أبرزت الأزمة الاقتصادية الحالية هشاشة الاقتصاد المغربي و ارتهانه للقطاع الفلاحي، و في هذا الحوار مع رضوان الطويل، أستاذ الاقتصاد بجامعة مانديس فرانس بغرونوبل بفرنسا، نحاول تناول الظرفية الاقتصادية الحالية و التحديات التي تطرحها على السياسة الاقتصادية في المغرب. - حسب المندوبية السامية للتخطيط وصل معدل البطالة في النصف الأول من السنة الجارية إلى 8 في المائة، مقابل 9.6 في المائة في 2008. كيف تقرؤون هذا المعدل الذي اعتبر استثنائيا؟ < كما العديد من الأخبار التي تنشرها المندوبية السامية للتخطيط، يتحفظ العديد من المعلقين على هذا الخبر على اعتبار أنه تمخض عن إحصاءات مثار نقاش. لا يجب أن يظل النقاش محصورا في الجانب التقني بين المتخصصين، على اعتبار أن مثل ذلك الخبر يتصل بقضايا تهم المجتمع. ويبدو فعالا من وجهة نظر النقاش العمومي أن ينصب التفكير على معنى التطورات التي تطرأ على المؤشرات. من زاوية النظر هاته، فإن انخفاض معدل البطالة، الذي يبدو مفاجئا في سياق الأزمة الحالية، يجد تفسيره في الأداء الجيد لقطاع الفلاحة. فقطاع الفلاحة و الغابة و الصيد خلق 196 ألف منصب شغل، 176 ألفا منها في العالم القروي. لا يعكس انخفاض البطالة تراجع ضعف التشغيل. فعلى هذا المستوى، فإن معدل التشغيل الذي يشير إلى مناصب الشغل الحقيقية المحدثة، يبدو مؤشرا دقيقا حول أداء سوق الشغل. إذ يبدو أن معدل التشغيل في 2007 وصل إلى 37 في المائة مقابل 40 في المائة في سنوات التسعينيات. ورغم النمو القوي الذي يميزها منذ سنوات، لا تفضي الاستثمارات سوى إلى خلق مناصب شغل ضعيفة. وإذا أمعنا النظر في طبيعة تلك المناصب، ندرك أنها في أغلبها لا تستدعي مؤهلات كبيرة، مما يعزز ضعف الأجور في المغرب. و يتجلى أن حصة الساكنة النشيطة التي تشتغل خارج الشروط القانونية لعقود العمل تصل إلى 75 في المائة وحصة أولئك الذين لا يتوفرون على ديبلوم تصل إلى 64 في المائة. انخفاض معدل البطالة إلى 8 في المائة ليس خبرا جيدا، ففراشة واحدة لا تصنع فصل الخريف. ورغم المجهود الاستثماري القوي، لازال النمو الاقتصادي في المغرب هشا و قاصرا عن خلق الشغل. - بعض الأوساط ترى أن تقدم مرونة سوق الشغل كحل لا محيد عنه من أجل معالجة مشكل البطالة، ألا يعتبر هذا حلا ملائما في السياق المغربي؟ < تقوم هذه التوصية على فكرة مفادها أن القوانين التنظيمية تضفي نوعا من الصلابة على العلاقات الأجرية وتمنع القيام بالتعديلات الضرورية من أجل معالجة مشكل البطالة, هكذا يتم التأكيد على تقليص تكاليف العمل وتليين شروط التسريح وحتى إلغاء الحد الأدنى للأجور. عمليا يخضع لهاته المرونة، التي ما فتىء يدعو إليها البعض العديد من الأجراء، ومن شأن توسيعها أن يؤدي إلى ترسيخ عوامل الهشاشة. فمن جهة لا تحترم المقاولات التزاماتها فيما يتصل بظروف العمل وأجور العمال، و من جهة أخرى يبدي هؤلاء الأخيرون