سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رضوان الطويل: يمكن الوصول إلى التقليص من الفوارق الاجتماعية عبر الزيادة في الأجور الاقتصادي المغربي قال للمساء إن السياسة الاقتصادية لا توظف لأهداف إعادة التوزيع
ما هي العلاقة بين السياسة الاقتصادية وتقليص دائرة الفقر؟ كيف تفضي إعادة التوزيع إلى تجاوز العجز الاجتماعي؟ وما دور دعم قدرات الأفراد في توسيع مساحة الحريات؟.. تلك تساؤلات يحاول هذا الحوار، مع أستاذ الاقتصاد بجامعة «مانديس فرانس»، رضوان الطويل، مقاربتها في علاقتها بالسعي إلى تقليص دائرة الفقر بالمغرب ما المكانة التي تحتلها محاربة الفقر في السياسات الاقتصادية؟ حسب تصور التنمية الذي يلهم السياسة الاقتصادية في المغرب، يستدعي رفع النمو شكلين من التدخلات العمومية الأساسية، فمن جهة، يجب على صاحب القرار أن يسند للسياسة الاقتصادية هدف الاستقرار، مما يعني أنه يجب أن يحرص على وضع الأسس المؤسساتية التي تخول ضمان حصر العجز الموازني ومحاصرة المديونية والتحكم في التضخم. ويعتبر تبني قواعد ثابتة الشرط الذي لا محيد عنه للنمو الاقتصادي حسب هذا المنظور، ومن جهة أخرى، يفترض في السلطات العمومية الانخراط في إصلاحات بنيوية من أجل تحرير أسواق المنتوجات والشغل والقروض من العراقيل التنظيمية ودعم المنافسة. - كيف يتم تبرير هذا التصور؟ يتم تبرير هاته الأطروحة بكون السوق هو الوحيد الكفيل بأن يدفع عجلة النمو الاقتصادي وتقليص دائرة الفقر، مما يعني حسب هذا التصور أنه لا يتوجب على صاحب القرار الاقتصادي أن يتدخل عبر إجراءات لإعادة التوزيع. فالسوق ينظر إليه على أنه الضامن لتوازن الاستعمال الشامل للموارد وتحقيق الإنصاف. هذا الشكل من التنظيم المؤسساتي بحسب هذا المنظور يفترض أن يفضي إلى حفز الاستثمار ورفع الدخول والاستعمال الفعال للموارد، مما يخلف آثارا تتجلى في زيادة الموارد والشغل وتحسين مستوى عيش الفقراء. فتقليص دائرة الفقر رهين بشكل مباشر بالنمو. - لكن إلى أي حد ساهم هذا التصور في تقليص دائرة الفقر في المغرب؟ يبرز تطور الاقتصاد المغربي في العشر سنوات الأخيرة، أن النمو لم يساهم في تقليص دائرة الفقر، كما أن آثار الإجراءات التي تتخذ ليست ذات أهمية، لأنها تختزل محاربة الفقر في تقديم الدعم لساكنة جد ضيقة. وهذا ما حذا بالبنك العالمي إلى التعبير عن موقف يعتبره استراتيجيا، حيث يشير إلى أن « المرور إلى سياسات تخدم مصالح الفقراء حاسم من أجل تسريع النمو وبناء مجتمع أكثر إنصافا». والحدود التي أشرت إليها تعزى إلى كون السياسة الماكرواقتصادية في المغرب لا توظف لأهداف اجتماعية أو إعادة التوزيع. - ما هو التصور الذي يتناول الفقر والذي يبدو ملائما لمشروع التنمية البشرية؟ يبدو لي أن المقاربة عبر القدرات التي بلورها الاقتصادي الهندي الفائز بجائزة نوبل، «أمارتيا سين»، أحد المفكرين الاقتصاديين الأساسيين الذين انشغلوا بإشكالية التنمية، تمثل المدخل الرئيسي من أجل الإحاطة بهذا الموضوع. فأمارتيا سين، يعتبر أنه من الضروري إدماج الحقوق والحريات والتمييز بين الوسائل وقدرات الأشخاص. في هذا الإطار يحدد مفهوم القدرات باعتبارها مجموع أنماط الحياة التي يمكن أن يلج إليها الأشخاص. وأخذا بعين الاعتبار تنوع أنماط ممارسة الحريات يستند مفهوم القدرات على قدرة الأفراد على تحويل الموارد إلى حرية على مستوى الفعل والوجود. - كيف ذلك؟ لنأخذ شخصين يتوفران على نفس الموارد غير أنه يكون لهما نمطا حياة مختلفان، بالنظر لقدراتهما وأشكال التنظيم الاجتماعي. وعلى هذا المستوى، يميز، أمارتيا سين، بين الحريات الشكلية والحريات الحقيقية. وهذان الصنفان من الحرية متكاملان. فالحرية الشكلية تبقى غير كافية بدون تلبية الحقوق الأساسية من قبيل التربية والصحة. وبهذا المعنى، تتبوأ الحريات الإيجابية مكانة أساسية في محاربة التوزيع غير المتساوي للموارد. ضمن هذا الأفق يتم تحليل الفقر ليس من زاوية الموارد فقط، بل من منظور الحريات كذلك. وضمن هذا المنظور يعتبر أمارتيا سين، أن الأمية تمثل نقصا في الحرية، ليس فقط عبر عدم القدرة على القراءة، بل من خلال إلغاء جميع الحريات الأخرى التي ترتهن للتواصل الذي تخوله الكتابة. ويفرض عدم التناغم بين الأشخاص، الذي يفضي إليه الاختلاف في تحويل الموارد إلى إنجازات، تصورا للإنصاف على مستوى التساوي في القدرات.
