«زنزارا» (باعوضة باللغة الإيطالية) يعرفها سكان شمال إيطاليا جيدا وتسبب لبعضهم إزعاجا يتحول إلى كابوس في بعض الأحيان، ففي كل فصل صيف يدخل هؤلاء السكان في حرب ومواجهات دامية مع هذه الحشرة «مصاصة الدماء» التي تجتاح بقوة جهات البييمونتي ولومبارديا والفينيتو المعروفة بزراعة الأرز وبالمستنقعات المائية الناتجة عنها والتي تساهم في تكاثرها بشكل مخيف. فغالبية منازل إيطاليي الشمال مجهزة بما فيه الكفاية للاحتماء من الحشرة مصاصة الدماء ولمواجهتها ميدانيا: نوافذ بشبكات رقيقة تحول دون دخول أي نوع من الحشرات مهما كان صغيرا حجمها، مضارب بلاستيكية للمعركة داخل البيت من أجل قتل الزنزارا، مبيدات، آلات كهربائية توضع في البيت للقضاء عليها، إضافة إلى كريمات ومواد توضع على الأجساد تمنع الباعوض من الاقتراب منها. «لقد اعتدنا التعايش مع هذه الحشرة، لكن هذا لا يمنع من القول بأنها تزعجنا وتحد من حريتنا في الخروج ليلا في الصيف للتنزه أو الجلوس بإحدى المقاهي بشكل عاد... وأعتبر أنني ابن المنطقة فإنني أرى أن وجودها أمر طبيعي بالنظر لانتشار زراعة الأرز ووجود مستنقعات كثيرة للمياه التي تساهم في ولادتها، وأعتقد أن التخلص من هذه الحشرة يعني التخلص من زراعة الأرز التي تساهم في اقتصاد المنطقة «يحكي المزارع الإيطالي فرانكو باريتي المقيم بمدينة فرتشيللي ( 80 كلم شرق تورينو). أما كلاوديا. (23 سنة) المقيمة بمدينة نوفارا ( 50 كلم غرب ميلانو ) فترى أن وجود الزنزارا يخلق جوا من الكآبة بمدينتها وببعض مدن الشمال الإيطالي التي يضطر سكانها إلى الاحتماء بمنازلهم وبالأماكن المغلقة خوفا من هذه الحشرة التي اعتبرتها مزعجة. وقالت: «لو كانت لي القدرة لهاجرت شمال إيطاليا والمناطق المعروفة باسم بيانورا (مناطق بالشمال معروفة بالمستنقعات المائية ) اتجاه وسط إيطاليا أو جنوبها التي يعيش سكانها في سلام بعيدا عن الحرب مع هذه الحشرة وأعتقد أن هذه الأخيرة تساهم في ركوض السياحة بشمال إيطاليا في فصل الصيف». مغاربة إيطاليا خلافا للإيطاليين أصحاب الأرض يعانون بشكل مضاعف من لسعات هذه الحشرة مؤكدين أن لقمة العيش تجعلهم مضطرين للبقاء بالشمال الإيطالي والدخول مع الباعوض في حرب شرسة بمثل الإمكانيات التي يستعملها الإيطاليون. وقال سعيد. (38 سنة) إنه يعاني فقط مدة شهر ونصف من هذه الحشرة لأنه كلما حلَّ النصف من شهر يوليوز يتوجه هو وأسرته لقضاء عطلة الصيف بالمغرب ليظل هناك أكثر من شهر ونصف. ومخافة أن يؤثر انتشار حشرة «الزنزارا» على السياحة بمدن الشمال وعلى الحياة العادية لساكنتها، خصصت إدارات الجهات والأقاليم والبلديات هناك ميزانيات مهمة للقضاء عليها دون المساس بزراعة الأرز. فبجهة البييمونتي فقط تم رصد مبلغ 7.5 ملايين يورو لتطبيق برامج تبنتها مؤسسات بيئية لمحاربة باعوضة شرسة تدعى «Zanzara Tigre» دون المساس بالبيئة ودون تعريض محاصيل الأرز للمخاطر، فتم إعداد مبيد من مواد عضوية وضع في مياه حقول الأرز للحيلولة دون وضع «الزنزارا» لبيضها ولانتشار مزيد من بني جنسها، هذا إضافة إلى غرس نوعية من الأشجار والنباتات تطرد رائحتها ومكوناتها هذه الحشرة غير القادرة على الاقتراب منها.