وصل معدل نمو الاقتصاد السنوي إلى 7%، خلال الفصل الأول ، غيرأنه من المنتظر أن يشهد هذا النمو بعضا من التباطؤ خلال الفصلين الثاني والثالث من 2008، حيث ستعرف القيمة المضافة للقطاعات غير الفلاحية، وخاصة منها تلك الموجهة نحو التصدير، تراجعا في وتيرة تطورها، على خلفية الظرفية الاقتصادية العالمية غير المواتية، والتي تتمثل بالخصوص في ضعف المبادلات التجارية العالمية وتصاعد الأسعار الدولية لجل المواد الأولية. غير أن استمرار ارتفاع الإنتاج الفلاحي خلال نفس الفترة سيمكن من دعم النمو الاقتصادي والمحافظة على مستوياته المرتفعة. وقد امتد تأثير الظرفية العالمية، حسب المندوبية السامية للتخطيط، إلى المبادلات الخارجية الوطنية، حيث تسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقية في إعطاء دفعة قوية للواردات من حيث قيمتها، التي بلغ نموها حوالي 27,3%، حتى حدود شهر مايو الماضي. ورغم تزايد الصادرات بما يناهز 22,9%، مستفيدة من الطفرة التي حققتها المبيعات الخارجية من الفوسفاط ومشتقاته، فقد اتسع تفاقم العجز التجاري كما تراجع معدل تغطية الواردات بالصادرات بنقطتين، ليستقر في حدود50,4 %. وتمر الصادرات الوطنية بمنعطف حرج منذ بداية السنة، تجلى أساسا في استقرار قيمة المواد المصدرة، دون احتساب الفوسفاط، بالموازة مع ما عرفه الطلب الخارجي الموجه نحو المغرب من تباطؤ، ظهرت أولى معالمه في نهاية السنة الماضية. وتلاحظ المندوبية في مذكرة حول وضعية الاقتصاد المغربي، مواصلة الإنتاج الوطني تطوره لاسيما على صعيد الأنشطة الموجهة نحو الطلب الداخلي. إذ حققت القيمة المضافة لأنشطة البناء والأشغال العمومية نموا، قدر ب10,3%، خلال الفصل الأول من 2008. وتجسدت قوة هذا النمو في تزايد الطلب على المواد الأولية الخاصة بالقطاع، حيث ارتفعت مبيعات الأسمنت بما يقارب 17,2%، فيما سجلت القروض الموجهة نحو العقار انتعاشا ناهز 42,4% خلال نفس الفترة. كما أن المخاوف المرتبطة باحتمال حدوث تراجع في أنشطة القطاع، وما قد يصاحب ذلك من انخفاض في أثمان البيع وضعف في الطلب الداخلي، قد تلاشت مع استمرار العجز القائم في المساكن الجديدة. أما بالنسبة للقطاع الصناعي، فقد شهد نشاط الأعمال به توسعا مهما، رغم تزايد تكاليف الإنتاج وضعف المبيعات الخارجية. وفي هذا الإطار، تفيد البيانات الخاصة بالحسابات الوطنية الفصلية، تحسن القيمة المضافة لهذا القطاع ب5,3% خلال الفصل الأول من سنة 2008، بالمقارنة مع نفس الفترة من 2007. وحققت القيمة المضافة للأنشطة الفلاحية زيادة بلغت 9,5%، خلال الفصل الأول من سنة 2008. غير أن التقلبات المناخية التي ميزت هذه السنة كان لها تأثير واضح على الإنتاج، الذي حقق نموا لم يرق إلى المعدلات المسجلة خلال الخمس سنوات الأخيرة، إذ لم يتعد محصول الحبوب، على سبيل المثال، 50 مليون قنطارا، وهو ما يعادل انخفاضا يقدر ب12%، مقارنة مع ما تم تحقيقه خلال الفترة الممتدة من سنة 2000 حتى 2004. ومن جهتها، سجلت القيمة المضافة الخاصة بالقطاع الطاقي ارتفاعا ناهز4,1% خلال الفصل الأول من 2008، بالمقارنة مع الفصل ما قبله، رغم ظرفية اتسمت بارتفاع غير مسبوق لتكاليف الإنتاج. وتظل آفاق تطور هذا القطاع ضعيفة خلال المدى القريب، لاسيما مع استمرار تصاعد أسعار البترول الخام على مستوى الأسواق الدولية. وقد سجلت القطاعات الغير الفلاحية تزايد قدر ب6,7%، خلال الفصل الأول من السنة الجارية، عوض 5,5% خلال نفس الفترة من 2007. صاحب ذلك ارتفاع في مستويات التشغيل، حيث لوحظ تراجع في عدد العاطلين بالمجال الحضري، بما يناهز 6,3%، في متم الفصل الأول من سنة 2008، بالمقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية. كما أن معدل البطالة لم يحد عن مستواه المسجل منذ سنة، على اعتبار أنه تطور في حدود المعدل المتوسط الذي يبلغ 9,7%. وكان لقطاع البناء الأثر البارز في إحداث فرص عمل جديدة مكنته من رفع حصته في التشغيل إلى حدود 11,6% خلال نفس الفترة. وفيما يتعلق بالطلب الداخلي، حافظ الاستثمار، حسب المندوبية، على التطور الذي عرفه خلال الثلاث سنوات الأخيرة. إذ بلغ معدل نموه السنوي 15,3%، عوض 6,8%، خلال الفترة الممتدة من سنة 2000 حتى 2005. وتوضح هيكلة الاستثمار ارتفاع مساهمة قطاع البناء والأشغال العمومية إلى ما يناهز 9 نقاط في النمو الإجمالي لتكوين رأسمال ثابت، والذي من المرتقب أن يصل إلى 15 %. إضافة إلى ذلك، تفيد البيانات الأخيرة، استمرار توسع استهلاك الأسر رغم الضغوط التضخمية التي ازدادت حدتها خلال الفصلين الأخيرين. في هذا الإطار، شهد الرقم الاستدلالي لتكاليف المعيشة، لشهر يونيو الماضي، ارتفاعا ملحوظا، بلغت وتيرته 4,7%، بالمقارنة مع نفس الفترة من 2007. وتشكل أسعار المواد الغذائية المحرك الأساسي لهذا التزايد، حيث ارتفعت مساهمتها إلى حوالي أربع نقاط في هذا النمو. وعلى مستوى تمويل الاقتصاد، ظهرت دلائل تؤكد استمرار النمو المعتدل للكتلة النقدية، إذ لم يتعد تطورها السنوي 12,5%، خلال الفصل الثاني من 2008، عوض 19,3% خلال الفصل الأول. ولا تزال القروض المقدمة للاقتصاد الدعامة الرئيسية لنمو الكتلة النقدية، مع أن تزايدها قد شهد شيئا من التباطؤ في بداية السنة، نجم بالأساس عن تزايد أقل أهمية في قروض التجهيز وتسهيلات الخزينة. بينما حافظت القروض الموجهة نحو العقار على دينامكيتها المعهودة، حيث بلغ معدل تزايدها حوالي 12,3% في متم الفصل الثاني من 2008.