تعتبر لجان تقصي الحقائق البرلمانية أحد آليات الحصول على المعلومات العمومية، ، فبالإضافة إلى الدور الوظيفي المرتبط بمراقبة عمل الحكومة وشكل تدبيرها للشأن العام، تعتبر لجان تقصي الحقائق أداة أساسية لبحث البرلمان عن المعلومات العمومية من مصادرها المتعددة وتنوير الرأي العام بكافة المعطيات المرتبطة بموضوع يحظى باهتمام الرأي العام من خلال الجلسات العامة بالبرلمان، بعد وضع لجنة تقصي الحقائق لتقريرها النهائي أو عبر التداول الإعلامي الواسع للمعلومات التي يوفرها بحث اللجنة في وقائع محددة تمس المالية العامة أو أشكال التدبير غير الشفاف لمرافق عمومية،أو لمشاكل اجتماعية تكون محط اهتمام الجمهور الواسع... وهو ما يعيد المصداقية للمؤسسة التشريعية ويعزز آليات العمل المؤسساتي الديمقراطي ،حيث سلطة تحد سلطة أخرى. على مدار التجربة الدستورية لحوالي ثلاثة عقود من 1962 إلى 1992، لم يتم التنصيص على اللجان النيابية الخاصة بالتقصي والرقابة، ورغم محاولة النواب الاجتهاد لتضمين القانون الداخلي للبرلمان بنودا تنص على حق مجلس النواب في تشكيل لجان التقصي، فإن الاجتهادات القضائية للغرفة الدستورية ظلت ترفضه بمبرر عدم مطابقة بنود القانون بين الجهاز التنفيذي والمؤسسة التشريعية، على اعتبار أن لجان تقصي الحقائق لا تدخل في عداد وسائل مراقبة مجلس النواب لعمل الحكومة المنصوص عليها في الدستور والقوانين التنظيمية الجاري بها العمل. وظل هذا الأمر قائما حتى مجيء دستور 1992، على إثر تشكيل الكتلة الديمقراطية، ورفع قطبيها الأساسيين في أكتوبر1991لمذكرة إلى الملك الراحل، حيث اعتبر الإصلاح الدستوري هو المدخل الأساسي للإصلاح السياسي، فاحتلت مؤسسة البرلمان جزء هاما من تعديلات مذكرة الإصلاح. فقد نص الفصل 42 من الدستور على أن أي من مجلسي البرلمان له الحق في تشكيل لجان نيابية لتقصي الحقائق يناط بها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة. لقد تم إحداث آلية لجان تقصي الحقائق، كأداة لرقابة الحكومة مع دستور 1992، ونص دستور 1996 على أنه إلى جانب اللجان الدائمة للبرلمان، «يجوز أن تشكل بمبادرة من الملك أو بطلب من أغلبية أعضاء أي من المجلسين، لجان نيابية لتقصي الحقائق يناط بها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة وإطلاع المجلس الذي شكلها على النتائج التي تنتهي إليها أعمالها». تتشكل لجان تقصي الحقائق على أساس التمثيل النسبي للفرق البرلمانية وهي مؤقتة بطبيعتها وتنتهي مهمتها بإيداع تقريرها، وفور فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها ، وفق ما نص عليه النظام الداخلي لمجلس النواب في 29 يناير 2004 في بابه السادس 167 و168 و169 والنظام الداخلي لمجلس المستشارين في 14 أبريل 1998 في بابه السابع المواد (71، 72،73و 74 )، وقد وضع المشرع المغربي الكثير من القيود على المواضيع التي يحق للبرلمان تشكيل لجان تقصي الحقائق النيابية فيها، خاصة الوقائع التي تكون موضوع متابعات قضائية مادامت هذه المتابعات جارية أمام العدالة، وما يتعلق بقضايا الدفاع الوطني والأمن الداخلي والعلاقات الخارجية. لجان تقصي الحقائق :العطب المؤسساتي لقد عرف المغرب منذ استقلاله حتى اليوم تشكيل سبع لجان نيابية لتقصي الحقائق، أغلبها جاء في