«اتحاديو 20 فبراير.. لا ديمقراطية بدون ملكية برلمانية» لافتة استوقفت الكثير من قياديي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهم يهمون بدخول مقر حزبهم للمشاركة في الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني للحزب، التي انعقدت يوم الأحد 27 فبراير المنصرم، وفيها عبر بعض رفاق عبد الواحد الراضي عن مطلب قديم يعود إلى أيام الصدام مع المؤسسة الملكية. وبالرغم من أن أشغال برلمان حزب الراحل عبد الرحيم بوعبيد غلبت عليها محاولة دفع قيادة الحزب إلى إعلان انسحابها من حكومة عباس الفاسي، فإن مطلب إقامة ملكية برلمانية وجد صدى له في تدخلات بعض أعضاء المجلس الوطني وكذا في البيان العام الصادر عن المجلس، إذ أكد على أن المغرب مطالب اليوم بالتوجه نحو «إصلاح دستوري شامل وعميق، وإقامة ملكية برلمانية تقوم على نسق مؤسساتي يضمن فصلا واضحا ودقيقا للسلط في انسجام مع المعايير الكونية للتدبير الديمقراطي الحداثي». رفع رفاق الراضي مطلب الملكية البرلمانية ليس وليد اللحظة السياسية الراهنة، بل يعود إلى مؤتمره الوطني الثالث، الذي انعقد سنة 1978، حين تم إصدار بيان سياسي يطالب بتأميم الدولة، وإقامة ملكية برلمانية ديمقراطية، وهو ما رفضه الملك الراحل الحسن الثاني، وتبعه حجز جريدة الحزب. وبمناسبة مؤتمره الثامن، الذي انعقد في شوطين سنة 2008، عاد الاتحاد الاشتراكي إلى إعلان تبنيه خيار الملكية البرلمانية، حين أشار البيان العام للمؤتمر الثامن في إحدى فقراته إلى أن تجاوز اختناقات المشهد السياسي يقتضي القيام بإصلاح دستوري ومؤسسي، كمدخل ضروري لتجاوز المعيقات التي تواجه الانتقال الديمقراطي، بالتوجه نحو إقرار ملكية برلمانية يحقق في إطارها مبدأ فصل وتوازن السلط بما يحفظ للمؤسسات كلها أدوارها ومكانتها ويدقق صلاحياتها ويؤهلها للاضطلاع بمهامها في هيكلة الحقل السياسي وتأهيله. غير أن اللافت في محطة المؤتمر الوطني الثامن كان هو تبني الاتحاديين مطلب الملكية البرلمانية دون تحديد مضمونها، ثم التراجع عنها فيما بعد بسبب خلافات بين من أوكلت إليهم مهمة صياغة البيان، قبل أن يضع الكاتب الأول عبد الواحد الراضي حدا لهذا «اللبس» من خلال تبريره وجود عبارة ملكية برلمانية في البيان الختامي للمؤتمر في البداية بكونها ناجمة عن «خطأ مطبعي»، وهو ما فسره متابعون وقتها بأنه تعبير عن عدم استعداد أحزاب اليسار الحكومي لطرح مطلب الملكية البرلمانية بمعناه المتعارف عليه في الأنظمة البرلمانية العريقة من قبيل بريطانيا وإسبانيا. ولئن كانت الملكية البرلمانية لها معان دقيقة عند فقهاء القانون الدستوري وأنظمة الحكم، وهي، تعني، فيما تعنيه، جعل الملكية تسود ولا تحكم، وربط السلطة بالمحاسبة والفصل بين السلط، وجعل السيادة الشعبية هي مصدر الشرعية والقرار، اخترع الاتحاد الاشتراكي «ملكية برلمانية» خاصة به سماها وزير الثقافة الأسبق محمد الأشعري في البرنامج التلفزي «حوار» ب «الملكية السياسية وليست الفقهية». وفيما يرجع متتبعون الغموض الذي لف مطلب الملكية البرلمانية في بيان المؤتمر الثامن، بعد أن جاء مقرونا بالإقرار بضرورة احتفاظ المؤسسات كلها بأدوارها ومكانتها، إلى محاولة قيادة الحزب احتواء غضب القواعد الحزبية وبعض القياديين