لقد تم توديع السنة الميلادية 2010 والانتقال إلى سنة 2011 على إيقاع أحداث غير معهودة على مستوى الشارع العربي، إذ انطلقت هذه الأحداث من مدينة العيون في الصحراء المغربية على إثر تدبير محكم من الجيران كاد يؤثر على المسيرة التفاوضية بين المغرب وجبهة البوليساريو، وإنهاء ملف الصحراء المغربية لولا يقظة المغرب ووعيه بوجود أعداء الوحدة الترابية متربصين في كل وقت وحين. وقد انتهت المسألة، على كل حال، بتأكيد المغرب، من خلال موقفه تجاه هذه الأحداث، على أن المملكة المغربية لن تزحزحها المحاولات المفبركة من طرف أعداء الوحدة الترابية، ولا أدل على ذلك إنهاء هذه الأحداث سلميا بالاستجابة لمطالب اعتبرت موضوعية، مقابل التضحية بشهداء من القوة العمومية من غير إصابة أي مواطن على الإطلاق. وما إن تأكد أن جهات أجنبية كانت وراء تلكم الأحداث حتى تراجعت وتيرة التوتر الذي خلقه الجيران، وتأكد أن موقف المغرب ثابت ولن يتزعزع، وأن مسيرته الديمقراطية والتنموية في أقاليمه الصحراوية وفي مختلف مناطق المملكة جارية على قدم وساق، ولن يستطيع أي كان عرقلتها. لم تمر على تلكم الأحداث سوى أسابيع قليلة حتى انطلقت شرارة الشارع بكل من الجزائروتونس، تلتها مظاهرات صاخبة بكل من مصر والأردن واليمن وغيرها من الدول العربية، فهل يتعلق الأمر يا ترى بانتفاضة خبز أم بانتفاضة كرامة؟ إن تحرك الشارع في مختلف أنحاء العالم ليس أمرا جديدا، لأن الشارع ينتفض كلما أحس بالضغط غير القابل للتحمل، وبالتالي يكون الانفجار هو السبيل إلى التغيير، والتغيير سنة الحياة، وهو يتطلب بالضرورة التضحية لتحقيق نوع من التوازن الاجتماعي بين الفئة الحاكمة والمحكومة ينتهي إلى عقد ميثاق جماعي يتم العمل بمقتضياته، فما هو نوع التغيير الذي انتفض من أجله الشارع العربي؟ وما هي القواسم المشتركة التي تجمع بين مختلف الدول العربية بخصوص هذه الانتفاضة؟ لا شك أن الهم الأساسي للمجتمعات العربية هو، أولا وقبل كل شيء، العيش الكريم للمواطن العربي. وهذا المطلب لن يتأتى إلا بتوفير ضروريات الحياة الاجتماعية من تعليم وصحة وعدالة واستقرار وأمن، وإن كانت هذه العناصر قد لا تتوفر بأكملها حتى لدى بعض البلدان العريقة في الديمقراطية، لأن أس توفير العيش الكريم لأي مجتمع من المجتمعات يقتضي بالضرورة الحد الأدنى من الديمقراطية بهذا المجتمع، وهذه المسألة غير متوفرة لدى الشعوب العربية لأن البنية الاجتماعية غير مؤسسة، وتمتيع المواطن بحقوقه وإلزامه بواجباته يقتضيان مستوى من الوعي الاجتماعي الذي لن يتحقق إلا بوجود ديمقراطية حقة في بلده. وهكذا، فإن اضطرار التونسي البوعزيزي، رحمه الله، إلى «الانقتال» وليس الانتحار رغم أن هذه الكلمة غير مقبولة لدى النحويين واللغويين والمناطقة، ولكن طبيعة العمل الذي أقدم عليه البوعزيزي ليس بانتحار، وإنما وسيلة غير طبيعية عبر بواسطتها عن إنهاء حياته والقصة معروفة، وقد تلاها ما تلاها من أحداث وشغب، وأضحت المسألة في عداد ثورة شعبية دخلت التاريخ من أبوابه الواسعة. إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه هو هل المسألة ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه لولا مبادرة الشاب التونسي الذي ضحى بنفسه حرقا؟ لا شك أن جل المتتبعين لهذا الحدث وأغلبية القراءات متفقة على أن من أشعل نار الانتفاضة هو ذلكم الشاب، رحمه الله، ولولاه لما حصل ما حصل، إلا أن الرأي الراجح الرصين سار في اتجاه أبعد مقتضاه أن هذا الحدث إنما هو النقطة التي أفاضت الكأس وأن الانتفاضة كانت ستقع لا محالة، وبناء على أي سبب كان، بدليل رفض حلفاء الأمس استقبال الهارب من وسط الانتفاضة، وتأييد بعض الحلفاء الآخرين لما وقع وتعبيرهم صراحة عن دعمهم لإرادة الشارع التونسي. الملاحظ أن هذه الانتفاضة قد خلقت صحوة جديدة بالشارع العربي، وذلك بخروج آلاف المتظاهرين في مختلف الدول العربية سيرا على هدي ما وقع في تونس. وقد لوحظ تردد الحلفاء بالاكتفاء بالتأكيد على قلقهم مما يقع في دولة مصر العربية الشقيقة لأن أي خطوة أخرى غير هاته قد تبعثر الأوراق في منطقة الشرق الأوسط، وتجعل موازين القوى في المنطقة تختل، وهي مسألة ليست في صالح حلفاء مصر الأساسيين، وبالتالي فإن التغيير القادم ينبغي أن يتم وفق أجندتهم وليس وفق إرادة الشارع المصري لوجود مصالح استراتيجية حائلة دون ذلك، وهو الأمر الذي لا يعرفه الكثيرون، بدليل الخسائر التي ألحقها المتظاهرون في مصر بالملك العام والخاص، والنهب الذي أقدم عليه بعضهم والذي شمل، مع الأسف، التحف الأثرية التي تشكل الهوية المصرية. لعل ما وقع وما قد يقع مستقبلا إنما هو حلقة طبيعية من الأحداث التي عاشها العالم الغربي قبل عهد الأنوار وبعده في إطار مواجهة النظام الإقطاعي، والفلك المغلق الذي كان يعيشه العالم الغربي وقتئذ. إلا أن ما ينبغي الاعتراف به هو كون التغيير الديمقراطي على المستوى العالمي يسير بوتيرة غير معهودة، وأن التأسيس لعالم جديد مسألة محتومة، وبالتالي لا بد من مسايرة هذه النهضة الحتمية الجديدة التي ستعم العالم بلا شك مع الوقت. الطاهر عطاف - محام بهيئة الرباط