العقد الأخير مع حكومة التناوب، وهو ما يعكس بداية تفعيل آليات المراقبة البرلمانية، في ظل الزخم السياسي الذي أطلقته حكومة التناوب. فخلال أكثر من 38 سنة بعد أول دستور للمملكة، لم يتم تشكيل سوى ثلاث لجان نيابية لتقصي الحقائق بطلب من الملك ،ودون أن ينص الدستور على هذه الآلية لجمع المعلومات في وقائع مختلفة، وخلال أقل من عقد من الزمن تم تشكيل أربع لجان لتقصي الحقائق بطلب من أعضاء البرلمان. يعود تاريخ طلب تأسيس أول لجنة لتقصي الحقائق إلى سنة 1963 على إثر فضيحة الزيوت المسمومة، وعرفت الأحداث الدامية التي شهدتها البيضاء مع انتفاضة 23 مارس 1965 نقاشا حول تشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق لم تر النور بسبب توقف الحياة الدستورية مع إعلان حالة الاستثناء. وفي سنة 1979 مع فضيحة تسريب امتحانات البكالوريا حين كان عز الدين العراقي وزيرا للتربية الوطنية في حكومة المعطي بوعبيد، أثارت المعارضة عاصفة من الانتقادات ضد حكومة بوعبيد، وتحت ضغط البرلمان، أمر الملك الراحل تشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق برئاسة العلوي الحافظي، انقسم تقييمها لقضية تسريب الامتحانات بين فريقين: أحدهما، وهم الأقلية، نفى أن يكون هناك أي تسريب للامتحانات، وأنه «جرت محاولة خلق جو من البلبلة للإضرار بحسن سير الامتحانات عبر أعمال غش وتدليس عادية تعطي الدليل على أن المؤسسات الدستورية تسير سيرها الطبيعي استتبابا للديمقراطية»، كما ورد في تقرير اللجنة المكلفة، فيما أقر فريق آخر بوجود تسريب لمواد امتحانات البكالوريا، لكن أعضاءه اختلفوا في تقييم حجم ضرره وفي الوقوف على مصدره، وقد كشفت اللجنة عن تزوير خطير في شواهد البكالوريا تورط فيها مسؤولون وازنون بوزارة التربية الوطنية. ونتيجة للأحداث الأليمة التي عرفها الإضراب العام الذي دعت إليه المركزيتان النقابيتان الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، تشكلت لجنة نيابية لتقصي الحقائق بناء على طلب المنظمات النقابية وأحزاب المعارضة، وقد تقدم أحمد عصمان رئيس البرلمان بملتمس تشكيل اللجنة التي ضمت 25 نائبا، منهم 9 أعضاء من فرق المعارضة، و ترأسها زعيم الاتحاد الدستوري المعطي بوعبيد، بعد أن كانت نفس الأغلبية قد رفضت تشكيل لجنة تقصي الحقائق في أحداث البيضاء في يونيو 1981. وفي 28 دجنبر سنة 1995، وعلى إثر التقرير الصادم الذي قام به المرصد الأوربي حول المخدرات، و نشرته صحيفة «لوموند» الفرنسية حول إنتاج المخدرات بالمغرب والشخصيات السامية المتورطة فيها، والضجة الكبرى التي أثارها داخل المغرب وخارجه ..حيث تم توجيه أصابع الاتهام لعناصر نافذة في هرم السلطة وتسهيلها رواج المخدرات، فبالإضافة إلى الوقوف على شساعة المساحة المزروعة للقنب الهندي التي تجاوزت 70 ألف هكتار، فقد قدر المرصد الأوربي أن المغرب أنتج سنة1995 حوالي 1500 طن من الحشيش.. فتم تشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق بناء على طلب الملك الراحل الحسن الثاني، ترأسها امحند العنصر. يشار إلى أن لجان تقصي الحقائق الثلاث جاءت قبل دستور 1992 الذي أقر لأول مرة، حق البرلمان في تشكيل لجان تقصي الحقائق التي كانت تخضع للتوازنات السياسية، وتنتهي تقاريرها، التي لم تكن تعرف