كانت الساعة تشير إلى السابعة صباحا عندما سمعت رنين المنبه. يجب أن أنهض، فلدي موعد مهم على الساعة التاسعة... أسكتُّ صوت المنبه وخرقت حرية تعبيره المزعجة... بما أنني استيقظت فلا داعي إلى المنبه... فقد أصبح صوته مزعجا بعد ذلك... ذهبت إلى الحمام، عفوا إلى المرحاض -لماذا الادعاء؟- غسلت وجهي وتوضأت وصليت ركعتين لأن الموعد الذي ينتظرني مهم... أخرجت رأسي من ثقب في المرحاض يطل على الزنقة... -قيل لي إنه نافذة قبل أن أكتري الشقة... (الماركوتينغ)- وجدت السماء تجود علينا بأمطارها... الحمد لله، فأل خير.. ذهبت لأراني في المرآة... كم أنا جميل، الله يستر... لو لم تكن المرايا في بيوتنا لخرجنا إلى الشوارع على حقائقنا... زيفت مظهري وذهبت إلى المطبخ لأتناول فطوري (الكامل)... المائدة مزوقة... بمخلفات العشاء... وضعت الفطور وأسرعت في تناوله وأنا أفكر في فتوى لتنظيف المائدة... أفتيت لها بجمع تأخير حتى الغداء... غير معقول، فليس لدي وقت لأنظف... دخلت غرفة النوم وفتحت خزانتي الخاصة... لماذا التباهي؟... دخلت غرفة النوم وفتحت حقيبة الملابس وأخرجت منها حذاء المواعيد وعطر المواعيد وهاتف المواعيد وكوستيم المواعيد... ارتديت طاقم المواعيد وأحسست في لحظة بأنني أصبحت رجل مواعيد. إنها الثامنة، وقت الخروج... فتحت باب الشقة وخرجت برجلي اليمنى وقرأت الفاتحة وأواخر البقرة -لأن الموعد مهم- وأقفلت ورائي الباب جيدا ورميت المفتاح من تحت الباب ليقفل به أخي الذي لازال نائما... موظف بالبلدية يسمونه الموظف الشبح... حتى صرت أتعوذ بالله منه كلما دخلت إلى البيت خوفا منه... خرجت قاصدا محطة الحافلة أو سيارة الأجرة -الكبيرة طبعا-... قصدت في مشيي وغضضت من بصري لأصل بسرعة، فإنني على موعد مهم في التاسعة. إنها الثامنة والربع.. أنا جاهز في المحطة لانتظار أي وسيلة نقل تختطفني لتوصلني في الوقت المحدد... يا سلام رائحتي جميلة تثير الواقفين والواقفات أمامي... ضروري طبعا، إنه عطر المواعيد... الطاكسي قادمة.. مرت دون توقف... إنها ممتلئة... ليس مهما سيأتي من سيقلنا. توالى مرور الطاكسيات الممتلئة وانعدمت الحافلات وبدأت تتلاشى رائحة عطري وبدأ حذائي يتسخ وبدأت أنظر إلى ساعة الهاتف كل دقيقة... -إنها من علامات التوتر-.. بقيَت خمس دقائق على الموعد المهم... الحمد لله، جاء من سيقلنا... جاء الفرج... جاءت سيارة فخمة، عفوا ضخمة، لا بأس أن أشهرها لخدمتها الجليلة إنها مرسيدس 207.. فتحت لنا أحضانها وتسلقناها وعانق بعضنا بعضا ليقفل السائق الباب... أقفلها من الخارج خوفا... ليس علينا وإنما من أن ننزل دون إعطائه خمسة دراهم ثمن الخطفة. تسلقت السيارة وجلست أمام النافذة الخلفية للسيارة على صندوق فارغ للخضر... نظرت عن يساري فأقرأتُ السلامَ امرأةً متقدمة في السن يعترف هندامها بأنها امرأة نظافة.. أدرت رأسي نحو النافذة لأرى السيارات التي تلحق بنا أو ربما تلاحقنا... أخرجت هاتفي لمتابعة أخبار الإذاعة الوطنية كالعادة.. وكالعادة تصريح للسيد وزير النقل، يخبرنا بأن النقل في تقدم وأشغال الطرق إلى الأمام ووسائل النقل تستوعب عددا كبيرا من المواطنين، فنظرت إلى ركاب ال207 فعرفت أن السيد الوزير يتكلم بصراحة... غيرت محطة الإذاعة الوطنية باتجاه الإذاعة المتخصصة في القرآن الكريم، فاستمعت إلى درس مهم حول الصبر.. ال207 لازالت تسابق الريح ولازال ركابها يعانقون بعضهم عند كل توقف مفاجئ وأنا أنظر إلى ساعة هاتفي وقد مرت على موعدي عشرون دقيقة... ماذا سأفعل؟ لقد فهمت الدرس... سأصبر... وصلت إلى الموعد الذي كان بالمقهى بعد خمس وثلاثين دقيقة وقلبي يدق ودارت محركات عقلي للتفكير في مخرج... يا إلهي كيف سأعتذر إلى السيد المهم عن التأخير؟ كيف سأشرح له مشكل تنقلي؟... مهلا... ما هذا؟ هاتفي يرن... إنه الرجل المهم صاحب الموعد المهم... ربما سيعاتبني على التأخر... ربما سيلغي الاتفاق معي لأني تأخرت. نشف الريق في فمي... وأغمضت عيني وأجبته. أنا: ألو... الرجل المهم: هل أنت في المقهى؟ أنا: نعم الرجل المهم: اسمح لي إيلا تعطلت عليك... الطريق مقطوعة. أنور خليل