فتورا في ما يتعلق بمجهودهم الإنتاجي. يتمخض عن هذا حلقة مفرغة تعكس وجود فرص للربح لا يتم استغلالها بالنسبة للطرفين. فضعف الإنتاجية للشغل يفضي إلى أجور منخفضة، التي تؤدي بالتالي إلى ضعف الإنتاجية. وفي حالة عقود الشغل ذات المدة القصيرة، تستثمر المقاولات بشكل أقل في الكفاءات التي يتوفر عليها العمال و تلجأ إلى تقليص الشغل عوض تطوير الإنتاجية. و تحت تأثير المنافسة، تبحث المقاولات الأقل إنتاجية عن رفع التنافسية عبر الضغط على الأجور. و يتجلى أن مرونة سوق الشغل تساهم في فتور الطلب الشامل و تؤدي بالنتيجة إلى ضعف نمو النشاط. - في ظل تدهور الميزان التجاري يعتبر بعض المهنيين أن تخفيض قيمة الدرهم يجب استعماله من أجل دعم تنافسية المنتوجات الوطنية و دعم النشاط الاقتصادي.. < هكذا إجراء يمكن أن تكون له تأثيرات سلبية على العرض والطلب, فارتفاع قيمة الواردات يفضي إلى ارتفاع الأسعار الذي يطال جميع الأنشطة الاقتصادية. وارتهان المغرب في حاجياته الطاقية للخارج يعتبر عاملا حاسما في التضخم المستورد. ومن شأن خفض قيمة العملة الوطنية أن يؤدي إلى زيادة مباشرة في تكلفة السلع الوسيطة الكفيلة بأن تخفض الإنتاج. ارتفاع هذه التكاليف ينقل إلى سلع الاستهلاك عبر التقويمات. ففي الحالة التي يتصدى الأجراء لهاتة الزيادة ويطالبون بتدارك مستواها الحقيقي، ترتفع التكاليف الأجرية، مما ينعكس سلبا على مستوى النشاط. ينضاف إلى ذلك ما يترتب عن تقليص القروض البنكية، فالأبناك تلجأ في سياق ارتفاع مستوى الأسعار إلى رفع معدلات الفائدة، مما يجعلها تتحفظ في تمويل المقاولات وتؤثر على مستوى العرض الشامل. من جانب آخر،فاستيراد المنتوجات التي لا توجد موضوع إنتاح محلي، مثل البترول وبعض مواد التجهيز لا يمكن تقليصها. ففي حالة المواد المستوردة الحساسة للأسعار، يفضي خفضها،في غياب منتوجات محلية قابلة لأن تعوضها، إلى خفض الطلب الداخلي. فالحد من تفاقم العجز التجاري عبر دعم تنافسية الصادرات يفضي إلى التضحية بالنشاط. وبفعل التضخم المستورد، يمارس تقليص العرض الحقيقي تأثيرات انكماشية على الطلب الداخلي. ويساهم انخفاض القدرة الشرائية للشرائح التي تتوفر على نزوع قوية نحو الاستهلاك في تدهور الإنتاج. وإذا ما واصلت السلطات النقدية توجهاتها التقليصية، فإن آثارها الانكماشية سوف تتأجج. ويمارس خفض قيمة العملة تأثيرا سلبيا على الدين، حيث يرفع من كلفة الاقتراضات الخاصة المسعرة بالعملة الأجنبية وعمليات خدمة الدين، ويقلص من هوامش مناورة السلطات الموازنية مما يدعم الحدود التي تحيط بالطلب الشامل. في نفس الوقت يقلص قيمة الأصول المسعرة بالعملة الوطنية وهو ما لا يشجع المستثمرين الأجانب. بعيدا عن أن يخلق الشروط الملائمة للنمو الاقتصادي، يدعم خفض العملة الوطنية الخيارالرامي إلى تشجيع تنافسية المنتوجات عبر الأسعار على حساب الخيار القائل بالمراهنة على القيمة