- ما هي قراءتكم للحركات الاحتجاجية التي يعرفها المغرب؟ < ما يمكن ملاحظته هو أن الدافع الاقتصادي، في أغلب الأحيان، هو الذي يحرك الاحتجاج في المغرب. فارتفاع الأسعار، وانعدام مناصب شغل، والبحث عن تأمين موقع اجتماعي مهم أو على الأقل نوع من العدالة الاجتماعية، هي المحركات الأساسية للاحتجاج في المغرب. وقد تغيرت هذه الحركات من ناحية الشكل ومن ناحية المضمون، فالشكل الأكثر بروزا هو احتلال الفضاء العمومي واستغلال الشارع كمكان لممارسة احتجاجاته، إضافة إلى تغيير الشكل الاحتجاجي من ثقافة العنف إلى ثقافة التظاهر السلمي. فقد أصبح اليوم المحتجون يبدعون أشكال احتجاجية سلمية جديدة كوضع الكمامات على الوجه، ورفع بعض المواد الاستهلاكية أو صنع مجسمات كاريكاتورية. كل هذه الأشكال الاحتجاجية هي تعبير عن أزمة خانقة وعن وضع اجتماعي معطوب. هناك من يرى أن انتشار هذه الحركات الاحتجاجية التي يعرفها المغرب حاليا دليل على اتساع هوامش الحرية ولا يمكن أن ننكر ذلك، لكن عندما نقرأ شروط إنتاجها الأولية سنجد أن الأزمة الاجتماعية هي التي تحركها وليس هوامش الحرية. - ما هي مدى خطورة هذه الحركات الاحتجاجية في ظل كون معظمها غير مؤطر؟ < نلاحظ اليوم أن هناك طلاقا بين الحركة الاحتجاجية وبين النخب السياسية، فإذا كانت الحركات الاحتجاجية التي شهدها المغرب في الثمانينات مثلا كانت يد الأحزاب فيها بشكل من الأشكال، إما من خلال التوجيه الضمني أو الاحتواء أو التأييد الإعلامي، فإننا اليوم نلاحظ أن الكثير من هذه الحركات بعيدة كليا عن أي انتماء سياسي، حيث ظهر فاعل جديد احتل موقع الأحزاب وهو الفاعل الجمعوي التنموي المحلي. فعندما نتأمل السكرتارية المحلية لسيدي إيفني نجد أن أغلب مكوناتها إما من أحزاب اليسار الجذري وإما من الجمعيات المحلية التنموية. نحن نعلم أن الانتفاضة في انطلاقتها هي عمياء ولا حدود لها ولا أحد يتوقع أين ستنتهي وأين ستبدأ. الفاعل الحزبي ترك مساحته فارغة بسبب انتقال عدد من الأحزاب إلى دفة الحكم، مما جعلها تتخلى عن نضالية الجماهير وتلتحق بكعكة المخزن، وهذا ما يجعل من الحركات الاحتجاجية في المغرب تسير من دون بوصلة. لكن الحركات الاحتجاجية تعاني من الخبو السريع ولا تصل إلى أهدافها، حيث تبدأ بسقف مطلبي مرتفع ولكن، إما عن طريق هراوات المخزن أو آليات الاحتواء، تنتهي هذه الحركة في منتهاها. أقصر الطرق في التعامل مع الفعل الاحتجاجي المغربي هو الحل الأمني، في حين أن الحل المفروض هو الحل التفاوضي التنموي بالأساس، ولكن للأسف فنحن دائما ننحو نحن الحلول السهلة. - ما هو تقييمكم للإجراءات التي اتخذتها الحكومة لإخماد هذه الاحتجاجات؟ < الكل يعرف جيدا أن المغرب يعيش على إيقاع الاحتقان، والذي بات حاضرا بقوة في كل تفاصيل المشهد المجتمعي. الدولة تنتهج أسلوبا إدماجيا عن طريق إطلاق مجموعة من المبادرات من بينها الحوار الاجتماعي، والنقاش الملغوم حول صندوق المقاصة، و500 درهم التي ستعطى للفقراء... كل هذه هي آليات لاحتواء وامتصاص الغضب الشعبي، لكن هل هذه الآليات ستنتج عنها تغييرات جذرية أم أنها ستظل مثل قرص الإسبرين؟ الأزمة الاجتماعية المغربية تستوجب حلا جذريا لا يمكن أن يكون إلا إعادة توزيع الثروة الوطنية، وإعادة الاعتبار إلى الإنسان وكرامته، والانتقال من دولة الرعايا إلى دولة المواطنين. * باحث اجتماعي متخصص في الحركات الاحتجاجية