حاكم تقرير لجنة التقصي السابعة في تاريخ المؤسسة التشريعية المغربية، السياسات التي انتهجتها الدولة على امتداد 35 سنة في الصحراء، خاصة تلك المتعلقة بنظام الامتيازات وسياسة الريع. ويكشف التقرير عن مفارقة كبيرة تتمثل في استغلال الامتيازات الممنوحة من طرف الدولة خارج منطق الاستحقاق والشفافية، والذي أنتج تبعية بعض من نسيج المجتمع المدني إلى ثقافة الريع والاتكالية، التي بذل أن تخدم قضايا محلية ووطنية، وتساهم في الدفاع عن القضية الوطنية، أصبحت تخدم مصالح بعض النخب السائدة. وفي ما يشبه محاكمة للسياسات التي انتهجتها الدولة على امتداد 35 سنة، أشار التقرير إلى أن من بين الظواهر السلبية التي أفرزتها بعض السياسات العمومية وتدبير جانب من مكونات الطبقة السياسية والنخب للشأن المحلي، بروز اعتماد ثقافة المنافع إلى حد الابتزاز، ابتزاز لم تنج منه حتى الدولة نفسها من خلال تضخيم البعض لهاجس الانفصال والتهويل من إمكانياته. وحسب التقرير، فقد تمكنت بعض الزعامات، من استغلال هذا الهاجس واستعماله كوسيلة للاغتناء واحتلال المناصب والتقرب من مراكز القرار السياسي والاقتصادي، في الدولة والأحزاب، دون الانخراط بشكل أعمق في الإشكالات المجتمعية. وألحقت صناعة النخب على هذا النحو المبني على المنافع الشخصية، فضلا عن كونها أسلوبا غير ناجع في التأطير السياسي، ضررا كبيرا بالمشروع الوطني، بالنظر إلى ما حملته من تناقضات وبالنظر إلى تداخل عدة أطراف ومصالح فيها، يقول التقرير، مشيرا إلى أن «هذه السلوكات أتاحت لمجموعة من المنتفعين التحول إلى زعامات تستقوي بالمكون الاجتماعي الأساسي في الصحراء، القبيلة، التي يفترض فيها أن تظل أداة إسناد للوطن، فإذا بهؤلاء يحولونها إلى أداة للاستقواء على الوطن. وحسب تقرير اللجنة، فقد تحولت القبيلة في الأقاليم الجنوبية من إطار وطني لمقاومة الغزو الأجنبي ولبناء اللحمة الوطنية، إلى أداة لتخويف الدولة والمزايدة عليها، وجعلها رهينة مطالب بعض الزعامات التي توثر مصالحها الشخصية على مصالح الوطن، لافتا إلى أن بعض الأحزاب السياسية وقعت في الشرك ذاته، فعوض أن تتوجه إلى العمق والقواعد، وإلى الناس البسطاء والطبقة المتوسطة وإلى النخب المثقفة النقية، للقيام بدورها الدستوري في التأطير، تعاملت بدورها بنوع من النزعة المصلحية، وتهافتت نحو الزعامات، بقصد الحصول على حصتها من الأصوات في كل استحقاق انتخابي، ما أفقد التأطير معناه الحقيقي، وجعل العمل السياسي الجماهيري العمومي المتواصل واليومي والمرتبط بقضايا الناس وانشغالاتهم، بخرجات مناسباتية فيها الكثير من الشكل والقليل من المضمون والجوهر، فيما الوضع في الأقاليم الجنوبية يستدعي جهودا مضاعفة في التأطير وفتح نقاشات سياسية متواصلة حول القضايا المحلية، وخاصة حول حمولات ودلالات مقترح الحكم الذاتي. وفيما يؤكد التقرير في خلاصات عملية التقصي، التي باشرها على امتداد 45 يوما، على أن النتيجة كانت هي إضعاف وتبخيس دور الوسائط التقليدية وتبخيس دور المؤسسات المنتخبة من خلال إفراغها من مسؤولياتها وعدم محاسبتها أو تهميش بعضها، مما جعلها عرضة للابتذال ومصدر عدم ثقة وتوجس في الحالة التي لا تكون مصدر انتفاع مباشر، يعتبر التقرير ذاته أن نظام الامتيازات والريع كانت له انعكاسات على مجموع النسيج الاقتصادي والاجتماعي بالصحراء، حيث عمق الفوارق الاجتماعية وساهم في إشاعة ثقافة الربح السريع عوض ثقافة الإنتاج. وبالنسبة إلى عبد المجيد بلغزال، الفاعل الجمعوي وعضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، فإنه «ما لم يتم التعاطي بشكل جوهري مع الاختلالات الحقيقية والعميقة التي راكمتها السياسات العمومية، خاصة من فساد وريع، فإننا دولة وأحزابا ومجتمعا مدنيا سنعمل دائما على إنتاج طبعات متجددة ومتطرفة في نزوعاتها الانفصالية في كل عقد كما كان الأمر في سنة 1995 وفي سنة 2010»، معتبرا في تصريحاته ل«المساء» أن تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي تم الكشف عنه يوم الأربعاء الماضي، حاول ذر الرماد في العيون، وخاض بشكل سطحي وغير عميق في الاختلالات التي تعرفها السياسات العمومية في ما يخص تدبير ملف الصحراء. وبرأي محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، فإن الوقت حان لكي تعيد الدولة النظر في سياسة الاعتماد على الوجهاء في الأقاليم الجنوبية، في ظل التغييرات و«الخلخلة» التي عرفها المجتمع الصحراوي والمنطقة على المستوى الجغرافي والثقافي، وبروز شباب صحراوي متعلم أصبح يفرض دفتر تحملات بمواصفات جديدة لا تقوم على أساس توزيع المنافع التي كان يضطلع بها الوجهاء وإنما بمنطق الدولة المؤسساتية. ويرى أستاذ العلوم السياسية أن الأحداث الأخيرة أظهرت إلى حد كبير أن زمن الوجهاء والأعيان قد ولى، وأن هناك حاجة ماسة للبحث عن وسطاء آخرين غير وجهاء القبائل الذين لم يعودوا وحدهم مصدر المشروعية داخل المجتمع الصحراوي، خاصة بعد أن عرفت قواعد اللعب تغييرا كبيرا، مشيرا في اتصال مع «المساء» إلى أن المطلوب في المرحلة الحالية هو تكريس ثقافة المؤسسات بمعناها الحديث، وعدم شخصنة السياسة من خلال استفادة البعض وتهميش الآخرين، وكذا إعادة تقييم الدولة للدور الذي يلعبه الوجهاء والأعيان في ما يخص مهمة التأطير التي يتعين أن تقوم بها الأحزاب السياسية وفعاليات المجتمع المدني.