- كيف تؤثر السياسة الاقتصادية على توزيع الموارد والحقوق؟ كل سياسة اقتصادية تنطوي بشكل مباشر أو غير مباشر على هدف اجتماعي. ولا يمكن للسياسة الاقتصادية أن يتم تقييمها خارج ممارسة الحقوق الديمقراطية والمواطنة، كما لو كانت تطبيقا لمبدأ تدبيري. فالسياسات العمومية تترجم بتوزيع التكاليف والامتيازات، ويجب، بالنتيجة، أن يتم تقييمها من زاوية نظر الحريات والموارد. منظورا إليها من هاته الزاوية، تبدو السياسات العمومية، بعيدة عن ضمان المساواة في الفرص الاجتماعية وتوسيع مجال الحريات الحقيقية. والإصلاحات الهيكلية والسياسات الاقتصادية الظرفية لا تفضي سوى إلى نمو ضعيف وهش. وهذا العجز على مستوى النشاط يوسع الفوارق الاجتماعية التي لم تعمل برامج التقويم الهيكلي سوى على تأجيجها. ومن ثمة العجز الملحوظ على مستوى الولوج المنتظم إلى مستوى كاف من التغذية والخدمات الصحية والتربية. - كيف يمكن للتنمية البشرية أن تعالج هاته الاختلالات؟ إذا نظرنا إلى التنمية البشرية باعتبارها مسلسلا لتوسيع قدرات الأفراد من أجل تحقيق الرفاه وممارسة الحريات الحقيقية، فإن جزءا كبيرا من الساكنة محروم منها، فالفقر الناجم عن ضعف الولوج إلى خدمات الصحة والتربية، يؤشر على نقص في الشروط التي تتيح للأشخاص أداء وظائفهم بشكل جيد. فضعف الولوج إلى تلك الخدمات الأساسية يعبر عن نقص في الحرية الذي يفضي إلى إلغاء الحريات الأخرى. والفقر الناجم عن ضعف الولوج إلى الخدمات الصحية والتربية، ينضاف إلى نقص في الإمكانيات، الذي يترتب عن غياب المخصصات من الرساميل التربوية والمالية وغياب الادماج الاجتماعي. فعدم المساواة في الولوج إلى الصحة والتربية ومستوى معين من الرفاه المادي، تترجم عدم كفاية الحقوق في العيش الشيء الذي يضر بتثمين الإمكانيات وتردي جودة العرض المدرسي والخدمات الصحية. والأفراد الذين لا يمكن، بسبب الخصاص في الموارد، الاستثمار في تنمية قدراتهم، يعبرون عن طلب ضعيف على مستوى التربية، الشيء الذي يقلص إمكانية إدماجهم ويدعم خصاصهم على مستوى الرأسمال البشري. ضمن هذا السياق يعبر العجز الاجتماعي عن حرمان من الحريات الذي ينال من الفرص الاجتماعية. فالعجز الاجتماعي يشير إلى غياب الإمكانيات التي تتيح للأفراد العمل بشكل أفضل في الحياة، ويترجم ذلك العجز عدم ملاءمة شروط ممارسة الحريات. - ما تأثير ذلك على أداء الأفراد في النشاط الاقتصادي؟ الحريات الشكلية تبقى غير كافية بدون شروط تؤمن للأفراد القدرة على النجاح فيما يقومون به وإمكانيات الإنجاز. فالفقر على مستوى الولوج والإمكانيات لا يعوق فقط ممارسة الحقوق، بل ينال كذلك من الفعالية الإنتاجية عبر الزج بالاقتصاد في مستوى ضعيف من النشاط. وبدوره يساهم ضعف النمو الاقتصادي في دعم العجز الاجتماعي عبر الحد من ولوج فئات من الساكنة إلى الموارد والقدرات الضرورية التي تخول ممارسة الحريات.
