تضييق الخناق على فتح الله ولعلو بمجلس مدينة الرباط لفك تحالفه مع العدالة والتنمية، و"تنسيق استراتيجي" جديد بين نقابة الاتحاد العام للشغالين الموالية لحزب الاستقلال والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب المقرب من العدالة والتنمية، وانضمام الاتحاد العام للشغالين بالمغرب إلى حركة الإضراب العام للثالث من نونبر الجاري، وتهدئة بل تقارب غير مسبوق بين الاتحاد والأصالة والمعاصرة. هذه المؤشرات وغيرها تجعل المراقبين للمشهد السياسي المغربي في أفق 2012 يتوقعون زلزالا سياسيا بمواصفات جديدة من قبيل تحالف يضم الاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة والأحزاب التي تدور في فلكه مع محاولة تذكير حزب الاستقلال بحدوده و"الرمي" به إلى المعارضة حيث يرتكن الاسلاميون. لم يستبعد هذاالسيناريو أكثر من معني بالقضية. لكن خلف الملف قد تستر أشياء أخرى يعسر التكهن بها في الوقت الراهن. ولعلو : ضغط"التراكتور"...وواجب رد الجميل تابع الرأي العام المغربي صراعا بمواصفات خاصة تستمر فصوله في الوقت الراهن بمجلس مدينة الرباط. يتعلق الأمر بالضغط الذي يمارسه الأصالة والمعاصرة على عمدة مدينة الرباط فتح الله ولعلو لفك تحالفه مع فريق العدالة والتنمية. أهمية الصراع نابعة من كونه يهم العاصمة الرباط بالإضافة إلى طبيعة الأطراف المتدخلة فيه . كل العناصر تجعل متابعة المشهد تحظى بالاهتمام البالغ. فوراء الصراع فاعلون من عيار ثقيل، إذ هناك الاتحاد الاشتراكي بكل حمولته التاريخية، والأصالة والمعاصرة الذي ظل إلى العهد القريب ينعت باسم حزب الملك. كما يوجد العدالة والتنمية ،هذا الفاعل المحسوب على الحركة الإسلامية الذي يظل رقما فاعلا في المعادلة السياسية المغربية، رغم الضعف الذي بدأ يظهر في بعض هياكله. على إثر الانتخابات الجماعية الأخيرة تشكل مجلس مدينة الرباط من خلطة غريبة حملت نائب الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي إلى عمودية الرباط بتحالف مع العدالة والتنمية. فالأغلبية التي يقودها ولعلو في مجلس العاصمة بدت هشة منذ البداية. فولعلو ورغم توفر حزبه على ستة مقاعد فقط، تولى عمودية الرباط. ولم يكن مهندس هذا السيناريو سوى إدريس لشكر الذي نجح في ترتيب توافقات لعب فيها حزب العدالة والتنمية دورا كبيرا. توافقات كان إدريس لشكر مهندسها الأبرز في إطار استراتيجية نهجها للضغط من أجل اكتساب امتيازات، انتهت بدخوله الحكومة في التعديل الوزاري الشهير. لكن دخول لشكر إلى الحكومة فرضت على حزبه تحالفات جديدة. وهنا وجد ولعلو نفسه في مأزق كبير بين تحالفين. تحالف في مجلس مدينة الرباط بين الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية. وتحالف حكومي يضم الأصالة والمعاصرة والاحرار والحركة الشعبية. وضعية فرضت على ولعلو إعادة النظر في تشكيلة مكتبه تحت ضغط الأصالة والمعاصرة والأحرار والحركة الشعبية، الذين يطالبون بضرورة فك الارتباط مع العدالة والتنمية. تصريحات كثيرة تفيد أن ما يقع في مجلس مدينة الرباط ليس سوى مقدمة لقطف رأس العدالة والتنمية المطلوب في الرباط. كما أن مصادر عديدة من داخل الاتحاد الاشتراكي أكدت أن ضغطا شديدا يمارسه إدريس لشكر لقلب التحالفات القديمة. المصادر ذاتها أكدت للمشعل ان رأس ولعلو ليس مطلوبا إلا بالقدر الذي يجعله ينحني لإملاءات مرحلة جديدة أساسها التنسيق التام مع ما اصطلح عليه ذات مرة "الوافد