يواجه الاقتصاد المغربي، عقب سنوات من النمو المتأرجح، تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، حيث من المنتظر أن يتراجع نمو الأنشطة القابلة للمتاجرة، دون احتساب الفلاحة، تحت تأثير تراجع الطلب الداخلي وتباطؤ الطلب الداخلي، غير أن القيمة المضافة التي ستتأتى من القطاع الفلاحي والأنشطة المرتبطة به، ستساهم في الحفاظ على معدلات النمو في مستوى قريب من توقعات السلطات العمومية. ودخلت بعض الأنشطة الموجهة نحو التصدير، حسب تقرير للظرفية الاقتصادية أصدرته المندوبية السامية للتخطيط، دورة من الركود الاقتصادي، امتد إلى بعض القطاعات، باستثناء الفلاحة، التي يتوقع أن يحقق ناتجها الخام زيادة تفوق 28 في المائة خلال السنة الجارية، غير أن هذا الارتفاع يخفي تباينا مهما بين بعض المنتوجات الفلاحية، حيث من المرتقب أن يحقق إنتاج الحبوب والقطاني زيادة مهمة، في حين سيحقق إنتاج الخضراوات والمحاصيل السكرية زيادة متواضعة، متأثرا بالأضرار المترتبة عن الفيضانات التي عرفها المغرب. ومن المنتظر أن يستمر التراجع الذي ميز أداء القطاعات الصناعية، على الأقل، إلى غاية الفصل الأول من السنة الجارية، متأثرا، بالخصوص، بانخفاض الطلب الخارجي، وهذا التراجع في وتيرة إنتاج تلك القطاعات لوحظ منذ الفصل الرابع من السنة الماضية، وهي المرة الأولى التي تسجل قيمته المضافة انخفاضا بعد حوالي ثلاث سنوات من النمو المتواصل. و لا تزال أنشطة القطاع السياحي تحت تأثير دورة الركود التي دخلتها قبيل انتشار الأزمة الاقتصادية العالمية، التي ساهمت في ترسيخ التباطؤ الذي يعرفه القطاع، و هو ما تجلى أكثر في الربع الأول من السنة الجارية، حيث هوت عائدات السياحة ب 15.5 في المائة في الفصل الأول، بعد انخفاض ب 5.9 في المائة في الفصل الأخير من السنة الماضية، ومن المنتظر أن يستمر انكماش هذا القطاع خلال النصف الأول من السنة الجارية في ظل استمرار تراجع الطلب الخارجي. و تتوقع المندوبية أن يواصل النشاط الاقتصادي، تحركه نحو الانخفاض خلال بداية السنة الجارية ليصل إلى 1.3 في المائة، ويعكس هذا التقدير، حسب المندوبية، الحذر الذي يفرضه غياب علامات واضحة حول احتمال تعافي هذا القطاع خلال المستقبل القريب، إذ لا يستبعد أن يعرف تطور الأنشطة الثانوية مزيدا من التقلبات تحت تأثير الظرفية العالمية، كما أن نمو الناتج الداخلي الفلاحي و الأنشطة المرتبطة به بدرجة أقل قد يفضي، حسب المندوبية، إلى مراجعة معدل النمو الاقتصادي، الذي تقدر نسبته حاليا ب 5.7 في المائة خلال الفصل الثاني. وتشير المندوبية السامية للتخطيط إلى أن الطلب الداخلي ما زال أحد محركات النشاط الاقتصادي، رغم التباطؤ الذي عرفه خلال السنة الجارية، إذ من المنتظر أن تتراجع وتيرة نمو الاستثمار الخاص، بفعل التقلص المرتقب في نفقات الاستثمار الخاصة بالمقاولات، وهذا يشير إليه تراجع وتيرة تطور الواردات من مواد التجهيز، حيث لم يتعد نموها 4.1 في المائة في متم فبراير، مقابل 21.2 في المائة في الفترة نفسها من السنة الماضية، في نفس الوقت ستشهد الاستثمارات الموجهة نحو البناء شيئا من الانكماش، كما يظهر من تراجع وتيرة نمو القروض العقارية إلى 25.2 في المائة في متم فبراير الماضي، عوض 43.4 في المائة في الفترة نفسها من السنة الماضية. وتأثرت القدرة الشرائية للأسر بالضغوط التضخمية الناجمة عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، حيث بلغ مقياس الرقم الاستدلالي لأسعار الاستهلاك 3.8 في المائة، مقابل 2.4 في المائة خلال الفصل الأول من السنة الفارطة، و هو ما يرد إلى ضعف العرض من المواد الفلاحية، بسبب الفيضانات التي تزامنت مع بداية فصل الشتاء، غير أن المندوبية السامية للتخطيط تتوقع تراجع وتيرة ارتفاع الأسعار، اعتبارا من الفصل الثاني من السنة الجارية، على إثر الانخفاض الذي يشهده معدل التضخم، بالموازاة مع هبوط أسعار بعض المنتجات المستوردة. وتراهن المندوبية على معدل تضخم في حدود 2 في المائة في نهاية السنة الجارية، نتيجة تحسن الإنتاج الفلاحي الذي من شأنه أن يحد من الزيادات المهمة التي شهدتها أثمان المنتجات الفلاحية، خاصة منها المتعلقة بالخضر و الفواكه.