طريقها إلى النشر، إلى الرفوف، باستثناء نشر جزء يسير من تقرير لجنة تقصي الحقائق في أحداث فاس، لكن كل التقارير المنجزة لم تعرف طريقها إلى القضاء، وكان يتم الاكتفاء بتقديم بعض الرؤوس كضحايا لإسكات أصوات المعارضة البرلمانية القوية آنذاك، كما حدث في 1979 حيث تمت إقالة الرئيس المركزي للامتحانات. وفي 1995 تم تدشين ما عرف بحملة التطهير ليس بناء على تقرير لجنة تقصي الحقائق وتدخل القضاء. لقد حاول النواب أكثر من مرة تطعيم القانون الداخلي لمجلس النواب قبل تغيير الدستور سنة 1992، عبر إدراج مواد تنظيمية تسمح للنواب بخلق لجان لتقصي الحقائق، لكن المجلس الدستوري لم يكن يستجيب تحت بند عدم ملاءمة القانون الداخلي للدستور، وهذا ما جعل كل لجان تقصي الحقائق السابقة بدون جدوى ولا فعالية ولا تشكل أداة ضمن الوسائل المخولة دستوريا للولوج إلى المعلومة ومراقبة عمل الحكومة، وكانت أشبه بمهدئ للزوبعة التي تثيرها الوقائع المطلوب تقصي الحقائق حولها. لكن على إثر الانفتاح الديمقراطي النسبي الذي دشنه قدوم الملك الجديد إلى سلطة الحكم والدينامية التي أطلقتها حكومة التناوب التوافقي منذ مارس 1998، تشكلت أربع لجان نيابية لتقصي الحقائق في ظرف أقل من عقد من الزمن، فكانت اللجنة الرابعة للتقصي في الخروقات التي شابت مؤسسة القرض العقاري والسياحي في 29 ماي 2000، وقادها ادريس لشكر رئيس الفريق الاتحادي.. واللجنة السادسة التي شكلها مجلس المستشارين للتحقيق في الاختلالات والفضائح المالية التي عرفها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سنة 2001 برئاسة رحو الهيلع، وكانت مهمة اللجنة، التي ضمت 21 مستشارا وتشكل مكتبها من 7 أعضاء (4 من الأغلبية و 3 من الأقلية)، تتمثل في: - الإطلاع على نتائج تدقيق الحسابات التي سبق أن أجرتها مكاتب متخصصة في المجال. - مقاربة مدى مطابقة التسيير الإداري والمالي للمؤسسة للمبادئ القانونية المعمول بها. - تحديد المسؤوليات في الخروقات المرتكبة. - حصر المبالغ المالية التي صرفت بشكل غير قانوني. - ثم تقويم الوضعية التنظيمية والمالية للمؤسسة. وقد لاقت اللجنة النيابية في بداية اشتغالها صعوبات في النقاش الشكلي، وقد أشارت جريدة « بيان اليوم» في عددها بتاريخ 14 فبراير 2001 ،مقالا تبرز فيه بعض معوقات لجنة تقصي الحقائق في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ،منه مقاطعة بعض أعضاء اللجنة لأشغالها، وتغيب مسؤولين في لقاءات الاستماع للشهود وفي معظم الأحيان لا يحضر إلا ربع أعضائها. كلا التقريرين الأخيرين فتحا جدلا واسعا في الساحة السياسية وشهدا تغطية واسعة في الصحافة الوطنية،وترتبت عن الأول محاكمات قضائية شملت شخصيات وازنة، «غير أنه تمت متابعة بعض المسؤولين «فقط كما يذكر عضو سابق باللجنة . غير أن مسؤولا كبيرا في لجنة تقصي الحقائق المرتبطة بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تساءل حول ما إذا كانت هناك ?