الجديد». ضغط جسده أكثر من قيادي في الأصالة والمعاصرة حيث قال بنحمو في تصريح سابق للصحافة"مازلنا ننتظر رد ولعلو، وأن يأتي بأجوبة ملموسة كما وعد بذلك، وأن يجيب في ذات الوقت ذاته عن أسئلة تدبيرية طرحت عليه، مرتبطة بطريقة التدبير التي عرفتها الكثير من الأوراش الكبرى بالمدينة.. لا نريد ربطه بعقود إذعان أو أن نملي عليه الشروط والحلول، ولا نريد قطف رأسه كعمدة، وإن كان ذلك في متناول أيدينا، وإنما نروم تحقيق المصلحة العامة وتغليبها على المصالح الحزبية الضيقة وبلوغ تدبير شفاف للمجلس، للخروج بصفة نهائية من المأزق الذي تعيشه مدينة الرباط» ليس المطلوب إذن رأس ولعلو، لكنه مطالب بالتخلي عن تحالفه مع العدالة والتنمية الذي كان له الفضل في وصوله إلى عمودية الرباط. فهل يدخل الأمر ضمن مخطط متوسط الأمد في أفق تحالف جديد يرمي بالقطب المحافظ ممثلا بالاستقلال والعدالة والتنمية إلى المعارضة ويثبت الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتركي كأغلبية؟ الاتحاد الاشتراكي بين النفعية والأخلاقية "لا أظن أن الاتحاد الاشتراكي سيتعاون مع البام، لأن الاتحاد يظل حزبا مناضلا وله تاريخه"هكذا رد لحسن الداودي حينما سألته المشعل عن احتمال تحالف الاتحاد الاشتراكي مع العدالة والتنمية وأن ما يجري في الرباط مجرد مقدمة لتحالفات استراتيجية أكبر.وأضاف لحسن الداودي" لا أعتقد أن حزبا مناضلا بتاريخه العريق يمكن ان يدخل في لعبة مع البام". وحول الإشارات التي أطلفها غدريس لشكر بشأن الموقف من الاصالة والمعاصرة قال الداودي" قرارات الاتحاد تبقى جماعية ويمكن ان توجد أصوات من هذا القبيل لكنها تبقى أقلية" لذلك "أنا أستبعد تحالفا مستقبليا بين الاتحاد والبام، لأن المناضلين الاتحاديين لن يقبلوا بذلك" بدا الداودي في حديثه للمشعل مطمئنا إلى تحالف حزبه مع الاتحاد الاشتراكي في مجلس مدينة الرباط وقال" نكرر دائما بأن في السياسة أخلاق وولعلو معروف بتجرته التاريخية وبمبادئه" . لكن إشارات كثيرة تفيد أن سيناريو فك التحالف غير مستبعد. فعلى الصعيد التشريعي دشن الاتحاد والبام تنسيقا وتعاونا تجسد في أكثر من ميدان. يقول مصدر برلماني" لم يصل بيد الله إلى رئاسة مجلس المستشارين إلا بفعل تصويت مجموعة من الاتحاديين عليه وبالمقابل ساهم البام بشكل واضح في فوز عبد الواحد الراضي برئاسة الغرفة الأولى». ويضيف نفس المصدر" كما أنه من الملاحظ أن البام أحدث حركية في البرلمان المغربي من خلال معارضة نشطة، غير أن انتقاداته انتقائية إذ تتوجه في الغالب نحو الوزارات التي يشرف عليها الاستقلاليون وتهاجم بشراسة، فيما يحظى وزراء الاتحاد في الحكومة بمعارضة"ناعمة" وغير قوية من قبل فريق البام في البرلمان". لكن هل فعلايلتزم الاتحاد الاشتراكي بالاخلاقية التي يتحدث عنها الداودي أم يخضع لمنطق الإملاءات السياسية الواقعية؟ من الوافد الجديد إلى الحليف الجديد.. وجد فتح الله ولعلو نفسه في موقف حرج بين الالتزام بتحالفات أوصلته إلى عمودية الرباط وموقف سائد داخل الاتحاد الاشتراكي يدعو إلى التقارب مع الأصالة والمعاصرة.