الذين كانوا يطالبون ب«وقفة تأمل» وكذا الحفاظ على وحدة الحزب، تسبب مطلب الاتحاد بملكية البرلمانية في «حرج كبير» لحلفائه في الكتلة، خاصة حزب الاستقلال الذي لا يضع مطلب التعديلات الدستورية الرامية إلى تقليص سلطات الملك ضمن أولوياته. وشكك قياديون في حزب الاستقلال، حينها، في جدية مطلب الملكية البرلمانية، معتبرين أنه «مجرد شعار مستوحى من ماضي الصدامات مع المؤسسة الملكية، وجاء كردة فعل من قبل بعض الاتحاديين المتمردين ضد قيادتهم على خلفية النتائج المتواضعة التي حصل عليها الحزب في الانتخابات التشريعية لسنة 2007 والظروف التي رافقت مشاورات تشكيل حكومة عباس الفاسي. وفي انتظار أن تكشف الأيام القادمة إن كانت قيادة حزب الوردة ستبقي، خلال مشاوراتها مع حلفائها، على مطلب الملكية البرلمانية ضمن حزمة المطالب بالإصلاحات التي حدد سقفها بيان برلمان الحزب، يرى محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني، أن تبني المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي مطلب إقامة ملكية برلمانية مطلب قديم كان يتم توظيفه من قبل الحزب عقب كل تعديل حكومي، إلا أن سياق تبنيه حاليا هو محاولة استباقية من الحزب لوضع تصور مشترك للإصلاحات مع حلفائه، خاصة حزب الاستقلال، مشيرا إلى أن تلك الإصلاحات لن تتجاوز سقف البنية التحتية للدستور، خاصة في ظل رفض قياديي المكتب السياسي الذهاب إلى حد إحداث تغييرات على جوهر البنية الفوقية للدستور المغربي. وبالنسبة إلى زين الدين، فإن مطلب الملكية البرلمانية يستخدم كورقة الضغط من قبل أسماء قيادية لتحقيق مصالح شخصية، معتبرا في تصريحات ل«المساء» أن المطلب المعبر عنه في بيان المجلس الوطني الأخير «رسالة مفهومة إلى السلطة السياسية التي ستستوعبها بكل سهولة». وبرأي إدريس لكريني، أستاذ الحياة السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، فإن النقاشات والمطالب الجارية حاليا بصدد ضرورة إقامة ملكية برلمانية. وبغض النظر عما إذا كانت تعكس رغبة بعض الأحزاب في التغيير أو خشية أن يتجاوزها تلاحق الأحداث والتطورات، بعد أن طرحها الشباب خلال احتجاجات 20 فبراير، فهي تأتي في ظل حراك مجتمعي أسهم في إضفاء طابع شعبي على مطلب الإصلاح الدستوري، مشيرا في تصريحات للجريدة إلى أن الاتحاد الاشتراكي من خلال رفعه مطلب إقرار ملكية برلمانية يحاول العودة إلى الواجهة، واستعادة بعض بريقه الذي فقد وهجه في السنوات الأخيرة تحت محك العمل الحكومي وحصيلته المتواضعة. وأضاف لكريني في تصريحاته: «يبدو أن هناك وعيا لدى الحزب بأن الفرصة الآن سانحة بهذا الإصلاح بما قد يسمح بانتقال ديمقراطي حقيقي لأنه يأتي في ظروف دولية وإقليمية ومحلية تدعمه، وتختلف بشكل كبير عن الظرفية التي سمحت بالتعديلات الدستورية والإصلاحات السياسية، التي شهدتها فترة التسعينيات من القرن المنصرم، والتي لم تكن بالقدر اللازم لتحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي، مشيرا إلى أن الانتقال في أدبيات علم السياسة، وضمن تجارب عدد من الدول الرائدة في هذا الشأن في أوربا وأمريكا اللاتينية وغيرها، يتطلب وجود سقف زمني محدد، وشروط دستورية وسياسية تسمح بحدوث هذا الانتقال الذي يفترض أن يؤدي إلى الديمقراطية.