سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رضوان الطويل: لا يمكن للسلطات العمومية أن تكتفي بإجراءات غير مضمونة لرفع العائدات الجبائية الاقتصادي المغربي قال للمساء: إن فعالية السياسة الجبائية رهينة بقدرة الدولة على تأمين احترام القوانين
تقترح السلطات العمومية على المشتغلين في القطاع غير المهيكل عفوا جبائيا مقابل امتثالهم للقانون في ما يقومون به من عمل وفي علاقتهم مع الإدارة. وفي هذا الحوار الذي نجريه مع رضوان الطويل، أستاذ الاقتصاد بجامعة مانديس فرانس بغرونوبل بفرنسا، نحاول الوقوف على الاعتبارات التي تملي إخضاع القطاع غير المهيكل للضريبة واحتمالات استجابة الشركات لنداء الشفافية وشروط تقليص حضور ذلك القطاع في الاقتصاد المغربي. - يعد مشروع قانون مالية السنة القادمة، الذي عرض الأسبوع المنصرم على البرلمان، المقاولات التي تنشط في القطاع غير المهيكل بعفو ضريبي إذا خرجت من السرية، ماهي في تصوركم الاعتبارات التي دفعت السلطات العمومية إلى المبادرة إلى هذا الاقتراح؟ في تصوري يمكن تفسير هذا الاقتراح بعاملين اثنين، فمن جهة، ثمة جزء كبير من رجال الأعمال المغاربة المنضوين تحت لواء الاتحاد العام لمقاولات المغرب، يعتبر أن عدم أداء المقاولات للضريبة يشكل في نفس الوقت خرقا لمبدأ المساواة و مثبطا لحرية المنافسة. على هذا المستوى، يشكل مبدأ مشروع العفو الجبائي استجابة لمطلب المساواة في معاملة المقاولات التي يدعو إليها الاتحاد الممثل للباطرونا المغربية، و الذي لا يتردد بعض أعضائه في وصف الاقتطاع الضريبي بأنه بمثابة الإتاوة التي تثقل كاهلهم ضمن سياق تفلت فيه مقاولات عاملة في القطاع غير المهيكل من الضريبة. ومن جهة أخرى، فقد سجلت العائدات الضريبية انخفاضا مرتبطا باستنفاد الآثار المرتبطة بإعادة التنظيم التقني لطرق الاقتطاع وهشاشة النمو الاقتصادي. فصاحب السلطة في مجال الميزانية، الممثل لقاعدة التحكم في العجز العمومي، يبحث عن مصادر جديدة تتيح تنمية الموارد الجبائية من أجل تفادي تضخم الدين العمومي. ومن أجل شرعنة قراره، لا يفوت وزير الاقتصاد و المالية أي فرصة يثار خلالها الموضوع من أجل التشديد على أن محاربة القطاع غير المهيكل يجب أن يصبح هاجسا للسلطات الساهرة على السياسة الاقتصادية.
