان المشار إليهما أعلاه إضافة إلى المادة 432 من القانون الجنائي، التي قد يلجأ إليها في بعض الحالات إذا أثبتت التحريات ارتكاب طبيب معين خطأ بعدم تبصره أو عدم أخذه الحيطة وعدم الانتباه أو الإهمال أدى إلى قتل غير عمدي أو تسبب فيه عن غير قصد. غير أن غالبية الملفات المتعلقة بالأخطاء الطبية، والتي تعرض على القضاء الجنائي تنتهي ببراءة الطبيب نظرا إلى صعوبة إثبات الخطأ، ليبقى القضاء المدني هو الجهة الأنسب لعرض هذا النوع من النزاعات عليه. وكمثال على ذلك قضية (فوزية .ز) في هاته القضية تمت إدانة الطبيب ومساعديه بعقوبات حبسية ابتدائيا غير أن محكمة الاستئناف بالرباط ألغت الحكم الابتدائي لتبرئ المتابعين. من خلال ما تقدم يتبين أن موضوع المسؤولية المدنية للطبيب عما يرتكبه من أخطاء أثناء مزاولته لمهنته لازال مثار جدال فقهي وقضائي، سواء في المغرب أو في فرنسا ومصر، حيث أكدت توجهات القضاء عدم ترتيب المسؤولية المدنية للطبيب إلا إذا أثبت المريض وجود خطأ، وأن ذاك الخطأ قد تسبب في ضرر. وهو التوجه الذي كرسته محكمة الاستئناف بالرباط في عدة قرارات، منها القرار رقم 1380 الصادر بتاريخ 3 يناير سنة 1934 والذي يقول إنه «لا يمكن أن تسأل الطبيب ولا تحمله أي تعويض إلا إذا ثبت في حقه خطأ معين تسبب في إلحاق الضرر بالمريض»، غير أن هذا التوجه سقط في فخ التفرقة بين الخطأ لانعدام أي ضابط يمكن اعتماده في التمييز بين الخطأ العادي والخطأ المهني المرتكب وكذا أمام تعدد صور الخطأ، ونوع الأضرار المترتبة عن الخطأ ومدى تحققها في الحاضر أو المستقبل. هل هناك عراقيل تغير مسار الملفات أمام القضاء خصوصا أن بعض القضايا مر عليها أزيد من ست سنوات وما زال لم يتم النظر فيها ؟ - إن الملفات التي تعرض على القضاء والمتعلقة بالأخطاء الطبية لا تعرف عراقيل بل تعرف بطئا في البت فيها، وهذا راجع بالأساس إلى كون هاته القضايا لا يمكن النظر فيها إلا من طرف هيئات مهنية لها علم بقواعد الطب، مما يفرض على القضاء اللجوء إلى أهل هذا الميدان، أي الاستعانة بخبرات في الموضوع، هذه الخبرات هي التي في الغالب تكون سببا في عرقلة هاته القضايا، لامتناع بعض الأطباء أحيانا عن إجراء الخبرة، الشيء الذي يرغم القاضي على تعيين خبير آخر للقيام بأعمال الخبرة، هاته التعثرات إضافة إلى الحق الموكول للضحية ودفاعه في ممارسة حق الطعن في الخبرة والمطالبة بخبرة مضادة يعتبر من الأسباب الرئيسية التي تعرقل مسار البت في الملفات بشكل سريع وداخل آجال معقولة. هناك من يقول إن هناك فراغا تشريعيا في المجال ؟ - لم يفرد المشرع المغربي قواعد خاصة لمسؤولية الأطباء كما فعل مثلا بالنسبة للمهندس المعماري، غير أنه أخضع تلك المسؤولية للقواعد العامة كما سلف تفصيل ذلك في السؤال الأول. من خلال الملفات هل هناك تناسب بين الأحكام وحجم الضرر الذي يلحق الضحايا؟ - إن مسألة التعويض عن الضرر تتحكم فيها عدة عناصر غير أن أهمها هي الخبرات الطبية التي يخضع لها الضحية وأن الخبرات المذكورة تحدد نسبة العجز الجزئي الدائم، ونسبة الآلام والتشوهات إلى غير ذلك من العناصر، وإن هذه العناصر هي التي يعتمد عليها في احتساب التعويض إضافة للعناصر الأخرى المرتبطة بسن الضحية ودخله ونتيجة الخطأ . كيف تقيمون التشريع الوطني في مجال الأخطاء الطبية مقارنة مع دول أخرى؟ - جوابا عن هذا السؤال. يمكن القول، بناء على بعض الكتب التي تناولت مسؤولية الأطباء المدنية بالمغرب، وهي قليلة، إن التشريع المغربي في هذا المجال لم يختلف عن التشريعات الأخرى، لاسيما منها التشريع التونسي، الذي اقتبس منه قانون الالتزامات والعقود وكذا التشريع الفرنسي، هذان التشريعان اعتبرا العلاقة بين الطبيب والمريض داخلة ضمن قواعد المسؤولية التقصيرية على الرغم من عدم استقرار هذا الرأي، غير أن الاختلاف بين هذه التشريعات قد يجد سندا في مبلغ التعويض، الذي يكون مرتفعا في فرنسا خلافا للمغرب، حسب ما تطالعنا به مختلف وسائل الإعلام .