ما زالت الولاياتالمتحدةالأمريكية تعيش على وقع المفاجأة التي أحدثها كتاب صدر هذه السنة يحمل عنوان «حقيقة ما حدث... داخل البيت الأبيض في عهد بوش وثقافة الخداع في واشنطن». وليس مؤلف الكتاب سوى أحد رجال بوش السابقين، بل الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض لمدة قاربت الثلاث سنوات، إنه سكوت ماكليلان الذي يكشف في كتابه هذا « كيف ضلل جورج بوش العالم وزور تقارير مخابراتية لكي يغزو العراق». يوم الاثنين 16 شتنبر عام 2002، رافقت الرئيس في رحلة يوم واحد إلى دافنبورت في أيوا. كان قد قرر أن يلقي خطابا أمام مجلس الشيوخ لكي يدعوهم فيه إلى التصويت على الميزانية بالموافقة على تمويل الأولويات ولو على حساب التقشف في بعض الأشياء الأخرى. وبصفتي سكرتيرا منتدبا مكلفا بالصحافة في البيت الأبيض فقد حللت محل أري فيشر السكرتير الأول المكلف بالصحافة والناطق باسم البيت الأبيض، لأنه كان في عطلة. ورغم أن «رسالة اليوم» بالنسبة إلى الرئيس كانت حول موضوع النظام الضريبي إلا أنه استمر في طرح موضوع العراق، معيدا شرح ما قاله أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك قبل أربعة أيام. وكان بوش قد ركز في خطابه في الأممالمتحدة على جهود إدارته من أجل حشد الدعم العالمي لمواجهة عسكرية محتملة مع العراق. وقد تحدث الرئيس عن نظام صدام حسين قائلا إنه نظام استبدادي يقمع الشعب العراقي، لا يعبأ بقرارات مجلس الأمن التي تطالبه بالتخلي عن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية التي يملكها، وأنه ينوي تطوير أسلحة دمار شامل، ومساندة الإرهاب. وشدد بوش على أن كل هذه المعطيات تجعل من النظام العراقي «خطرا محدقا» لا يمكن بعد اليوم تجاهله في عالم ما بعد 11 شتنبر، بل إنه لم يتردد في الإعلان عن نواياه في هذا الخصوص، والتي حددها قبل ذلك بشهور في أنه «سيرغم النظام العراقي على تنفيذ قرارات مجلس الأمن بالقوة، ستتم الاستجابة إلى حاجتنا إلى الأمن والسلام، وإلا فإنه لن يكون هناك مفر من التدخل العسكري. النظام الذي فقد شرعيته سيفقد قوته أيضا». كإدارة تقدر جيدا أهمية النظام في التواصل، ركز بوش في تلك المرحلة على « تقريب الرأي العام من مفهوم الخطر المحدق» (هكذا سمينا حملتنا من أجل تسويق فكرة الحرب). استغل الرئيس وطاقمه الأمني القومي وباقي مستشاريه الشخصيين منتدى الأممالمتحدة كفرصة لتسليط الضوء على التهديد القائم وعلى أهمية مجابهته في أوانه. ربما كانوا يعرفون أنه من المستبعد جدا أن يجبر الضغط الأممي صدام حسين على التخلي عن تسلحه طوعا، لهذا كان ديك تشيني يرى أن المرور عبر طريق الأممالمتحدة بلا جدوى، فقد كانت المرة الوحيدة التي رضخ فيها صدام لقرارات الأممالمتحدة هي بعد هزيمته العسكرية الكبيرة في حرب الخليج عام 1991. مع ذلك فقد اعترفت الغالبية داخل إدارة بوش بضرورة أن تبين للعالم أنها لم تلجأ إلى شن الحرب على العراق إلا بعد أن استنفدت كل المحاولات الدبلوماسية. كان الرأي العام الأمريكي آنذاك مساندا لبوش، حيث كان وقع فاجعة الحادي عشر من شتنبر لا يزال حاضرا بقوة في أنفس الأمريكيين. وكان بوش قد أحيى قبل أسبوع الذكرى الأولى لهجمات الحادي عشر من شتنبر، حيث ظهر في إخراج مؤثر، وقف الرئيس وإلى جانبه تمثال الحرية، بينما ظهر في جانبه الآخر العلم الأمريكي خفاقا، وتحدث عن تلبية نداء التاريخ إلى نشر الحرية وإنقاذ العراق قائلا «لن نسمح لأي إرهابي أو مستبد أن يهدد الحضارة بأسلحة الدمار الشامل. اليوم كما في المستقبل سيعيش الأمريكيون كشعب حر، لا يعرف الخوف، وبعيدا عن رحمة أي قوة أجنبية». من البديهي أنه لم يكن كل الأمريكيين مساندين لفكرة مواجهة العراق، لكن نسبة مساندتهم لفكرة المواجهة العسكرية ارتفعت في نونبر 2001 لتصل إلى 74 في المائة من الشعب الأمريكي، لكنها ما لبثت أن انخفضت مع نهاية 2002، بعد أن بدأ حلفاء أمريكا والمحللون العسكريون الحديث عن الثمن المفترض أن تدفعه أمريكا ماديا وبشريا مقابل هذه الحرب، وذلك حسب استطلاع رأي أجرته «يو إس إي توداي» في حينها.