دخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية طور الأزمة منذ 20 فبراير الماضي، حينما فاجأ الشارع المغربي الأحزاب السياسية بمطالب متعددة تجاوزت توقعاتها، وطرحت على طاولة هذه الأحزاب إلحاحية قضية الإصلاحات في المغرب، في الوقت الذي كانت مختلف الهيئات السياسية تحاول ترتيب بيتها الداخلي وتنسيق تحالفاتها في أفق انتخابات 2012، غير عابئة بملف الإصلاحات. وجه الأزمة هذه المرة هو ظهور أصوات من داخل الحزب تدعو إلى انسحابه من حكومة الاستقلالي عباس الفاسي، إذ طالبت أغلبية أعضاء المجلس الوطني للحزب بهذا الخيار، الذي رفضه المكتب السياسي. وبخلاف المرات السابقة التي كانت تظهر فيها بعض الأصوات داعية إلى الانسحاب من حكومة الفاسي، من داخل المكتب السياسي للحزب، مما كان يجعلها في أنظار المراقبين مجرد خروج إعلامي لتحصيل مكاسب داخل الحزب، فإن الدعوات الأخيرة كانت تعبر عن تجاوب مع حركة الشارع، التي ظهرت في مسيرة 20 فبراير الشبابية، والتي كانت جل الشعارات التي رفعت خلالها تدور حول إدانة الحكومة أو عائلة عباس الفاسي الوزير الأول. واستند دعاة الانسحاب من الحكومة والعودة إلى خيار المعارضة إلى ثلاثة مبررات، أولها أن الحزب وجه في ماي عام 2009 مذكرة إلى الملك محمد السادس حول التعديلات الدستورية ولم يتلق ردا عليها، وثانيها أن الحكومة الحالية تفتقر إلى المشروعية الشعبية، وثالثها الظرفية الوطنية والعربية والدولية التي باتت تستدعدي الدخول في مرحلة جديدة قوامها الإصلاحات السياسية والاجتماعية. وفي الوقت الذي تم تأجيل البت في موضوع الانسحاب من الحكومة إلى اجتماع يوم 19 مارس الجاري، تاريخ انعقاد الدورة ال19 للمجلس الوطني للاتحاد، رأى هذا الأخير ضرورة الشروع منذ الآن في إجراء إصلاحات سياسية ومؤسساتية جوهرية، مؤكدا على ضرورة توجه المغرب إلى إصلاح دستوري شامل وعميق، والانخراط الفوري في إنجاز الإصلاحات الجوهرية «حتى تتجنب البلاد أي مآزق يكون من شأنها تعطيل الانتقال إلى الديموقراطية». ويرى البعض في هذه الدعوة إلى الانسحاب من حكومة الفاسي محاولة من الاتحاديين توريط حزب الاستقلال وتكتيكا سياسيا قبيل انتخابات عام 2012، التي لا شك أنها ستكون محكومة بالتبعات السياسية التي خلفتها مسيرة 20 فبراير وتداعياتها على الشارع المغربي. كما يرى هؤلاء أن اللجوء إلى التلويح بالإصلاحات السياسية والدستورية في هذه الظرفية يعد ركوبا على التحولات الاجتماعية الأخيرة في المغرب بعيدا عن التنسيق مع الحلفاء الآخرين، سواء داخل الكتلة الديمقراطية، التي لم تعقد أي اجتماع لها منذ فترة طويلة، أو داخل الحكومة. وقبل حلول موعد 19 مارس الجاري، يقول مراقبون إن على المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي أن يضاعف من سرعته خلال الأيام القليلة المقبلة لفتح نقاشات مع الهيئات السياسية الأخرى، وفق ما دعا إليه بيان المجلس الوطني للحزب، من أجل صياغة مذكرة للإصلاحات السياسية والدستورية، بهدف إقناع المجلس الوطني بعد أسبوعين بإنضاج تصوره للإصلاحات استباقا لأي أزمة سياسية يمكن أن تثور داخله بشأن خيار الانسحاب من الحكومة.