- تحدث بعض المراقبين عن دخول باهت للمهاجرين خلال الموسم الجاري، هل تؤكد الأرقام المتوفرة لديكم صحة المعلومات المتداولة؟ < أبدا، فالأرقام تؤكد عكس ما يشاع، بحيث هناك تزايد في عدد المغاربة المتوافدين على المغرب إلى حدود الأسبوع الأخير من هذا الشهر. وأؤكد أن هذه السنة هناك زيادة تفوق 10 في المائة في أعداد المهاجرين المتوافدين على المغرب مقارنة مع السنة الماضية. وبلغ عدد المهاجرين الذين حلوا بالمغرب مليونا و400 ألف نسمة، وهذا يبين أن المغاربة يقبلون على قضاء عطلتهم في بلدهم الأصلي. ونتوقع هذه السنة أن يرتفع عدد المهاجرين الذين سيدخلون للمغرب خلال الأسابيع الأخيرة، حيث أن عددا من المهاجرين أجلوا عطلتهم إلى شهر رمضان. وهنا تجب الإشارة إلى نقطة مهمة، وهي أن عودة المهاجرين لم تعد مرتبطة فقط بفصل الصيف كما كان في العقود الماضية، حيث لوحظ في السنوات الأخيرة ظاهرة جديدة تتمثل في عودة المغاربة على طول السنة. وخلال السنوات الأخيرة، فوجئ المسؤولون بعدد من الموانئ بوصول أعداد هائلة من المهاجرين خلال فترات الأعياد الدينية، وهذا دليل على أن هناك توجها جديدا في مجال الهجرة يقتضي التعامل مع ملف المهاجرين وفق نظرة شمولية وليس نظرة موسمية مرتبطة فقط بالصيف. - كم سجل عدد المهاجرين الوافدين خلال السنة الماضية؟ < في السنة الماضية دخل مليونا نسمة من المهاجرين إلى المغرب، وذلك راجع لتطور عدد من القطاعات بالبلاد التي ساهمت في الرفع من أعداد المهاجرين المغاربة الوافدين على المغرب والسياح أيضا. وتشير الأرقام المتوفرة إلى أن عدد المغاربة المقيمين بالخارج تضاعف بين سنة 1998 وسنة 2007، حيث مر العدد من مليون و600 ألف إلى ما يفوق ثلاثة ملايين و500 ألف مغربي يعيشون بالخارج، وهذا التطور مرتبط بنقطة مهمة تتعلق بالتجمع العائلي، وأيضا بالتزايد الديمغرافي في بلدان الإقامة، وبالهجرة الحديثة، خاصة في اتجاه بعض الدول الجديدة، أو ما يسمى بمناطق الهجرة الجديدة كإيطاليا وإسبانيا، وأمريكا وكندا وبعض الدول العربية. - ما هي الدول التي يتركز فيها أكبر عدد من المهاجرين المغاربة؟ < إذا لاحظنا خريطة الجالية المغربية بالخارج اليوم فهي على الشكل التالي، تقريبا ما يفوق 80 في المائة موجودين في أوربا، وداخل أوربا هناك قطب أساسي هو فرنسا التي تمثل ما يفوق 40 في المائة من الجالية. وإلى جانب ذلك، المغاربة متواجدون في كل القارات، في أمريكا وكندا وأستراليا وإفريقيا والعالم العربي وآسيا، وهذه ظاهرة جديدة عرفتها الهجرة المغربية وهي عولمة الهجرة، مع تركز كبير في الدول الأوربية بحكم الجوار والتاريخ وكذا الإمكانات التي فتحت في السنوات الأخيرة في وجه الجالية وخاصة عمليات التسوية التي أقامتها بعض الدول كإسبانيا وكذلك إيطاليا وبعض الدول الأخرى. - تحدثتم عن إسبانيا، ألا ترون بأن الجالية المغربية المقيمة بإسبانيا تعاني مشاكل كثيرة هناك، مقارنة مع بلدان أخرى؟ < الحديث عن إسبانيا يدفعنا للتمييز بين مستويين، الأول يهم إسبانيا وإيطاليا وكل الدول حديثة الهجرة، ومشاكل الجاليات بهذه البلدان أكثر من مشاكل الجاليات التي تستقر في بلدان أخرى قديمة ولها تاريخ داخل هذه الدول وراكمت تجارب مهمة، وعانت هي الأخرى من مشاكل في مراحل معينة ولكنها اليوم في وضعية أحسن. وهذا يهم بالأساس فرنسا وبلجيكا وهولندا... المستوى الثاني هو أن الدول التي عرفت هجرة حديثة كإسبانيا وإيطاليا تعرف الجاليات المقيمة بها مشاكل كثيرة جراء تدفق أعداد المهاجرين في السنوات الأخيرة وهو ما لم يسمح بالمواكبة اللازمة من حيث التأطير والتنظيم والخدمات الإدارية على الرغم مما يبذل من مجهودات في هذا الإطار. الحديث عن إسبانيا وكأنها البلد الذي يعرف فيه المهاجرون أكبر المشاكل أعتقد أنه معطى يجب مراجعته. وأعتقد أن أوضاع الجالية المغربية في إسبانيا لا تختلف عن أوضاع الجالية في إيطاليا وهولندا... فأوربا لها نفس السياسة تجاه الجالية، وهي التشدد، وهذا التشدد مرتبط أساسا بمناخ سياسي تعيشه هذه الدول. - لكن أحداث مورسيا الأخيرة، والتي تم خلالها التنكيل بالمهاجرين تشير إلى أن أوضاع الجالية هناك مختلفة تماما؟ < ما حدث في إسبانيا من أحداث أخيرة، خاصة فيما يتعلق بأحداث مورسيا، التي أقرت السلطات الإسبانية بوجود تجاوزات في تلك الأحداث وقدمت فيها اعتذارات وفتحت فيها تحقيقا لمعرفة أسباب تلك التجاوزات لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها سياسة الحكومة الفدرالية تجاه الجالية المغربية. ما جعل وضعية الجالية المغربية في إسبانيا تكون بارزة عن غيرها، هو سياسة الحكومة الإسبانية فيما يخص العودة، حيث أولت الصحافة الإسبانية اهتماما كبيرا لهذا الموضوع على اعتبار أن الجالية المغربية هي أكبر جالية مقيمة في إسبانيا، وتصل إلى 650 ألف نسمة وهي أول جالية أجنبية في هذا البلد. - سنويا تتوجه أعداد كبيرة من النساء المغربيات للعمل بحقول التوت بمنطقة ويلبا الإسبانية وفق عقود عمل موسمية، وبعد عودتهن، تحدث بعضهن عن تحرشات واستغلال لهن من قبل المشغلين، هل فتحتم كوزارة وصية تحقيقا للتأكد من صحة مثل هذه التصريحات؟ < ملف النساء العاملات في حقول ويلبا كان موضوع جدل كبير ومزايدات، وهو ما جعلنا نقوم بزيارة على مدى ثلاثة أيام لعين المكان. وخلال هذه الزيارة قمنا بمعاينة النساء في أماكن العمل والسكن. وفي أبريل الماضي، انتقل إلى هناك وفد مهم يضم وزير الجالية ووزير الشغل إلى جانب وفد برلماني وكان لنا حديث مع المسؤولين الإسبان في الموضوع. - وماذا كانت النتيجة؟ < ما وقفنا عليه وما سمعناه من المعنيات بالأمر هو أن الأوضاع تختلف من ضيعة لأخرى ومن مؤسسة لأخرى، وعاينا نموذجين، أحدها هائل بحيث تعيش العاملات في مناطق للسكن تتوفر فيها كل الشروط اللازمة، ولمسنا راحة المغربيات العاملات هناك، كما عاينا مراكز أخرى مكتظة وتوفر ظروف عيش أقل راحة من سابقتها. وعموما فإن هاجس المغربيات العاملات هناك ليس هو ظروف العمل، ولكن الهاجس الوحيد الذي لمسناه لديهن هو العودة في السنوات المقبلة وأن يتمكن من الاشتغال طوال المدة التي يعشنها في البلد. والأرقام المتوفرة تبين أن نسبة الرجوع في السنة الماضية فاقت 95 في المائة، يعني أن خمسة في المائة فقط هن من لم يتمكن من الرجوع ولم يحترمن ما تم الاتفاق بشأنه. ومع ذلك، فنحن لاحظنا شيئين اثنين بلغناهما للمسؤولين الإسبان، بحيث لا يمكن حصر العملية في الشغل ولابد من التفكير في أنشطة ثقافية موازية لمواكبة إقامة النساء المغربيات هناك. واقترحنا على المسؤولين عن هذا البرنامج إدماج بعد يتعلق بالتنشيط الثقافي. - إذن الأمر يتعلق بادعاءات من وجهة نظركم؟ < صحيح أننا سمعنا بأن هناك بعض الممارسات، ولكن مثل هذه الأشياء تبقى سلوكات خاصة تهم الأشخاص. والمهم أنه ليس هناك إرادة أو مخطط ممنهج للاستغلال الجنسي لهؤلاء العاملات. - قلتم أنه كانت زيارة وفد رسمي، ألا ترون أنه يصعب على العاملات أن يبحن بما قد يمكن أن يتعرضن له لوفد رسمي؟ < المهم أنه لم تصرح لنا أي واحدة بأنها تعرضت لاستغلال جنسي، ويمكن أن تكون سلوكات مناقضة لحالات معينة، وهذه أشياء لا تهمنا لأن كل شخص مسؤول عن نفسه وعن تربيته. - هل تم تسجيل شكايات ضد مغربيات عاملات هناك؟ < أبدا لم نتلق أي شيء. - سطرت وزارتكم برنامجا للنهوض بأوضاع الجالية المقيمة بالخارج خلال الفترة الممتدة ما بين 2008 و2012، ما هي الخطوط العريضة لهذا البرنامج؟ < أول خطوة قامت بها الحكومة منذ تشكيلها، وهي وضع مخطط عمل بالنسبة للخمس سنوات المقبلة، وهذا المخطط يحدد ما هي الانتظارات الأساسية للجالية بالنسبة للحكومة، وكذا أولويات العمل الحكومي بالنسبة للجالية. وفي هذا السياق، قمنا في إطار تشاور واسع مع كل الفرقاء بمجموعة من الخطوات لمعرفة ما هي انتظارات واقتراحات كل هذه الأطراف، ووضعنا مخططا حصر الأولويات في ست أولويات أساسية ثلاث أوليات متعلقة بالخارج وثلاث أخرى بالداخل. وتلخص الأولوية الأساسية في الخارج بالمجال الثقافي والديني والتعليمي وهي أم الأوليات بالنسبة للجالية في مختلف البلدان، حيث تتنظر الجالية أن يعلم أبناؤها اللغة العربية وأن تؤطر وتواكب حاجياتها فيما يخص المجال الديني، وكذا أن تتعرف على الحضارة المغربية. وفيما يخص التعليم فإن حوالي 60 إلى 65 ألفا من أبناء الجالية يستفيدون من برامج التعليم الرسمي، ونراهن على مضاعفة هذا العدد في السنوات المقبلة، وهو ما يتطلب تعبئة سنوية ل40 إلى 50 أستاذ في الخارج، وهذا ما تم إقراره بالنسبة للدخول المقبل. ولا بد من الإشارة إلى أن نظام التعليم في الخارج يستدعي مراجعته وإعادة النظر في مضمونه ومكوناته البيداغوجية وشروط تنفيذه. وهناك لجنة وزارية تشتغل في هذا الإطار لمراجعة النظام البيداغوجي المعتمد بالخارج. ونحن نفكر في مبادرات جديدة في مجال التعليم، وأهم هذه المبادرات إنشاء جامعة صيفية لتعليم أبناء الجالية الثقافة واللغة العربية، وأول جامعة ستكون في صيف 2009. وسيمكننا هذا المعطى من محاولة معالجة الخصاص الذي نعانيه في هذا المجال. فيما يخض التأطير الديني، وكما يعلم الجميع فإن تدبير الحقل الديني في الخارج هو من الأولويات الاستراتيجية للبلد لاعتبارات ورهانات نعرفها جميعا. والمطلب الديني الآن هو مطلب ملح. والحكومة خلال هذه السنة اتخذت قرارات مهمة في هذا الشأن ولأول مرة هناك ميزانية مهمة مخصصة لتدبير الشأن الديني في الخارج وهي 12 مليار سنتيم، وذلك في إطار ميزانية 2008، وهذا أمر لم يسبق له مثيل في تاريخ المغرب. وهناك برنامج مهم تقوم به وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لمواكبة تدبير الشأن الديني وهو امتداد لما يقوم به المغرب بالنسبة للشأن الديني داخل الوطن.