وفي تعليقه على هذا التقارب أكد عبد السلام بلاجي، منسق مستشاري العدالة والتنمية بمجلس مدينة الرباط، ونائب العمدة ل"لمشعل"أن" التقارب ليس فقط بين الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي بل بين الأغلبية المسيرة والمعارضة التي كانت تضم كل من حزبي الأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية حيث دخل فريقا الحزبين بمجلس مدينة الرباط إلى الأغلبية وبالتالي إلى المكتب المسير الموسع بطلب منهما وأدمجا في الأغلبية الموسعة وأدخلا في المكتب الموسع وأشركا في اللجان الأساسية واللجان الموضوعاتية ». هكذا وعلى غرار لحسن الداودي يحاول بلاجي كما غيره من قيادي حزب العدالة والتنمية التقليل من أهمية توجه الاتحاد الاشتراكي نحو فك تحالفه مع حزبهم، فيما تفيد كل المؤشرات بإمكانية رضوخ الاتحاد الاشتراكي لمطلب فك التحالف الذي لم يعد يخدم مصالح مهندسه الأبرز لشكر، بعد دخوله للحكومة. وفي هذا السياق يقول مصدر اتحادي غير راض على تقارب الاتحاد والبام"يتفاجأ فعلا المتابع للخطاب الحالي للاتحاديين بهذا الانتقال من كيل كل النعوت القدحية الممكنة في حق" الوافد الجديد" إلى التنسيق بل والبحث الدؤوب عن التعاون والتنسيق مع الفريق البرلماني للأصالة والمعاصرة في أفق تحالفات ممكنة».لكن الاتحاديين هيأوا الأجواء جيدا لهذا الانتقال، وعدلوا من خطابهم عند الحديث عن الأصالة والمعاصرة. فتراجعت جريدة الحزب عن استعمال مسميات من قبيل " الوافد الجديد" و" التراكتور"أو "حزب صديق الملك" لنعت الحزب. وفي هذا الإطار نفهم أيضا جواب إدريس لشكر على سؤال المساء العدد 1047 :" أين وجه التقارب مع الأصالة والمعاصرة؟ ألا تعتقد أنه يمثل ذراع المخزن كما كان يقول بعض الاتحاديين" لنتأمل جيدا جواب لشكر(هل بأدبيات الستينيات والسبعينيات أم أدبيات الاتحاد التي تتطور؟. الاتحاد لا يتحدث عن المخزن بالمفهوم السابق ونحن منخرطون معه في بناء المغرب الجديد". ورغم الرغبة العارمة التي تعتري قطاعا واسعا في حزب الوردة اتجاه هذا التحالف الجديد، لا تزال معوقات كبيرة تقف في وجه اكتماله، إذ أن اليازغي الذي تم تجريده من منصب الكتابة الأول، ويكتفي في الوقت الراهن بحقيبة وزارية فارغة، لا يزال يتوفر على منظور مخالف لصديقه إدريس لشكر. يقول اليازغي في تصريح للصباح العدد 3055 "الأصالة والمعاصرة تسعى الى تنظيم قطب ليبرالي، أما الاتحاد فهوحزب اشتراكي، وبالتالي، لا يمكن أن يكون طرفا في القطب الليبرالي، يمكن أن يتحقق نوع من التعاون مع الليبراليين، في إطار الأغلبية. لكن لا يمكن أن يكون مندمجا في القطب اليبرالي، تحالف الاتحاد الاشتراكي هو داخل الكتلة". ربما لم يستوعب اليازغي الواقعية السياسية لإدريس لشكر لذلك استبعد أي تحالف خارج الكتلة.أما إدريس لشكر فيتوافق تماما مع تصريحات قياديين بارزين في البام حيث صرح صلاح الوديع للجريدة الأولى العدد 537" ... إذا عدتم الى وثائقنا فستجدونها منحازة في ما يخص التحالفات للصف الديمقراطي دون إقصاء او استثناء، اعتبرنا منذ البداية الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية جزءا من هذا الصف..." الإسلاميون ...صمام أمان الاستقلاليين. قبل دخول إدريس لشكر إلى الحكومة في التعديل الشهير. جرب كل صيغ التهديد من التلويح بورقة الإصلاحات الدستورية إلى استعمال شعارات الانسحاب من الحكومة وغيرها. لكن الورقة التي جعلت" أصحاب الحال يلتفتون إلى إدريس لشكر هي "سلاح" التحالف مع العدالة والتنمية» يقول مصدر من الاتحاد الاشتركي. ويضيف"صار العدالة والتنمية بمثابة الجوكر الذي يتم اللجوء إليه عند الاضطرار». فهل سن إدريس لشكر سنة سياسية مغربية سيعمد الاستقلال إلى تجريبها. أكثر من مؤشر يفيد أن حزب الاستقلال يستعد