خلفيات أخرى كامنة وراء تشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق سنة 2001،? بعد أن سبق وتعرض الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لعمليات متعددة بقصد تدقيق ومراقبة شكل تدبيره وأبعاد الاختلالات المالية التي عرفها من طرف ثمانية مكاتب للدراسات أعدت حوالي 53 تقريرا، كما قام المكتب الدولي للشغل بدراسة التوازن المالي للصندوق سنة 1998، ظل سريا ولم يكشف عن تفاصيله، كما أن اللجنة التحكيمية الملكية في إطار مجلس الحوار الاجتماعي، كانت قدمت تقريرا مفصلا حول اختلالات الصندوق، وهو نفسه ما أكدته اللجنة الوزارية التي كلفت بإعادة هيكلة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، هل تم تشكيل اللجنة النيابية بناء على وقوف السلطة السياسية على إفلاس الاختيارات المالية لهذا الصندوق الاجتماعي الذي يتصرف في الملايير، والذي رصدت لجنة تقصي الحقائق ضياع 115 مليار من ماليته بدون سند قانوني، أم هو جزء من مخطط استراتيجي يدفع باتجاه إعلان إفلاس ونهاية المؤسسات العمومية في إطار مسلسل الخوصصة الذي دشنه المغرب؟» وعلى إثر الأحداث الخطيرة التي عرفتها مدينة سيدي إيفني، بسبب الاستعمال المفرط للقوة من طرف القوات العمومية التي تدخلت لإخماد الاحتجاجات الاجتماعية للسكان، وبطلب من 270 نائبا برلمانيا (أي أغلبية مطلقة)، تم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق تحت رئاسة الاستقلالي نور الدين مضيان في 18 يونيو 2008. وقد لاقت اللجنة صعوبات كبيرة في الاستماع إلى مسؤولين أمميين كبار لهم أياد في الأحداث التي شهدها التدخل الأمني ضد ساكنة آيت باعمران. وقد تحرك البرلمان أكثر من مرة للمطالبة بلجنة لتقصي الحقائق في العقد الأخير، أبرزها ما فجره البرلماني ورجل الأعمال ميلود الشعبي الذي اتهم مجموعة الضحى بحصولها على تسعة آلاف هكتار في ظرف عامين، في إطار تفويت العقار العمومي بدون مناقصة وشفافية، مؤكدا أن سوء تدبير الملك العمومي ضيع على خزينة الدولة مبلغ 2000 مليار سنتيم، وبرغم حجم المساندة التي أبداها نواب برلمانيون لهذه الدعوة، فإن التباسات كبيرة شابت تراجع النواب عن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق. وتعتبر اللجنة النيابية لتقصي الحقائق في أحداث العيون، التي انطلقت أشغالها الأسبوع الماضي، هي السابعة من نوعها في تاريخ التجربة الدستورية المغربية.. وهو ما يعكس نوعا من الدينامية التي أصبحت تعرفها المؤسسة التشريعية من خلال تفعيل البرلمان لآليات المراقبة واستقاء المعلومات المرتبطة بأحداث تهم الرأي العام.فخلال 83 سنة لم يتم تشكيل سوى 3 لجان نيابية بدون صلاحيات دستورية وبدون أي أثر لتقاريرها التي كانت مبعدة من دائرة التداول الإعلامي ،وخضعت لمنطق التوازنات السياسية. عوائق القانون التنظيمي المتعلق بتسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق: برغم إقرار دستور 1992 لمبدأ حق البرلمان في تشكيل لجان تقصي الحقائق في الفصل 42، الذي ينص على أنه يمكن للبرلمان تكوين لجان نيابية لتقصي الحقائق باقتراح من الملك أو بطلب من أغلبية أعضاء المجلس من أجل جمع معلومات حول وقائع خطيرة تنتهي مهمتها مباشرة بعد وضع تقريرها لدى رئيس المجلس، فإن القانون التنظيمي الذي يحدد شكل عمل هذه اللجان كأحد آليات ولوج النواب إلى المعلومات العمومية، لم يصدر إلا في 29 نوفمبر 1995 على عهد الوزير الأول عبد اللطيف الفيلالي، ليتم تغييره في سنة 2001، بعد بروز أعطاب كبيرة عرقلت عمل لجنة تقصي النيابية في شؤون القرض العقاري والسياحي ليعاد تعديله فيما بعد خاصة