إذا سمح الأستاذ الفاضل الحسين الجماعي بالتعقيب على مقاله «ضوابط حق الترشيح لمنصب رئيس المجلس الجماعي على ضوء مقتضيات المادة السادسة من الميثاق الجماعي»، المنشور في جريدة «المساء» عدد 1329 بتاريخ 31/12/2010، يمكن إنجاز ذلك في الملاحظات التالية: الملاحظة الأولى: حول حق رئيس المجلس الجماعي لمدينة طنجة الحالي في الترشح والفوز برئاسة المجلس المذكور إن المقال موضوع هذا التعليق، وهو خاتمة لسلسلة مقالات سابقة، استنتج في فقرته الأخيرة ما يلي: «... الرئاسة المتحصل عليها لشغل منصب رئيس المجلس الجماعي لمدينة طنجة قد تمت على وجه مخالف لما هو منصوص عليه في القانون». وهذه النتيجة التي خلص إليها في نهايته، مناقضة تماما للقاعدة التي خلص إليها في بدايته، والتي ورد فيها ما يلي: «القاعدة في هذا الخصوص أن حق الترشيح لمنصب رئيس المجلس الجماعي هو حق قاصر على الأعضاء المنتخبين المرتبين على رأس لوائح المترشحين». وهذه القاعدة هي نفسها المنصوص عليها في المادة 6 من الميثاق الجماعي، وهي نفسها التي تؤيد وتزكي حق رئيس المجلس الجماعي لمدينة طنجة الحالي في الترشيح لرئاسة هذا المجلس، ما دام مستوفيا للشرطين المحددين في هذه القاعدة، باعتباره عضوا منتخبا بنفس المجلس، ومرتبا على رأس لائحته الانتخابية حسب ترتيبها التسلسلي، طبقا لمقتضيات الميثاق الجماعي ومدونة الانتخابات، ولاسيما المادة 216 منها التي تنص حرفيا على ما يلي: «في حالة شغور مقعد بمجلس جماعة حضرية مقسمة إلى مقاطعات لأي سبب من الأسباب... فإن أعضاء مجلس المقاطعة المتواجدين في المراتب الدنيا في لائحة الترشيح يرتقون مباشرة وبحكم القانون إلى المراتب الأعلى...». وبمقتضى هذه المادة، فإن رئيس المجلس الجماعي الحالي لطنجة، الذي كان وصيف وكيل لائحة الأصالة والمعاصرة المستقيل، أصبح مرتبا على رأس هذه اللائحة بحكم القانون. ولا شك أن مبدأ المساواة هو مبدأ دستوري عام، يفرض المساواة بين المرتبين على رأس اللوائح الانتخابية يوم إيداع الترشيحات طبقا لمقتضيات المادة 45 من مدونة الانتخابات، وبين المرتبين على رأس اللوائح الانتخابية بحكم القانون يوم تقديم الاستقالات طبقا لمقتضيات المادة 216 من نفس المدونة. وليس هناك أي نص قانوني يميز بينهم، بل إن أي تمييز بينهم يعد خرقا للدستور وللقانون، ولذلك جاءت المادة 6 من الميثاق الجماعي صريحة في تكريس مبدأ المساواة بين المرتبين على رأس اللوائح الانتخابية دون أي تمييز، حيث نصت حرفيا على التالي: «... ويقصد برأس اللائحة المترشح الذي يرد اسمه في المرتبة الأولى على رأس لائحة المترشحين حسب الترتيب التسلسلي في هذه اللائحة». وأكثر من ذلك، فإن المشرع حرص أشد الحرص على تطبيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المنتخبين فرادى أو باللوائح، إلى درجة أنه خول لوصيف الرئيس المستقيل، في المادة السادسة سالفة الذكر، الحق في الترشيح لمنصب رئيس المجلس الجماعي، كاستثناء آخر من القاعدة العامة التي تمنح الحق للمرتبين على رأس اللوائح الانتخابية، وذلك حتى لا تحرم لائحة الرئيس المستقيل والممنوع قانونا من الترشيح لمدة سنة، من ممثل لها يحق له أن يشارك في الترشيح لمنصب الرئيس، وذلك حفاظا