- ماهي الرؤية التي يفترض أن تلهم السلطات العمومية في سعيها إلى محاربة الفقر؟ في مواجهة الحلقات المفرغة للفوارق في القدرات، يجب أن تتم إعادة تحديد تراتبية السياسة الاقتصادية لفائدة النمو والتشغيل، بالنظر لضرورة الإنصاف والفعالية. فوحدها سياسة نشطة لإعادة التوزيع، كفيلة بأن تستغل إمكانيات النمو على المدى الطويل وضمان الحقوق والموارد التي تتيح للأفراد الاختيار بين أنماط الحياة الممكنة. وهذا الهدف يعني أن الدولة لا يجب أن تكتفي بصيانة الحريات الشكلية فقط، بل يفترض أن تضع شروط الحرية الإيجابية عبر إتاحة فرص التعبير عن القدرات. وأتصور أن محاربة الفوارق يستدعي سياسة استثمار عمومي منظم حول أولويات محددة حسب المسؤولية الاجتماعية للدولة واستعمال الإمكانيات الإنتاجية. فتحفيز النشاط الاقتصادي عبر النفقة كفيل ليس فقط بأن يزاوج بين الإنصاف والفعالية، بل بإمكانه أن يفضي إلى الفعالية عبر الإنصاف. يجب أن يحتل الاستثمار في التكوين والصحة مكانة مميزة، والاختيارات العمومية على مستوى شروط وجودة التكوين تحدد فعالية النظام الإنتاجي، وبالنتيجة، النمو الاقتصادي. والنفقات الاجتماعية الخاصة بالصحة تمنح الأفراد إمكانية استغلال الفرص الأساسية للتنمية البشرية. والأكيد أن العلاقة بين النفقات وتراجع بعض مظاهر الفقر، تبدو شبه حتمية. في نفس الوقت لتلك النفقات آثار إيجابية على مستوى الإنتاجية. - لكن السلطات العمومية حريصة على عدم مفاقمة العجز الموازني بالنظر لضرورتها من زاوية نظر الإنصاف ومن منظور الفعالية، يجب أن تعطى الأولوية للخدمات التربوية والصحية، مما يعني ضرورة الزيادة في الميزانية العامة، ولو عبر العجز العمومي. في هذا الإطار، يبدو أن الاستثمار العمومي الذي يتم تمويله عبر العجز يترك للجيل الموالي مخزونا من الرأسمال وثروة صافية أكيدة. ويمكن الوصول إلى التخفيف من الفوارق عبر الزيادة في الاجور الضعيفة، فالشروط الاجتماعية للذين يتلقون أجورا ضعيفة، تؤشر، في جزء كبير منها، حسب معايير الضروريات غير المشبعة، على فقر بنيوي. يمكن لزيادة الأجور أن يكون لها تأثير إيجابي على النفقات، الإنتاج والتشغيل، دون أن يفضي ذلك إلى عدم تحفيز الشركات. فبالإضافة إلى أن زيادة الأجور تشجع الطلب الذي يقلص من ضعف استعمال القدرات الإنتاجية، لا تفضي إلى رفع تكاليف الأجور عندما يواكبها رفع الإنتاجية ضمن قواعد تحفيزية. في ظل سياق متسم بسيادة البطالة، يتوجب تعزيز الحماية الاجتماعية باعتبارها شبكة أمان، فالحماية الاجتماعية عامل حاسم في تجاوز العيوب الناجمة عن انخفاض الموارد أو العيوب الناجمة عن التبادل المرتبطة بعدم قدرة الأفراد على تحويل الموارد إلى ممتلكات. ضمن هاته الرؤية تبدو الخدمات الاجتماعية عاملا للإنصاف الذي يتيح تجنيب الأفراد الحرمان من الحقوق والحريات. في نفس الوقت تضطلع الحماية الاجتماعية بدور المخفف من آثار التقلبات التي يعرفها النشاط الاقتصادي. ففي حالة الركود، تتيح الخدمات الاجتماعية، عبر رفع النفقات، تفادي الانخفاضات الكبيرة على مستوى النفقات. إذا ظلت المالية العمومية خاضعة لهيمنة المنطق المحاسبي، إن التخفيف من الفوارق الاجتماعية.. سوف يظل الغائب الأكبر في أجندة صاحب القرار الاقتصادي.