في مجلس النواب. أهم الانتقادات التي يوجهها الحقوقيون المغاربة لبند تشكيل اللجنة النيابية لتقصي الحقائق، يتمثل في فرض شرط الأغلبية المطلقة، كما ينص على ذلك الفصل 42 من الدستور، كأساس لتشكيل أي لجنة تقصي، وهو ما يضرب في العمق حق الأقلية البرلمانية في الوصول إلى المعلومات في وقائع تشكل خطورة على الساحة العمومية، لأن الأغلبية تكون دوما مساندة كقاعدة نيابية للحكومة، فالقانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية، ينص في مادته 44 على» أن لجان تقصي الحقائق هي حق أساسي لمجلس النواب الاتحادي، الذي يصبح واجبا عليه في حالة تقديم طلب من قبل ربع أعضائه ،أن يعين لجنة تحقيق تقوم بدورها بتقديم الأدلة الثبوتية في مداولات علنية، إلا أنه يمكن حجب العلنية حسب تقدير المجلس?. يحدد القانون التنظيمي الذي ينقسم إلى أربعة أقسام وظائف ومهام لجنة تقصي الحقائق، ينص القسم الأول على كيفية هيكلة اللجان النيابية ، والقسم الثاني يحدد طريقة جمع المعلومات، والثالث حول تقرير اللجان والقسم الأخير يتضمن شروط الإحالة على المجلس الدستوري. تنص المادة (2) من القانون التنظيمي (رقم 95-5) على أنه لا يمكن إجراء لجنة لتقصي الحقائق في قضية موضوع متابعات قضائية، حيث يوجه الوزير الأول «إلى رئيس مجلس النواب تقرير وزير العدل المثبت فيه أن الوقائع المطلوب في شأنها تقصي الحقائق، والمحددة على سبيل الحصر ،هي موضوع متابعات قضائية، وذلك داخل أجل أقصاه خمسة عشر يوما من تاريخ إشعار الوزير الأول من طرف رئيس مجلس النواب بذلك». وقد سبق للفريق الاشتراكي أن تقدم بمقترح لتغيير القانون المنظم للجان تقصي الحقائق من أجل تعزيز دورها الرقابي،(انظر الجريدة الرسمية عدد 4950 بتاريخ 8 نوفمبر 2001) المرتبط بالمادة (2)، عبر خفض الأجل المخول للوزير الأول لإبلاغ المجلس المعني، تقرير وزير العدل إذا كانت الوقائع المطلوب تشكيل لجان التقصي بصددها موضوع متابعات قضائية من 15 يوما إلى ثلاثة أيام، غير أنه تم رفض هذا التعديل، وهو ما يعطي الحكومة حق تحريك دعوى قضائية، في ظل قضاء مطعون في استقلاليته من طرف كل الفاعلين السياسيين والحقوقيين، ويحد بالتالي من الفعالية الرقابية للجان النيابية لتقصي الحقائق. وتنص المادة (3) على أنه «إذا لم يتوصل رئيس مجلس النواب بتقرير وزير العدل داخل الأجل المحدد ،قام بتوجيه الدعوة إلى أعضاء اللجنة للقيام بانتخاب الرئيس ونوابه والكاتب والمقرر أو المقررين، ويذكر في الدعوة بالوقائع المطلوب تقصي الحقائق في شأنها، وبتأليف اللجنة والأجل الأقصى المضروب لهذه الأخيرة قصد إيداع تقريرها.» وقد حدد الباب السابع للنظام الداخلي لمجلس النواب تكوين ومهام اللجان النيابية المؤقتة لتقصي الحقائق في المواد 75، 76 و 77، والتي تنص على «أن لجان تقصي الحقائق تتألف على أساس التمثيل النسبي للفرق، ولا يجوز أن يشارك في أعمال لجنة لتقصي الحقائق كل نائب سبق أن اتخذت ضده إجراءات تأديبية من أجل عدم حفظ أسرار لجنة مماثلة»، ويعطي الحق للبرلمان للبث في شأن تقارير لجان تقصي الحقائق وفق مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق باللجان. تتم هيكلة اللجنة من خلال انتخاب رئيسها ونوابه وكاتبها ومقررها، وتعقد اجتماعها بدعوة من الرئيس أو بطلب