ما زالت الولاياتالمتحدةالأمريكية تعيش على وقع المفاجأة التي أحدثها كتاب صدر هذه السنة يحمل عنوان «حقيقة ما حدث... داخل البيت الأبيض في عهد بوش وثقافة الخداع في واشنطن». وليس مؤلف الكتاب سوى أحد رجال بوش السابقين، بل الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض لمدة قاربت الثلاث سنوات، إنه سكوت ماكليلان الذي يكشف في كتابه هذا « كيف ضلل جورج بوش العالم وزور تقارير مخابراتية لكي يغزو العراق». أولي اهتماما كبيرا لتبيين أن الرئيس كان ناجحا في التواصل مع أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، خاصة أن الكونغرس كان مقسما، لكن الغرفتين كان يهيمن عليهما الحزب الديمقراطي، كان مجلس الشيوخ مقسما بالتساوي بين الحزبين، خمسون عضوا من كل حزب، لكن نائب الرئيس ديك تشيني كان يملك الصوت الحاسم، وهو الشيء الذي يعطي السيطرة للجانب الجمهوري، ورغم ذلك فقد تم الاتفاق على تدبير القرارات المتخذة مع الديمقراطيين. في الأسابيع الأولى من وصول بوش إلى الرئاسة، عقد سلسلة من الاجتماعات مع زعماء من كلا الحزبين لمناقشة أبرز القضايا الوطنية، بما فيها التعليم وتخفيف الثقل الضريبي، وهي أكبر تحد وضعه بوش أمام عينيه، وحاول تمرير مشروع قانون حول حقوق المرضى. فقررنا أن نسلط الضوء على ما حققه بوش في مجال تواصله مع الحزبين على حد سواء. كانت أول رحلة لي مع الرئيس في إطار عملي في البيت الأبيض تلك التي قمنا بها من أجل حضور اجتماع أعضاء الكونغرس الديمقراطيين، الذي انعقد في أحد المنتجعات في بيتسبورغ في نهاية الأسبوع الأولى من فبراير. كان هذا سبقا يحتسب لبوش لأنه حضر اجتماع الأعضاء الديمقراطيين في حين لم يسبق لكلينتون أن حضر اجتماع أعضاء الكونغرس الجمهوريين، لهذا لفتت هذه الخطوة التي قام بها بوش انتباه جميع وسائل الإعلام، كما حظيت بإعجاب الكثير من الزعماء الديمقراطيين. لم يكن اجتماع الديمقراطيين مفتوحا في وجه الصحافة. وعندما تناول الرئيس الكلمة خلاله قال: «سأفعل كل ما في وسعي من أجل تغيير نبرة الحوار بين السياسيين في واشنطن، كل أملي أن يستطيع الناس الاختلاف بطريقة ودية. إلغاء النزعات الحزبية سيأخذ وقتا، لكني واثق من كوننا وبتكاثف جهودنا سنصل إلى فعل ما فيه مصلحة البلد أولا وقبل كل شيء». كان الاجتماع وديا وسلسا، لكن كان من الصعب الجزم بأن الديمقراطيين كانوا مستعدين لتقبل ما أعلنه بوش من رغبة في العمل مع الحزبين الأمريكيين كليهما، وبأنهم يصدقون أنه مخلص في ما قاله. لقد كان بعض الديمقراطيين لايزالون غاضبين من بوش بسبب الطريقة التي تم وفقها الحسم في الانتخابات الرئاسية في فلوريدا، لذلك حرص البعض منهم على الإلحاح على بوش في أن يعيد النظر في طريقة إجراء الانتخابات، وهو ما كشف عن وجود تشكيك في خطاب بوش وتوترات خفية لم تظهر على السطح. لكن معظم الزعماء الحاضرين أظهروا ترحيبا كبيرا بالأمر حتى ولو شككوا فيه، وأرادوا أن ينتظروا ليروا إذا كان بوش صادقا في كونه سيحكم بشكل وسطي وسيأخذ بعين الاعتبار اهتمامات الديمقراطيين. من الطرق التي جربناها لكي نضبط أجندتنا الرئاسية أننا حددنا لكل أسبوع موضوعا نقوم بالعمل عليه، بحيث يتمحور جدول ظهور الرئيس خلال أسبوع معين بأكمله على الموضوع المختار، فمثلا نركز خلال أسبوع على ظهور الرئيس في مناسبات تتعلق بمجال التعليم، فيظهر الرئيس في المدارس وهو يتحدث مع مجموعات من الأساتذة وأولياء الأمور، وخلال أسبوع ثان يركز جدول أعمال الرئيس على تقليص الثقل الضريبي من خلال اللقاء مع أسر معنية ومع أرباب مقاولات صغرى ومتوسطة لكي يشرح لهم كيف سيستفيدون من خطة التخفيض الضريبي التي يسعى إلى تطبيقها، تماما كما كان يفعل معهم أيام الحملة الانتخابية، وخلال أسبوع ثالث يركز الرئيس على قضايا الدفاع، حيث قام الرئيس بأول رحلة له إلى قاعدة عسكرية، وكانت هي قاعدة فورت ستيوارت في جيورجيا، حيث» ظهر وهو يتحدث عن مبادرته من أجل سكن وأجور أفضل للجنود الأمريكيين. كان كل ذلك جزءا من خطتنا لكي ينطلق الرئيس انطلاقة جيدة وأن نرسم له صورة الزعيم السياسي القوي الذي يركز كل مجهوده على تطبيق الوعود التي قطعها على نفسه أثناء حملته الانتخابية. لقد استمتعنا داخل إدارة بوش بالنجاحات التي حققناها في مجال إلغاء النزعة الحزبية وبناء روح التعاون بين الحزبين، وبنجاحنا في تمرير قانون تقليص الضرائب أيضا، لكن بعد ذلك جاء اليوم الذي غيَّر كل شيء، الحادي عشر من شتنبر.