على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المنتخبين فرادى أو باللوائح. مما يؤكد أنه لا يجوز، بأي حال من الأحوال، إقصاء وكيل أو ممثل أي لائحة من لوائح جميع مقاطعات المجلس الجماعي لمدينة طنجة، تحت أي ذريعة كانت، من الحق في الترشيح لمنصب رئيس المجلس المذكور. وإذا كان لا يجوز إقصاء لائحة الرئيس المستقيل من المكتب، وهو ما يزال يحتفظ بعضويته في المجلس رغم منعه من الترشح لمدة سنة، فكيف يجوز إقصاء المرتب على رأس لائحة الأصالة والمعاصرة بحكم القانون التي استقال وكيلها السابق من المجلس نهائيا؟ والأدهى من ذلك أن القول بأن لائحة الأصالة والمعاصرة في مقاطعة بني مكادة أصبحت بعد استقالة وكيلها السابق بلا وكيل قانوني يمثلها ولا من يحق له الترشيح لمنصب رئيس المجلس الجماعي، يجعلها لائحة باطلة طبقا لمقتضيات المادة 45 من المدونة التي تنص على ما يلي: «لوائح المرشحين... يجب أن تحمل... بيان تسمية اللائحة واسم وكيلها في حالة الاقتراع باللائحة وكذا ترتيب المرشحين من اللائحة». هذا يجعل الفرضيات والتأويلات التي خص بها المقالُ، موضوعُ هذا التعليق، المادةَ 6 من الميثاق الجماعي بدون جدوى، لكونه قد بناها على فرضية عدم أحقية وكيل اللائحة المستقيل في تقديم استقالته، وهي فرضية باطلة كما سيتأكد ذلك من الملاحظة الموالية. الملاحظة الثانية: كل منتخب في مجلس جماعي من حقه تقديم استقالته متى رغب في ذلك إن المقال موضوع هذا التعليق ذهب إلى القول: «... كل استقالة غير استقالة رئيس المجلس الجماعي سيكون الغرض منها، كأصل عام، خلق وضع جديد يعطي حق الترشيح لفئات جديدة غير منصوص عليها في المادة السادسة...». ولا شك أن هذا القول يشكل خرقا لمبدأ: لا اجتهاد مع النص، وخرقا للمبادئ العامة التي تؤكد أن المواطنين أحرار في الترشيح لمهام المجلس الجماعي الانتدابية والاستقالة منها متى رغبوا في ذلك. وتكفي الإشارة هنا إلى المادة 19 من الميثاق التي تنص على ما يلي: «يوجه عضو المجلس الجماعي الذي يرغب في التخلي عن مهامه الانتدابية طلب استقالته الاختيارية إلى الوالي أو العامل.. ويسري أثر الاستقالة ابتداء من تاريخ إعلان الوالي أو العامل عن استلامها...»، وكذلك المادة 32 التي تنص حرفيا على ما يلي: «توجه الاستقالة الاختيارية من الرئيس أو النواب إلى الوالي أو العامل المختص...». وواضح أن هاتين المادتين تؤكدان أن كل عضو بمجلس جماعي أو رئيس أو نائب «يرغب» في التخلي عن مهامه الانتدابية من حقه أن يقدم استقالته متى شاء، إلى درجة أنها لا تتوقف على موافقة أية جهة إدارية أو قضائية أو منتخبة، بل يكفي إبلاغها للوالي أو العامل طبقا للقانون. ولا أساس لما ذهب إليه المقال المذكور من أن تلك الاستقالات «ستخلق وضعا جديدا» وأنها «مناورة تدليسية»، لأن ذلك سيؤدي إلى اعتبار جميع الاستقالات في أية مؤسسة انتخابية بمثابة مناورة تدليسية لكونها بالضرورة ستخلق وضعا جديدا، وبالتالي سنكون قد منعنا المنتخبين من تقديم استقالتهم رغم أنف القانون. وباختصار، فإن ما ذهب إليه المقال المذكور من وجوب منع نواب الرئيس المستقيل من تقديم استقالتهم، ووجوب منع وكيل اللائحة المستقيل من تقديم استقالته، ووجوب منع عمدة