من ربع أعضائها ،ويحدد في الدعوة جدول الأعمال ومكان وزمان الاجتماع بأسبوع قبل موعد عقده، ويكون اجتماعها صحيحا بحضور نصف أعضائها على الأقل.. (المادتان 4 و 5)، وتتخذ اللجنة قراراتها بأغلبية تصويت الأعضاء الحاضرين. ويحدد القسم الثاني للقانون التنظيمي طرق ووسائل جمع لجنة تقصي الحقائق للمعلومات المرتبطة بالوقائع التي تشكلت من أجلها في: 1- الإطلاع على جميع الوثائق العامة أو الخاصة التي لها علاقة بالوقائع المطلوب تقصي الحقائق في شأنها، والتي يصدر رئيس اللجنة إلى السلطة الموجودة في حوزتها الأمر بتسليمها إليه. 2- استدعاء كل شخص طبيعي قصد الاستماع إليه إذا كان من شأن شهادته أن تنور اللجنة فيما يتعلق بالوقائع المطلوب تقصي الحقائق في شأنها. ويوجه رئيس اللجنة إلى الشخص المعني بواسطة السلطات التسلسلية التي يخضع لها، إن اقتضى الحال، دعوة تتضمن جميع البيانات اللازمة التي تمكن من تقييم أسباب الشهادة المطلوبة ومداها، وإذا كان الشخص المعني بالأمر من بين أشخاص القانون الخاص المعنويين، وجهت الدعوة إلى الشخص الطبيعي الذي يعتبر مسؤولا عنه قانونيا أو نظاميا. 3- البت في أمر إيفاد عضو واحد أو أكثر من بين أعضاء اللجنة، يساعدهم مقررها أو مقرروها ،قصد تلقي شهادة الأشخاص الطبيعيين الذين يتعذر عليهم التنقل للإدلاء بشهادتهم أمام اللجنة. أما المادة 9فأقرت أنه « يجب على كل شخص تم استدعاؤه وفق الإجراءات المنصوص عليها في المادة 8 أعلاه أن يستجيب للدعوة التي يسلمها إليه، عند الحاجة، عون قضائي أو عون للقوة العمومية ينتدبه رئيس اللجنة لهذا الغرض، ويستمع إليه بعد أداء اليمين المنصوص عليها في الفصل 116 من قانون المسطرة الجنائية.. مع مراعاة أحكام الفصل 446 من القانون الجنائي. كما يجوز له أن يلتمس من الرئيس أن يكتسي الاستماع إليه طابعا سريا، وألا يدرج في التقرير الذي يقدم إلى مجلس النواب، وللجنة أن تقرر في هذا الشأن بالقبول أو الرفض. يحرص الرئيس على أن تجري مناقشات اللجنة في هدوء وسكينة ويتأكد من التقيد باحترام سريرة وشرف الأشخاص المستمع إليهم أمام اللجنة.» ظلت لجان تقصي الحقائق تواجه صعوبات أثناء الاستماع إلى رموز كبيرة تحتل مناصب سامية ،خاصة في الملفات الكبرى المرتبطة بالقرض العقاري والسياحي والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وقد سبق للفريق الاشتراكي أن تقدم بعدة اقتراحات في نهاية 2001،تهم الفصول 8 و13 و 18. « المادة 8: تمكين لجان التقصي من تتبع نشاط المصالح الإدارية أو المؤسسات العمومية أو أي جهاز إداري أو أي مشروع من المشروعات العامة التي لها بالوقائع المطلوب تقصي الحقائق بشأنها. المادة 13: فرض غرامة مالية بين 5 و 20 ألف درهم، مقرونة بالحبس بين ستة أشهر وسنتين لمن استدعي وتغيب دون عذر، وهذا التعديل تم قبوله لكن مع البقاء على شرط مراعاة الفصل (9) المرتبط بالسرية، وأنه يمكن عدم إدراج شهادة المستمع إليه في تقرير لجنة تقصي الحقائق. المادة 18: جعل أمر اللجنة التي لم تودع تقريرها في أجل ستة أشهر من طرف رئيس المجلس المعني مستبعدا، وطرح الأمر على المجلس ليصبح هو المسؤول عن البث في الأمر?. (انظر الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 8 نونبر 2001 عدد 4950 ). لكن هل يمكن للبرلمان أن يشكل لجانا نيابية لتقصي الحقائق في أي قضية خطيرة بالمغرب؟ تبرز المادة ( 10 ) من القانون التنظيمي ،الحواجز الموضوعة في القضايا ذات الصلة بالجيش أو العلاقات الخارجية أو الأمن الوطني، والدافع هو «طابع السرية». فإذا «أرادت اللجنة ،عند القيام بمهمتها ،جمع المعلومات حول وقائع تتعلق بالدفاع الوطني أو أمن الدولة الداخلي أو الخارجي أو علاقات المغرب مع دول أجنبية أخبر رئيس اللجنة بالأمر الوزير الأول، وجاز لهذا الأخير أن يعترض على ذلك بسبب الطابع السري للوقائع المطلوب تقصي الحقائق في شأنها، وأن يرفض تسليم الوثائق المطلوبة إلى اللجنة أو يمنع الأشخاص المعنيين بالأمر من الإدلاء بالشهادة المطلوبة، وإذا لم يطلع رئيس اللجنة الوزير الأول على الأمر جاز للسلطة المختصة إخبار الوزير الأول بأن طلب اللجنة يدفع بعدم القبول رعيا للطابع السري الذي تكتسيه الوقائع موضوع تقصي الحقائق». لقد أبدى العديد من النواب الذين اشتغلوا في لجان نيابية لتقصي الحقائق ، نقدهم لغموض عبارة «الطابع السري»، وإذا اتفق الكل على أن من حق الدولة أن تحافظ على أسرار أمنها الداخلي وحماية علاقاتها الخارجية، لكن المشرع يجب أن يخرج من جلباب العبارات الفضفاضة مثل «الطابع السري للوقائع»، لأن الأمر يتعلق بمؤسسة تشريعية ذات أهمية في هرم النظام السياسي، ويجب تحديد وضبط الوقائع التي تكتسي «طابعا سريا»، لكي لا يحد ذلك من فعالية لجان تقصي الحقائق ،إذ من حق البرلمان الحصول على المعلومات العمومية،وممارسة دوره كاملا في مجال المراقبة المؤسساتية. خاصة يصرح أحد أعضاء لجنة تقصي الحقائق في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي : «لجنة تقصي الحقائق ليست شرطة قضائية ولا تقوم مقام العدالة، فالمبادئ الكونية للجان تقصي الحقائق ترتبط بمبدأ الشفافية وحق البرلمان في الولوج إلى المعلومة والقيام بدور المراقبة على الجهاز التنفيذي، والنقط الخمس التي حددها مجلس المستشارين لعمل لجان تقصي الحقائق، لا تمنح اللجنة سلطة في معالجة كل القضايا، خاصة تلك المرتبطة بالدفاع الوطني والأمن الداخلي للدولة تحت مبدأ الطابع السري». ويضيف آخر: «إذا كانت المادة (12) تنص على أن أعمال اللجنة النيابية لتقصي الحقائق تتميز بالسرية، وأنه لا يجب الإعلان عن المعلومات التي قامت اللجنة بجمعها ولا الأشخاص الذي استمعت إلى شهادتهم، فإن آليات البرلمان ذاتها هي جزء من الطابع السري للدولة». وإذا كان القانون التنظيمي قد أكد على أن «كل شخص تم استدعاؤه بصورة قانونية ولم يحضر أو امتنع عن الإدلاء بشهادته أو عن أداء اليمين أمام إحدى لجان تقصي الحقائق دون عذر مقبول، تعرض للعقوبات المقررة في القانون ،بالنسبة إلى الأشخاص الذين يمتنعون عن الحضور أو عن الإدلاء بالشهادة أو عن أداء اليمين أمام السلطة العمومية»، شرط مراعاة أحكام المادة (9) كما تنص على ذلك المادة (12)، والمرتبط بأن من حق الشخص الذي يتم استدعاؤه أن يلتمس من رئيس اللجنة «أن يكتسي الاستماع إليه طابعا سريا، وألا يدرج في التقرير الذي يقدم إلى مجلس النواب ،وللجنة أن تقرر في هذا الشأن بقبول طلبه أو رفضه»، كما تنص المادة (14) من القانون التنظيمي للجان النيابية لتقصي الحقائق، على أنه يتم تطبيق نفس أحكام القانون الجنائي المعاقب