المضافة. إذا كان خفض قيمة العملة، يساهم في التخفيف من الضغوط التنافسية، فإنه لا يشجع على تحسين الفعالية الإنتاجية. مما يترتب عنه ضعف قدرات العرض المستجيب للطلب الخارجي. فدعم التنافسية عبر السعر على حساب التنافسية البنيوية يعوق إعادة انتشار الجهاز الإنتاجي في اتجاه منتوجات ذات قيمة مضافة عالية. - تبدو الفوارق كتحد أساس في مجال إنعاش النمو والتشغيل. < تعتبر تحديات النمو القوي الغني بالتشغيل و التنمية البشرية مقدمات لا مفر منها للتخفيف من الفوارق. إن الفعالية كما التلاحم الاجتماعي يكبحان بفعل الفوارق أمام النفقات. فالفوارق في النفقات بين الشرائح الاجتماعية تفاقمت بين 2001 و2007. هكذا تمثل نفقات 20 في المائة من الأسر التي تملك أعلى المداخيل في الوسط الحضري 50 في المائة من كتلة النفقات في 2007، مقابل 46 في المائة في 2001. بالمقابل لم تتغير مساهمة الأكثر فقرا خلال نفس الفترة حيث ظلت في حدود 6.7 في المائة. إذن تركيز توزيع النفقات يبقى جد قوي. فنفقات 10 في المائة للأسر الأكثر غنى تتجاور 13 مرة 10 في المائة من الأسرالاكثر فقرا. ففي مواجهة الفوارق، يجب إعادة تحديد تراتبية أهداف السياسة الاقتصادية لفائدة النمو و التشغيل بالنظر لضرورة الإنصاف و الفعالية. ثمة درسان يمكن استخلاصهما اليوم من اقتصاد التنمية. فتقليص الفوارق يبدو في الآن ذاته شرطا ضروريا للنمو الاقتصادي و ترسيخ المؤسسات الديمقراطية والاستقرار السياسي. فسياسة اقتصادية تتمحور حول إعادة التوزيع الضريبي كفيلة باستثمار إمكانات النمو على المدى الطويل و تأمين الحقوق والموارد التي تتيح للأفراد الاختيار بين أنماط الحياة الممكنة. لا يتمثل دور الدولة فقط في الحفاظ على الحريات الشكلية، لكن كذلك وضع شروط الحريات الحقيقية في إطار عقد اجتماعي. تفترض محاربة الفوارق مبادرات عمومية تنصب على النفقات العمومية ونفقات الاستهلاك والاستثمار الخاصة المنظمة حول أولويات يحددها النقاش الجماعي. حيث يفترض أن يحتل الاستثمار في التربية والصحة مكانة مركزية.التخفيف من الفوارق يمكن أن يتحقق عبر رفع الأجور الدنيا، وهو ما يمكن أن تكون له تأثيرات إيجابية على النفقات و الإنتاج و التشغيل.في نفس الوقت تطرح الحماية الاجتماعية نفسها على اعتبار أنها تعتبر مؤشرا على معالجة الأعطاب التي تطال الحقوق بفعل ضعف الموارد أو أعطاب التبادل المرتبطة بعدم قدرة الأفراد على تحويل الموارد إلى إمكانيات للاختيار. يحكى أن روسيين التقيا عشية وفاة بريجنيف، قال أحدهما للآخر بأنه يتوفر على خبرين يريد أن يزفهما إليه، الخبر الأول جيد والخبر الثاني سيء: الخبر الجيد يتمثل في وفاة بريجنيف والخبر السيء هو أن خبر وفاة بريجنيف لم يتأكد بعد. ويمكن أن نستلهم هذه الحكاية كي نقول بخصوص الاقتصاد المغربي أن الخبر الجيد هو الأداء الجيد لسوق الشغل والخبر السي هو أن ذلك يحتاج إلى تأكيد.