أزهر رمان خديها بأجمل وروده وهي تتحدث عن حلمها الذي يتكرر باستمرار، سأسميها «جلنار»، فأسماء العلم أبلغ دلالة في المناداة على الأشخاص من ضمائر الغائب.. قالت إنها ترى في منامها كائنا ضخما يشبه تنينا صينيا له أجنحة كثيرة وذيل مدبب، يتحرك كثعبان أرقط، يحوم حولها ويدقق فيها النظر، بعينين يتطاير منهما الشرر، ويرتمي نحوها كالسهم، لينهشها بمخالبه ويفترسها بأنيابه التي تقطر لعابا.. وبمجرد ملامستها، يتحول جسدها إلى صخرة صامدة جامدة، تصطك عليها أسلحة التنين وتحول دون مبتغاه ثم يعود من حيث أتى... لقد اختصر حلمها هذا، معاناتها كلها، ثلاثون سنة ملخَّصة في حلم واحد. أنا الذي لست للرؤيا من العابرين لا مندوحة لي من الاستعانة بما تحكيه «جلنار»، لأن قصتها أغرب من الخيال، فمنذ زواجها لم تسمح لعضو زوجها الحساس باختراق جسدها الغض وما تزال عذراء كما ولدتها أمها... وتتلخص حياتها الجنسية في علاقة سطحية لا تفرح الصديق ولا تحزن العدو.. ولولا تعلقه بها وحبه لها بإخلاص لا مثيل له، لَمَا استمر معها كل هذا العمر. أمثال هؤلاء الرجال أندر من الماس بين المعادن: ثلاثون سنة من الزواج بلا أولاد، لسبب بسيط هو عدم القدرة على وضع النطفة في مكانها الطبيعي، أو بالأحرى انغلاق الطريق أمامه، مع وجود القدرة والفحولة الكافية لذلك... وضعت «جلنار» رزمة من الأوراق فوق مكتبي، تثبت كلها سلامتها من الناحية العضوية وتؤكد أنها «طبيعية» إلى أبعد الحدود.. الأشعة، الهرمونات، الفحوصات.. لاشيء يذكر فيها. ولما فتحت الظرف الأخير للتحليل الذي طلبتُه، تأكد لي أنها قد بلغت سن اليأس من بابه العريض وفقدت القدرة على الإنجاب بشكل دائم. تواردت على ذهني عشرات الجمل والردود المنطقية، وهي تتفحص وجهي وتسألني عن النتيجة... ما أعجزني أمام صعوبة الموقف عن تمثيل دور الطبيب المحايد، الذي يعلن موت مريضه ببرودة أعصاب، كما يفعل القضاة بكل جفاء وهم يُومّئون بمطارقهم... انطبقت شفتاها وعجز لسانها عن الحركة بين فكيها وبقيت ساكنة، ساكتة، تترقب.. أخذتُ نفَسا عميقا وبدأت ألتفُّ حول الموضوع ولا أدخل فيه مباشرة، حتى أخفف من وقعه، ما استطعت.. قلت في نفسي: إذا كنت في الأخير سأخبرها بالخبر نفسه، فماذا يفيد التطويل أو الاختصار؟ فإذا كان آخر العمر موتا فسواء طويله والقصير...! «أنتِ يا «جلنار» تعانين من مرض بسيط اسمه التشنج المهبلي وحلمك يجسده بإيجاز، فالتنين هو قضيب الزوج وجسمك الذي يتحول إلى حجر هو المهبل!».. التشنج المهبلي مرض جنسي بامتياز، يصيب نسبة لا بأس بها من النساء تتراوح بين 5 و8 في المائة، وهذا الذي نعرضه اليوم من النوع الذي يسمى الأولي، وهو تشنج في العضلات التي تحيط بالمهبل، يحدث بشكل لا إرادي عند محاولة دخول القضيب أو أي شيء آخر. ينتج عنه إغلاق فتحة المهبل بإحكام. يصفه الرجال عندنا بقولهم: «كأنك تحاول أن تولج قضيبك في حائط صخري»!... أما أهم أسبابه فهو الخوف من الألم أو التمزق عند الإيلاج، وهذا بدوره راجع إلى عامل التربية /الخطأ، التي تتلقاها الفتاة عندنا من طرف الأمهات، غالبا كي تبني «خط دفاع» يحفظ البنت من الوقوع في الخطأ قبل الزواج. وتكون النتيجة «الوقوع» في خطأ أكبر منه، فالبنت، رغم معرفتها بعد ذلك أن ما تلقته كان مغلوطا وكذبا، تجد نفسها عاجزة عن تحويل الجنس من موضوع قذر وشيء محرم ومخجل يجدر رفضه واجتنابه، إلى موضوع جميل ومحبَّب ومصدر للذة والمتعة التي تشارك فيها زوجَها الحلال.. وقد يدوم التشنج في بعض الزيجات بضعة أيام إلى سنوات طويلة، إنْ لم يعالَج، أو كما في الحالة الواقعية التي نعرضها هنا: ثلاثين سنة!... لا يكون المهبل أبدا ضيقا حيث لا يستوعب القضيب، فجدرانه مرنة بما فيه الكفاية لتسمح بمرور مولود كامل النمو، لذلك ففي بداية العلاج، بعد موافقة الزوجين على متابعته، نشرح للمريضة بالتفصيل وسائل لاكتشاف جسمها وخباياه وأعضائها الجنسية وثناياها، ثم نمنع كل علاقة جنسية محضة بعد موافقة الزوج طبعا! ونبدأ تدريجيا في التقريب بين الجسدين من جديد، حتى نتوصل في نهاية العلاج بعد عدة جلسات وتمارين خاصة بالعلاج النفسي الجنسي السلوكي إلى علاقة كاملة بإيلاج تام... اقترحت الأمر على «جلنار» وزوجها، ابتسما بمرارة وقالا، بشكل متداخل، جملة واحدة: «بعد ثلاثين سنة، لم تعد لدينا رغبة في تغيير عادات جنسية ألفناها ورضيناها.. وبعد أن فقدنا الأمل في الإنجاب... لا، شكرا»!... د. مصطفى الراسي [email protected]