في الحفل الفني الذي أحيته المغنية المكسيكية عايدة كويرباس ليلة أول أمس في مكتبة الأمير بندر في إطار فعاليات موسم أصيلة، برزت مغنية من عيار ثقيل، لها قوة الأداء، والحضور البهي. وهي ليست مغنية عادية، تقول سيرتها إنها صاحبة مسار فني كبير، وصاحبة حضور ساحر على خشبة المسرح، وحين تغني، تستحضر معها كل تقاليد الغناء المكسيكي المتأثر بحضارة أمريكا اللاتينية ذات الخصوصيات الهندية اللافتة. في دمائها يسري شيء ما عربي، أو ربما هي وقفة المغنية المقتدرة، أو هو ذلك الاعتداد بالنفس وبمهنة المغني في ثقافة لاتينية يشبه فيها المغني مصارع الثيران، بنفس الوقفة المنازلة، ونفس الروح غير الهيابة. في مسارها الفني حزمة من الجوائز، وتأكيدا لموهبتها الخلاقة نالت عدة مرات جائزة غرامي لا تينو-وف. وفي الآونة الأخيرة نالت جائزة عن عملها الجديد «إينورابوينا»، وهو مجموعة أغان أنتجها المنتج المكسيكي المشهور بيفو سيلفيتي. لقد نالت هذه المغنية الكبيرة خلال مسيرتها الفنية أكثر من مائة تكريم من أرفع المؤسسات العالمية، إنها بمعنى من المعاني حاصدة الجوائز وصاحبة أكبر تكريم، كما أنها نالت جوائز هامة في العديد من المهرجانات الدولية التي شاركت فيها مثل مهرجان «فيلا دارلمار» ومهرجان «أوتي»، وتعرف عايدة كويرباس أيضا باعتبارها سفيرة الموسيقى المكسيكية. تمثل هذه الفنانة سحر الغناء المكسيكي وروعته، مستلهمة موضوعات أغنياتها من المجتمع، متأثرة بالإرث الإسباني، وبالأخص بأغاني الفادو البرتغالي، وبالأهازيج المحلية التي تعكس التنوع الخلاق للحضارة المكسيكية العريقة. تشبه هذه المغنية الكبيرة أم كلثوم في العناء العربي، على مستوى قوة الأداء والحضور على خشبة المسرح، وهي لا تغني أغان طويلة، وإنما براويل قصيرة، تتسم بخفتها وبإشراكها للجمهور في أدائها. هي ليست أغاني حركة، ولا هز بطن، لكنها تؤدى بشكل رزين وبنبرة صوت عالية، كما أنها ومثل أغاني السردانيات التي وصفها الروائي الكولومبي طويلا في رواياته وبالأخص في روايته «مائة عام من العزلة» أو في مذكرات حياته، والتي يتحدث فيها بل ويمجد العديد من كبار المغنين والمغنيات، سواء في بوغوتا أو في غيرها من بلاد أمريكا اللاتينية. عايدة كويرباس تنتمي إلى هذه السلالة من المغنين الكبار الأماجد، حيث ازدهر هذا النوع من الأغاني التي تمجد الشجاعة والبطولة والحب، وتسخر من الجنرالات ومن الجبناء ووضيعي النفوس. أغنية ساخرة وحادة، وكم من الشخصيات السياسية صارت وجوها كاريكاتورية في هذا النوع من الأغاني. أدت عايدة كويرباس أغانيها بشكل مفرد، قبل أن يصعد فارسها الذي نادت عليه من بين الجمهور، مشجعة له على الغناء لها في الليل المكسيكي، كان صوت الفارس يرتعش على وقع الكمنجات وصوت الآلات النفخية، في أغنية «ديو» هي أغنية حب رقيقة لعاشقين، بينما البهارات الضوئية كانت ترسم لوحة ليلية، من تلك الليالي التي تحدث عنها الشاعر الكبير لويس أراغون في قصائد حبه التي لا تتعب من أجل «عيون إلزا».