4 - الإعلام والأنترنيت هما سلطلتا التغيير في العالم أصبحت الأنترنيت ووسائل الإعلام هي السلطة التي تعتمد عليها الدول الغربية في تحقيق التغيير في دول العالم حسب الجرعة المرغوب فيها، فتم إحداث قنوات تلفزية لها من الإمكانيات المادية والبشرية ما يجعلها تنقل كل الأخبار والأحداث وباللغات الأكثر انتشارا، كالعربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية، وتجعلها بالمقابل في المواجهة وفي خانة العدو من أجل ضمان استقلاليتها ومصداقيتها، فهي قد تلجأ إلى قصف مواقعها في بعض الحالات أو اعتقال وحبس بعض صحافيها. كما أن هذه القنوات تعمل جاهدة على استقراء الفكر العربي، وفكر دول العالم الثالث بشكل عام، عن طريق برامج وحوارات تستضيف فيها جل التيارات المتعارضة، وذلك في إطار الرأي والرأي الآخر. وعن طريق الإصلاحات التي تفرضها الدول على مستوى الإعلام، تبقى هذه القنوات المسخرة هي المؤشر الوحيد للحكم على مدى استجابة هذه الدول لحرية التعبير وحرية الإعلام والصحافة وليس عن طريق مؤشر القنوات الداخلية والوطنية التي مازالت متخلفة، بشكل كبير جدا، عند جل الدول الثالثية وخاصة العربية. أما القنوات التلفزية الداخلية فكانت تستهلك الأفلام المصرية في السابق نظرا إلى كون الشخصية المصرية هي النموذج الذي يريده الغرب أن يسود... لكن مع تغير الأوضاع واعتماد النموذج التركي، أصبحت الأفلام التركية المدبلجة من سوريا ولبنان هي التي تسيطر اليوم على البيوت. أما الأنترنيت، فهي بدورها تقدم خدمة كبيرة جدا، ويكفي أن نتذكر من ابتكر هذه الشبكة، أليس النظام العسكري الأمريكي هو من صنعها لخدمة أغراضه الأمنية، وبالتالي فهي مازالت على ذلك الهدف الأسمى والأول.
-5 المؤسسة العسكرية هي صاحبة الرأي لقد تبين منذ زمن بعيد أن من يملك مفتاح المؤسسة العسكرية هو الذي يستطيع أن يضمن لنفسه البقاء في السلطة، ومن لم ترض عنه هذه المؤسسة فسيسقط لا محالة، عكس الدول الغربية التي تحتكم إلى الشعب وإلى المؤسسات... هذه الحكمة هي التي فهمتها السياسة الغربية من خلال تجربتها الطويلة في العالم، وخاصة في الدول الإفريقية، وبالتالي فهي تراهن دائما على تجاوب العسكر وتعامله معها. وخلال هذه الثورات التي نعيشها اليوم، فالعسكر يتحرك وفق ما يحدده الغرب من خطوات، وبالتالي فهو يسعى دائما إلى لعب دور الحكم في الدولة ودور الوسيط مع الغرب. فتجربة موريطانيا هي دليل ساطع على أهمية دور المؤسسة العسكرية، إذ تؤكد أن دول العالم الثالث هي تابعة ومستعمرة عن طريق الجهاز الأمني الداخلي. وهنا نتذكر لعبة الجيش مع بنعلي في تونس، وكذلك تعامل العسكر مع حسني مبارك. على سبيل الختم أود في الأخير أن أشير إلى أن ما أسعى إليه من خلال هذه الأسطر، التي هي في الأصل مجرد رأي شخصي، إلى توضيح أن الثورة الحقيقية هي ثورة الذات الإنسانية من أجل التخلص من الخوف ومن القصور والجبن والكسل، هذه القيم السلبية التي تمت تربيتها في الفرد منذ صغره عن طريق مختلف المؤسسات التي صنعها كل نظام لدولته... لكن الشيء الجميل والذي نصفق له خلال هذه الثورات التي أنظر إليها من النصف المملوء للكأس هو تلك العبارات والشعارات التي رفعت في المظاهرات، السلمية منها وغير السلمية، هذه الكلمات مثل «إرحل يا رئيس» و«الشعب يريد التغيير» و«الحرية الحرية» و«تغيير.. حرية.. عدالة اجتماعية» و«علّ وعلّ وعلّ الصوت.. اللي بيهتف مش حيموت» و«الشعب يريد إسقاط النظام» و«الشعب يريد محاكمة الرئيس» و»ثورة ثورة حتى النصر.. ثورة في كل شوارع»... هذه الشعارات التي تبين أن الشعوب قد تخلصت من خوفها وبدأت ترفع رأسها المنحني منذ زمن بعيد ليتحقق بذلك التحرك الشعبي، وبالتالي قدرة الثوار على إحداث التغيير المنشود حسب ثقافة ورؤية الشباب الذي كانت الأنظمة تستهين به وتعتبره غير واع وغير مبال بما يجري... صحيح أن الفقر والجوع والحد من حرية الرأي والتعبير هي الأسباب التي أفاضت الكأس وهي التي كانت وراء كل هذه الثورات والتظاهرات الشعبية، ولكن ليست المطالب الاجتماعية هي التي يجب أن تحرك الثورات فقط بل لا بد من مشروع مجتمعي ورؤية واضحة تحدد مسار الشعب بعد الثورة تفاديا للفراغ أو العودة إلى مثل النظام السابق عن طريق عناصر أخرى مشابهة، أو من توجه أجنبي كما هو تصوري الآن... وهنا يأتي دور الثقافة السياسية السائدة في المجتمع وموقع البلد ضمن شبكة المصالح الجيوستراتيجية الغربية. إن الجغرافيا السياسية والعوامل الخارجية تلعب دورا في اندلاع الثورات أو في توجيه تداعياتها، كما أشرنا على ذلك سابقا، وبالتالي لا بد من تدارك الأمر، وعلى الشباب أن يدرك أن الثورة ليست هي مجرد الإطاحة بالنظام وإسقاط رأس الدولة وحاشيته، بل هي أيضا الكيفية التي يمكن بها تصور وبناء مستقبل الدولة بعد الثورة. فالتاريخ لا يرحم. كما أن الدول المتخلفة هي بالأساس دول حمقاء كما يصفها بذلك الدكتور علي بولحسن، ونحن نعلم جميعا بأن الأحمق هو من به خبل، أي أن عقله مريض، وبالتالي فجميع أعضائه تصاب ب«الجنون» لأنها تتصرف بوحي من عقله المخبول، فكيف نريد أن نحقق الثورة في جسد مريض وأحمق؟ لكن ما يستفاد الآن تجربتي الدولتين الشقيقتين هو أن ثقافة الثورة قد حلت محل ثقافة الخوف، وهذا ما يشكل في الواقع منعطفا في تاريخ شعوب شمال إفريقيا والشرق الأوسط. انتهى/