- يقدم العفو على أنه منحة لقاء الشفافية التي تنخرط فيها المقاولات التي اختارت إلى حدود الآن العمل في القطاع غير المهيكل، ماهي الرؤية التي ألهمت في نظركم هذا التوجه نحو حث المقاولات على الكف عن العمل خارج مراقبة القانون الجبائي؟ تستند القرارات العمومية، بشكل صريح أو مضمر، على رؤية للحياة الاقتصادية. ومن المهم جدا، من زاوية نظر النقاش الديمقراطي، طرح تساؤلات حول المبررات التي تساق من أجل تسويغ إجراءات السياسة الاقتصادية. يندرج العفو الجبائي ضمن تصور مؤداه أن التموقع في القطاع غير المهيكل، هو نتيجة للمغالاة في التقنين الذي تفرضه الدولة. وحسب هذه الرؤية، التي تعتبر بمثابة الحجر الأساس، في نظرية التنمية السائدة اليوم بين الخبراء الدوليين و لدى أصحاب القرار العمومي، يختار الفاعلون الاقتصاديون، سواء كانوا أجراء أو رجال أعمال، الدخول في الفضاء غير المهيكل، عبر القيام بحساب التكاليف و الامتيازات الذي يأخذ بعين الاعتبار التحملات التي تترتب عن احترام التشريع في المجال الجبائي، ومدونات الشغل وقوانين التجارة والقوانين المنظمة للعقار.... الإقصاء من القروض البنكية والإعفاءات. فالدخول إلى عالم القطاع غير المهيكل يمليه كون الأرباح التي تجنى منه تتجاوز التكاليف. إن نجاح هذه المقاربة يعود إلى كونها تندرج ضمن النظرية النيوليبرالية التي تنادي بتقليص التدخلات العمومية إلى أدنى حد، على اعتبار أن القوانين العمومية تعيق المبادرات الفردية و فعالية السوق. هذه الرؤية التي تستند على مبررات نيوليبرالية لا تدعمها أي أسس تجريبية: فالعديد من التحقيقات الميدانية أبرزت أن ثقل القوانين لا يضطلع بدور حاسم . فليس من الصواب، الاعتقاد بوجود قطاعين: قطاع قانوني يمتثل للقوانين، و قطاع آخر لا يحترم التشريعات. فمثلا المقاولات التي تعمل في ما يعرف بالقطاع غير المهيكل تحترم بعض التشريعات على اعتبار أنها تؤدي الضريبة على القيمة المضافة أو الضريبة على مزاولة المهنة، بينما تخرق المقاولات التي تعتبر مهيكلة وقانونية، مدونة الشغل و مدونة الجبايات. في الحقيقة ثمة تداخل بين القانوني و غير القانوني في الحياة الاقتصادية الذي يظهر التسامح الذي يواجه به خرق القانون و في بعض المواقف الاجتماعية التي تغذي استعمال السلطة العمومية لأغراض خاصة «الرشوة» والتي تعطل القاعدة القانونية من أجل خدمة مصالح خاصة على حساب المصلحة العامة. ضمن هاته الشروط، تعتبر الانخراط في السلوكات التي تميل إلى الاشتغال خارج إطار القانون، مسألة أساسية لها علاقة بطريقة عمل المجتمع والمؤسسات العمومية. - ألا يتوجب في نظركم إطلاق مخططات من أجل إقناع الفاعلين الاقتصاديين كي يعملوا في إطار القانون؟ محاولة العمل بطريقة لا تندرج ضمن القطاع غير المهيكل، باعتبارها خرقا للقانون والقواعد لها صلة بالمجتمع. فعلى هذا المستوى، يتعلق الأمر بمسألة مرتبطة مباشرة ببناء دولة القانون والديمقراطية و المواطنة، هكذا يتوجب تفادي المقاربة التي تذهب إلى أن ثمة قطاعا غير مهيكل يفترض تقليصه تليين التشريعات عن طريق مخططات خاصة. فالمقاربة القطاعية للاقتصاد، كما تظهر ذلك حدود مخطط «انبثاق» الصناعي، تبدو معيبة، لأنها، أولا، تتسبب في تكاليف عالية، فبلورة تلك المخططات القطاعية يقتضي اللجوء إلى مكاتب دراسات التي تطلب موارد لا تعكس التشخيص و الاقتراحات التي تعبر عنها. فالاستعانة بمكتب الدراسات «ماكنزي» بالتكاليف المرتفعة التي يستدعيها جد دالة على هذا المستوى. والزعم أنه من الضروري اللجوء إلى شرعنة المخططات باللجوء إلى الخبرة الدولية، قول قابل للنقاش. على اعتبار أن كلفة عملية الشرعنة جد مرتفعة مقارنة بفوائدها. ثم إن وضع المخططات القطاعية، في غالب الأحيان بتأثير من جماعات الضغط، يدعم مصالح الأقلية و يعزز القطاع غير المهيكل و الرشوة. وأخيرا، نعتبر أن حصيلة الكلفة والامتيازات تبدو ليست في صالح المجتمع والدولة. فالأداء العام للاقتصاد على مستوى النمو والتشغيل والرفاه الاجتماعي لا يبدو أنه يستفيد من المخططات القطاعية.
- ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من المقاربة التي اعتمدت في أمريكا اللاتينية مثلا من أجل تقليص حضور القطاع غير المهيكل في الاقتصاد ؟ لماذا يتوجب معالجة مشكل القطاع غير المهيكل في إطار مقاربة شاملة لقضايا السياسة الاقتصادية والنمو؟
الدرس الأساسي الذي يستفاد من تجارب بلدان أمريكا اللاتينية يشير إلى أن مخططات تقليص مساحة القطاع غير المهيكل، أفضت إلى نتائج تدحض استراتيجية المخططات القطاعية. فالدخول إلى القطاع المهيكل كان له تأثير جد ضعيف على المالية العمومية والتشغيل والكفاءات وتوزيع القروض وبالتالي النمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي. هذا الفشل يعزى، من جهة، إلى كون تلك المخططات كانت تستهدف المقاولات الصغرى، ويرد من جهة أخرى إلى كون توسيع مجال القطاع القانوني واكبه تعزيز الوضعيات الهشة في المقاولات القانونية ومرونة متنامية لسوق الشغل على حساب الأجراء. يتجلى أن محاربة القطاع غير المهيكل لا يمكن أن تختزل إلى الجانب الذي يهم التدبير العمومي. فأحد ممثلي السلطة الجبائية حرص على وصف الملزمين بالضريبة .. بالزبناء، إذ أن استعمال لغة الماركتينغ يفضي في تصوره إلى الثقة و يؤمن الشفافية المتبادلة مع الملزم بالضريبة. هذه المقاربة التي تساهم في التقليل من دور الدولة، قابلة للنقاش لأنها تفرغ المواطنة التي يشير إليها الاقتطاع الضريبي من معناها لفائدة علاقة تقوم بين شركاء كما يوحي بذلك مفهوم الزبون. السياسة الجبائية يجب أن تندرج ضمن مقاربة شاملة تأخذ بعين الاعتبار أهداف النمو والتشغيل والتنمية البشرية، ومن ثمة توسيع مجال المواطنة. من هذه الزاوية، و في سياق تزايد الفوارق والنمو الهش، لا يمكن للسلطات الموازنية أن تكتفي بإجراءات غير مضمونة لرفع العائدات الجبائية، حيث يجب عليها أن تراجع النظام الجبائي من أجل تقليص الإعفاءات التي لا يجني منها المجتمع الكثير. ففعالية السياسة الجبائية رهينة التشريعات و القوانين و قدرة الدولة على تأمين هذا الأمر. - برر بعض أصحاب القرار الاقتصادي في المغرب الرغبة في تضريب القطاع غير المهيكل بهاجس المواطنة الجبائية و المساواة أمام الضريبة ما العلاقة بين الاقتصاد غير المهيكل و ممارسة المواطنة؟ يعرف إنتاج القوانين نموا مطردا، رغم سيادة القطاع غير المهيكل، وهذا ما يدفعنا إلى طرح السؤال حول الفائدة من سن قوانين لا تحترم سوى جزئيا، فأعمال برونو لوتيي حول « القطاع غير المهيكل في العالم الثالث» تشير إلى أن التداخل بين القانوني وغير القانوني يشكل بعدا في تشكيل عمل الدولة. فهناك توافق اجتماعي صامت حول إجازة عيب جزئي في القوانين. ومادام ثمة غياب ضغط لفائدة احترام القوانين، تقلصت دائرة ممارسة المواطنة، هكذا يهدد الاقتصاد غير المهيكل المواطنة الاجتماعية، الشيء الذي يظهر من خلال عدم احترام مدة العمل والحد الأدنى للأجر وعدم الالتزام بالقيد في الدفاتر والتهرب من أداء الضريبة.. تلك بعض الخروقات التي يتم غض الطرف عنها في إطار التوافق الذي أشرت إليه. هذا العجز الديمقراطي يسوغه غياب مشروع للتنمية يتيح توزيعا مناسبا للحقوق والواجبات ويحقق مطلب الربط