نظم منتدى أصيلة، مساء أول أمس، حفلا تأبينيا للشاعر العربي الكبير الراحل محمود درويش، بحضور نخبة من الكتاب والنقاد والمبدعين المغاربة والعرب. وقدمت في الحفل التأبيني شهادات في حق محمود درويش، ركزت على قيمته الشعرية والإنسانية ورمزيته النضالية، وترأسها محمد بن عيسى، أمين عام منتدى أصيلة، حيث تلا خلاله رسالة كان قد وجهها إلى درويش في الشهر الماضي، يدعوه فيها إلى الحضور إلى موسم أصيلة ضيفا، من أجل التنسيق لندوة دولية هامة حول تجربة درويش الشعرية تقام في موسم أصيلة في العام القادم، وقال بن عيسى: «لقد سبق القدر كل تدبير». نظم منتدى أصيلة الثقافي مساء أول أمس حفلا تأبينيا للشاعر العربي محمود درويش، وقال الناقد التونسي عبد السلام المسدي إن رحيل محمود درويش خسارة للشعر العربي، هو الذي وهب حياته من أجل الشعر وللشعر، ومن أجل قضايا أمته العربية، ووصفه بشاعر الإنسانية الكبير وبالصديق العزيز، وقال: «تلقيت الخبر الفاجع بتأثر كبير»، وأضاف أنه إذا كان الموت ينتصر على الإرادات القوية فإنه لن يؤجل التمنيات الصادقة. من جهته، قال محمد بن عيسى إن أصيلة كانت تفكر في خلق حدث ثقافي كبير باستضافته، وإنه كان من المنتظر أن يحل بمدينة أصيلة في 11 من غشت الجاري، وإنه أبدى موافقته على القدوم إلى المهرجان، من أجل التنسيق لإقامة احتفالية كبيرة له العام المقبل، لكن الموت لم يترك لنا الحظ كي نتشرف بهذا الحضور الكبير للشاعر. وقال بن عيسى إن محمود درويش كان قد زار مهرجان أصيلة سنة 1979، وإنه كان قد أحيا أمسية حاشدة في مهرجانها الأول، ومنذ ذلك التاريخ والمهرجان يحاول أن يستضيفه، لكن الظروف لم تكن تسمح لدرويش بمعاودة الزيارة. وأشار بن عيسى إلى أن زيارة محمود درويش للمهرجان كانت خير سند له، وأضاف أنه وجه رسالة إلى محمود في الشهر الماضي يدعوه فيها إلى النزول ضيفا على المهرجان، وقرأ بن عيسى نص الرسالة، ثم أشار إلى أنه سيعمل مع بلدية أصيلة، التي يرأسها، على إطلاق اسم محمود درويش على أجمل الحدائق في مدينة أصيلة. وقال سليمان العسكري، رئيس تحرير مجلة العربي الكويتية الذي حضر إلى ملتقى أصيلة للمشاركة في ندوة «الإعلام العربي والتحديات»، إنه رغم الغياب الجسدي لدرويش، فإن الشاعر سيستمر لوقت طويل في الوجود كتجربة شعرية فائقة، مادامت أرضه فلسطين لم تتحرر، ومادام الحق العربي مهضوما. وتحدث العسكري عن علاقته بدرويش التي تعود إلى أيام الدراسة في القاهرة، حينما كان درويش يكتب في «المصور»، وذكر عنوان مقاله الساخر: «هل تسمحون لي بالزواج؟»، مشيرا إلى الطابع الساخر الذي ميز الأعمال الشعرية لدرويش. وقال الدكتور صلاح فضل، في الكلمة التأبينية التي ألقاها في الحفل، إن محمود درويش طفل سماوي جميل استطاع منذ مطلع شبابه أن يصبح أسطورة ورمزا، كما استطاع أن يجسد طريقا فريدا في الشعرية العربية، لقد كان يحمل طاقة تحويل الكلمات العادية إلى كلمات تحترق بالدلالة، ورافق شعره وعي مذهل، واختار من بين رموزه الشعرية المتنبي ونزار قباني، ومنذ قصيدة «سجل أنا عربي» سجل الطلقة الفلسطينية الأولى الحرة. وتحدث الشاعر والروائي المغربي أحمد المديني في كلمته عن القوة التي تتحلى بها قصيدة محمود درويش، تلك القوة التي صاغها المديني على شكل تعريفات للشعر وللقصيدة الحقيقية. وعبر الشاعر العماني سيف الرحبي ورئيس تحرير مجلة «نزوى» عن هول الفقدان، مسلطا الضوء على جوانب حياتية وشعرية وإنسانية كان يتحلى بها الراحل، وأيضا على صداقاته الحميمية، وقال الرحبي إن درويش من أكبر شعراء التاريخ الإنساني على الإطلاق، وإنه استطاع أن يوفق بين القضية وبين الأبعاد الوجودية التي انتمى إليها الشاعر. وتوقف الناقد المغربي عبد الرحيم العلام عند المكانة الخاصة التي يحتلها درويش في وجدان الأصدقاء والأحباء وعموم قرائه في الوطن العربي، واعتبر أن جبل درويش لم يهو ولم تصبه الخيبة، وأنه سيظل على الدوام شامخا، لأنه انفلت من شرنقة النموذج، كما قال العلام. الكاتب السوداني محمد إبراهيم الشوش قال إن درويش كان ظاهرة شعرية وصوت أمة، وأضاف أنه لما مات درويش ماتت الكلمات وتوقف العالم. كما تحدثت الشاعرة المغربية إكرام عبدي عن علاقتها الخاصة بشعر درويش، وعما تعلمته منه باعتبارها شاعرة شابة، معبرة عن أسفها لهذا الفقد الكبير. وركز الكاتب والروائي التونسي حسونة المصباحي على أن محمود درويش ينتمي إلى القائمة الذهبية لشعراء البشرية، تلك القائمة التي تضمه إلى الشعراء العظام الذين عبروا التاريخ البشري. وقال حسونة إن درويش درسته المنافي واستطاع أن يكون تجربة شعرية كبيرة، تبلورت على وجه الخصوص في مرحلة باريس، وظل من خلالها محافظا على استقلاليته الفكرية. بينما تحدث الشاعر العراقي صمويل شمعون على لقاءاته المتقطعة مع محمود درويش في مرحلة بيروت وفي مرحلة باريس بعد ذلك، كما استعرض بعض تفاصيل هذه اللقاءات، التي ترسم صورة عن الإنسان وعن الرجل. وأشار الشاعر المغربي المهدي أخريف إلى أن علاقته الأولى مع درويش بدأت في 1979 ثم تطورت إلى علاقة صداقة متقطعة لكنها وطيدة، وتوقف عند ملامح السخرية في قصيدة درويش، وبالأخص تلك التي كتبها في السنوات الأخيرة، وسمى قصيدته بقصيدة جذر العبور عبر العالم. وختم مبارك ربيع، الروائي المغربي، الأمسية التأبينية بالإشارة إلى أن درويش هو صاحب صوت شعري حاسم ضد الاستبداد حتى ولو كان هذا الاستبداد تقدميا.