«احذروا مصاصي الدماء»... جملة أصبح سكان مدينة المحمدية يقولونها لضيوفهم مباشرة بعد كل تحية وسلام، خوفا من أن يقعوا ضحايا أسراب البعوض (شنيولة) التي تجتاح المدينة أثناء فترة الغروب وفي الليل، والتي «تهاجم» السكان في تجوالهم وسكونهم... المئات من الأطفال يستفيقون ليلا وهم يصرخون من شدة الألم، بعضهم برزت في وجوههم وفي أعضاء من أجسادهم حبوب وانتفاخات واحمرار يزيد حجمها ولونها أو ينقص حسب قوة مناعتهم الجسدية... موظفون وعمال من الجنسين يُرغَمون على الذهاب للعمل وهم يحملون على وجوههم وأياديهم «بصمات» البعوض، الذي لا يفوت لحظة دون امتصاص دمائهم... معاناة ساكنة مدينة المحمدية والضواحي من لدغات البعوض في عز فصل الشتاء جعلتهم يطرحون عدة تساؤلات عن مصيرهم مع اقتراب فصلي الربيع والصيف. وتؤكد كل تصريحات المتضررين ل«المساء» عجز ممثلي السلطات المحلية والبلدية في حربهم ضد أسراب الناموس التي احتلت الحدائق وحاصرت السكان في تجوالهم وسكونهم وتكاثر هذا النوع من الحشرات إلى جوار البرك المائية في ضواحي المدينة وداخل بعض الأحياء المهمشة والتجزئات «العالقة» والمنازل الفخمة المهجورة ومسابحها وأحواضها المتعفنة. وأكدت جهات منتخبة ومسؤولة من السلطات المعنية أن كل الوسائل المتاحة محليا وإقليميا تم تسخيرها دون جدوى وأن الحل الوحيد يبقى هو تدخل طائرات الدرك الملكي لعدة أيام من أجل تطهير المنطقة من «الناموس» الذي يتكاثر يوميا بالملايين. وأرجع بعض السكان والمهتمين بالشأن البيئي التدهور البيئي في مدينة الزهور إلى تدهور المنطقة الرطبة في المحمدية، بسبب زحف المنطقة الصناعية التي أصبحت تشكل أربعة أخماس مساحتها، وبسبب مخلفات المصانع من سوائل سامة ونفايات وأدخنة لوثت مياهها وأتلفت ثرواتها النباتية والحيوانية، وكذا مطرح النفايات المجاور لمجرى «وادي المالح»، والذي حول المنطقة إلى بركة متعفنة تحضن كل أنواع الطيور والحشرات الضارة. وقد عاينت «المساء» مخلفات سائلة تصب في مجرى «وادي المالح»، عبر بعض قنوات التصريف العشوائية، تتسرب من المطرح العشوائي، المتواجد بالقرب من مجرى الوادي، «عصارات» النفايات، محمَّلة بمواد ملوثة شديدة التركيز، إضافة إلى الانبعاثات الغازية والأدخنة المنبعثة من المصانع القريبة من المنطقة الرطبة والنفايات الصلبة التي ترمى عشوائيا، كمخلفات البناء وإطارات السيارات وغيرها... وذكرت مصادر أن مساحات رطبة كبيرة «غزاها» الإسمنت المسلح، علما أن المنطقة صنفت كمنطقة ذات أهمية إحيائية وايكولوجية وأدرجت سنة 2005 ضمن لائحة «رامسار» الإيرانية للمناطق الرطبة ذات الأهمية العالمية. كما تعرضت برك مائية أخرى للتجفيف، بعد أن شكلت إلى وقت قريب مأوى للعديد من الطيور والحيوانات النادرة أو التي في طريقها إلى الانقراض. وبعد الفيضانات التي اجتاحت مدينة المحمدية سنة 2002، عرفت المنطقة تدخلات أخرى تمثلت في إنشاء قناة لتصريف مياه الأمطار فيها وإحاطتها بحزام من الحواجز الترابية، زاد من تقليص مساحتها. إلى أقل من 150 هكتار سنة 2004. وتعيش مدينة المحمدية تحت رحمة الأدخنة الذي تنفثها مداخن الشركات الصناعية الملوثة ومطرح الأزبال العشوائي في الضواحي. كما برز نوع من «الرماد» بات يغطي أسقف المنازل ويلوث غسيل السكان ونوافذهم.. لكن ما تم تأكيده هو تضاعف حدة التلوث ليلا أو في نهاية الأسبوع، بسبب تعمُّد بعض الشركات إلقاء مخلفاتها من الأدخنة والمواد الكيماوية في سرية تامة. ملوثات بخارية زادت من تلوث وتعفن الأجواء وأرغمت السكان، وخصوصا في عالية المحمدية ومداخلها من جهة مدينة الدارالبيضاء، على استنشاق مواد كيماوية سامة أثرت على صحة الاطفال والشيوخ بالخصوص وأرسلت العديد منهم الى المستشفيات، بعد أن أصيبوا بأمراض الربو والحساسية والأمراض الجلدية وأمراض العيون.