لسيناريو مماثل. وقد شكل خروج شباط إلى واجهة العمل النقابي والانضمام إلى إضراب ثالث نونبر المقبل، أحد أبرز المؤشرات القوية على هذا الاحتمال. وفاجأ شباط المراقبين بانضمامه إلى قائمة النقابات المؤيدة للإضراب العام الإنذاري في الوظيفة العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات ذات الطابع الإداري في الثالث من نونبر المقبل. وتأتي خطوة انضمام الاتحاد العام للشغالين بالمغرب إلى المؤيدين لقرار الإضراب لتترك علامات استفهام واضحة حول المغزى من انضمام النقابة لإضراب يستهدف بالأٍساس تدبير حزب عباس الفاسي الذي تعتبر النقابة موالية له. هل يتعلق الأمر بتحريك الاستقلاليين للآلة النقابية استشعارا لخطر إقصائهم من أي تحالفات حكومية مستقبلية أم أن الأمر يعكس فعلا تضاربا في موقفي السياسي والنقابي في حزب علال الفاسي؟ يقول قيادي في حزب الاستقلال رفض الكشف عن هويته "يعتبر حزب الاستقلال من الأحزاب المغربية التي تتوفر على تجربة كبيرة في فهم النظام السياسي المغربي، بل يشكل الحزب تاريخيا حلقة مهمة في هذا النظام" ولذلك "فمن المستبعد أن يخرج حزب الاستقلال إلى المعارضة».ويضيف نفس المصدر أن "لا أستبعد أن حزب الاستقلال يستشعر فعلا خطر محاولة الرمي به غلى المعارضة" وبخصوص إمكانية التنسيق بين الاستقلال والعدالة والتنمية قال المتحدث" إن حصل فعلا فلن يدوم، خاصة وأن أجواء عدم الثقة تهيمن بين العدالة والتنمية وحزب الاستقلال بعد التجربة الفاشلة للتنسيق في مدينة فاس".وحسب ذات المصدر، يخضع التقارب الجديد للقطاع النقابي في حزب الاستقلال إلى إكراهات داخلية حيث يبحث كل طرف فيه عن موطئ قدم داخل الأمانة العامة للحزب استعدادا لما بعد مرحلة عباس الفاسي. وفيما لا تزال اتهامات شباط لوزير المالية في حكومة أمينه العام عباس الفاسي تثير الكثير من التأويلات، قال زهير العليوي المسؤول السابق في شبيبة العدالة والتنمية والأمين العام الإقليمي للبام بتاونات أن تشكيل الاقطاب في أفق انتخابات 2012 يبقى واردا من خلال فرز العدالة والتنمية والاستقلال كقطب محافظ من جهة والأصالة والمعاصرة والأحرار والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية ينضاف إليه الاتحاد الاشتراكي من جهة أخرى. وأضاف زهير ،المتمرس بالشأن السياسي لكواليس حزب المصباح أن التحالف بين العدالة والتنمية والاستقلال مستبعد في ظل التجارب الفاشلة التي خاضها الحزبان في إطار تعاونهما في أكثر من مدينة وخاصة بمدينة فاس التي يتولى فيها حميد شباط منصب العمودية.وحول إمكانية التحالف مع الاتحاد الاشتراكي قال زهير أن"الأصالة والمعاصرة كتوجه ليس ملزما بالتحالف مع هذا الطرف أو ذاك بل إن التحالفات تفرضها مصلحة الشعب المغربي" تتضارب التكهنات بخصوص ما يجري في الساحة السياسية المغربية في أفق انتخابات 2012. لكن الرغبة في تحجيم التشتت الحزبي والحد منه تفيد أن أقطابا سياسية كبرى في إطار التشكل. وليس التقارب بين الاتحاد الاشتراكي والبام سوى جزء منه. أما حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية فرغم اشتراكهما في بعض المرجعيات، إلا أن ما يفرقهما يبقى أكبر مما يجمعهما، في حين يواصل البام فرض نفسه كفاعل جديد لم تعد باقي الأحزاب تقوى على إهمال وجوده. أما باقي المكونات فتظل تترقب من بعيد تحركات أطراف اللعبة، مع الاستعداد الدائم للقيام بكل الأدوار المنوطة بها لتنشيط المشهد.