طنجة الحالي من الترشح لمنصب الرئيس، ووجوب منعه كذلك من الفوز بهذا المنصب، لا يستقيم مع أي تحليل قانوني. الملاحظة الثالثة: السلطة المحلية ليس من اختصاصها قبول أو رفض الترشيحات في جلسة انتخاب مكتب المجلس الجماعي لقد ورد في المقال موضوع هذا التعليق ما يلي: «... إن السلطة المكلفة بالإشراف على الانتخاب، عندما لا تلجأ إلى تطبيق ضوابط الانتخابات المتمثلة في حالة انتخاب رئاسة المجلس الجماعي لمدينة طنجة من خلال التأكد من أهلية المرشح... تكون (السلطة) قد أخلت بالتزاماتها الممثلة في السهر على صحة العملية الانتخابية...». وقد سبق لي أن عبرت في مقالات صحفية عما يخالف هذا الرأي الذي له كامل التقدير، وما زلت أرى أن مهمة تسيير جلسة انتخاب مكتب المجلس الجماعي قد أسندها المشرع إلى رئيس الجلسة الذي هو العضو الأكبر سنا من الأعضاء الحاضرين طبقا للمادة 6 من الميثاق الجماعي، وهو المخول قانونا بصلاحية قبول أو رفض الترشيحات وليس «ممثل السلطة المحلية الحاضر في الجلسة». كما أن المادة 58 من مدونة الانتخابات تنص على ما يلي: «يفصل مكتب التصويت في جميع المسائل التي تثيرها عمليات الانتخاب... تناط المراقبة وحفظ النظام داخل مكتب التصويت برئيس المكتب المذكور...». أما السلطة الإدارية المحلية فقد اعتبرها المشرع طرفا في العملية الانتخابية طبقا للمادة 70 من مدونة الانتخابات التي تخول لها حق تقديم الطعن، شأنها شأن باقي الأطراف الأخرى، مما يؤكد أنه لا يجوز لها مطلقا أن تكون طرفا وحكما في نفس الوقت. فلو كانت لها سلطة وحق التدخل في فرض القانون في الجلسة الانتخابية لما كان لها الحق في تقديم الطعن، إذ لا يعقل أن تطعن في نفسها وتطالب بإلغاء ما أمرت هي نفسها بتنفيذه. ومعلوم أن الاجتهاد القضائي، خلال سريان الميثاق الجماعي السابق، كان يقضي بإلغاء انتخابات رؤساء ومكاتب المجالس الجماعية لمجرد حضور السلطة الإدارية بإلغاء انتخاب رؤساء ومكاتب المجالس لمجرد حضور السلطة الإدارية في جلستها الانتخابية وبالأحرى إذا تدخلت فيها، مما جعل المشرع ينص صراحة في المادة 6 آنفة الذكر على حضور السلطة المحلية. كما أن رقابة صحة هذه العملية الانتخابية ومدى مطابقتها للقانون لم يخولها المشرع للسلطة المحلية، كما ورد في المقال موضوع التعليق، وإنما خولها للقضاء طبقا لمقتضيات الميثاق الجماعي ومدونة الانتخابات، خاصة المادة 74 الشهيرة. لذلك، فإن الاجتهاد القضائي للمحاكم الإدارية والمجلس الأعلى، قد استقر على وجوب حياد السلطة الإدارية المختصة خلال حضورها في الجلسة الانتخابية، وأن تدخلها أو تأثيرها بشكل أو بآخر في العملية الانتخابية المذكورة يؤدي إلى بطلانها. ونخلص من المبادئ العامة والنصوص القانونية آنفة الذكر إلى القول بأن استقالة وكيل اللائحة المستقيل وزملائه صحيحة قانونيا، وأن ترشيح رئيس المجلس الجماعي لطنجة لمنصب الرئيس الذي يشغله الآن، كان ترشيحا قانونيا سليما وصحيحا، وأن فوزه يعتبر فوزا مشروعا ومستحقا لحصوله على حوالي 70 في المائة من أصوات منتخبي المجلس المذكور. وذلك ما أكده الاجتهاد القضائي للمحكمة الإدارية بالرباط التي أيدت ترشيح وفوز رئيس المجلس الجماعي لمدينة طنجة. محام - أحمد الطاهري