بها» على شهادة الزور أو التأثير على الشهود أو الإدلاء بوثائق مزورة على الأشخاص الذين يثبت عليهم ارتكاب هذه الأفعال»، كما تتم معاقبة كل شخص قام «بالكشف عن المعلومات التي تولت اللجنة جمعها، بغرامة من 1000 إلى 10 آلاف درهم وبالحبس من سنة إلى خمس سنوات أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.» لكن واقع الحال يؤكد حسب العديد من أعضاء مجلسي البرلمان، على أنهم واجهوا عقوبات حقيقية في مهامهم في اللجان النيابية لتقصي الحقائق ،منها عدم استجابة مسؤولين كبار لطلبات اللجنة للاستماع إلى إفاداتهم، مسؤولون أمنيون أو في مراتب حساسة في مؤسسات الدولة، وأحيانا حتى مع حضور بعضهم فإن اللجنة لا تستفيد من أي معطيات جديدة في الوقائع موضوع التحقيق ،ويكتفون بتكرار «عبارات عامة بلغة الخشب»، حسب تصريح أحد أعضاء لجنة تقصي الحقائق بخصوص أحداث سيدي إيفني. يعتبر عمل لجنة تقصي الحقائق منتهيا بعد أن يقوم مقررها بتقديم التقرير إلى رئيس اللجنة للتداول فيه قبل تقديمه إلى رئيس المجلس ،الذي يجب أن يودع التقرير لدى المجلس الدستوري داخل أجل أقصاه ستة أشهر تمدد عند الاقتضاء، وبعدها يتم توزيع مضمون التقرير على مجلس النواب الذي يحق له أن يقرر مناقشة مضمون تقرير اللجنة في جلسة عمومية أو دراسته في جلسة مغلقة، وله كذلك أن يقرر نشر مجموع أو بعض مضمون التقرير في الجريدة الرسمية (المادة 18)، ويتم على إثرها حل اللجنة، ليتقرر بعدها فتح تحقيق جنائي في الموضوع. ما يؤاخذه البرلمانيون على لجان تقصي الحقائق هو جعل السرية هي القاعدة والعلنية هي الاستثناء، على خلاف القوانين المعمول بها في الأنظمة الديمقراطية، فالبند الأول من المادة 44 من القانون الأساسي لجمهورية ألمانية الاتحادية ،ينص على أن لجنة التحقيق ?تقوم بدورها بتقديم الأدلة الثبوتية في مداولات علنية، إلا أنه يمكن حجب العلنية? ..أي أن العلنية هي القاعدة، وهو ما ينص عله القانون الفرنسي للجمعية الوطنية . في كل التجارب الدولية، وباستثناء القضايا الأمنية ذات الحساسية الكبرى والمحددة بدقة ووضوح في القانون المنظم لتشكيل وهيكلة وعمل اللجان النيابية لتقصي الحقائق، يحق لوسائل الإعلام تغطية عمل وأشغال اللجان المعنية ونشر تقريرها على العموم. وإذا كان بعض المعنيين بقضايا كانت موضوع تحقيق لجان تقصي الحقائق، ممن استمعنا إلى إفاداتهم ، يؤاخذون على اللجان النيابية كونها لا تضم متخصصين من الناحية القانونية والمالية عالمين بالقضايا موضوع التحقيق، وعدم معرفتهم بدقائق المجال وخباياه، فإن القوانين الدولية النموذجية في الدول الديمقراطية تنص على أن تكون المحاكم والدوائر الرسمية ملزمة بتقديم المساندة القانونية والوظيفية، وهو ما لا يتوفر عليه البرلمان المغربي مقارنة مثلا مع القانون الأساسي لجمهورية ألمانية الاتحادية ،الذي أكد في البنود (1)، (2) و (3).. أنه لدى تقديم الأدلة الثبوتية يتم تطبيق أحكام نظام المحاكمة الجنائية ضمن مفهوم ملائم للحالة، وهنا تبقى حرمة سرية الرسائل والبريد والاتصالات الهاتفية مصونة، ? فيما تنص المادة (4) على أن « قرارات لجنة التحقيق الحقائق لا تخضع إلى مراجعة وتوضيحات قضائية، حين يكون للمحاكم كل الحرية في تقدير وتقييم الحيثيات التي جرى التحقيق على أساسها?.